يعتبر عبد الرحمان الكواكبي، من أهم الشخصيات التي بصمت الفكر العربي في العصر الحديث، وهو من أهم دعاة الإصلاح؛ أمثال: جمال الدين الأفغاني (1838 – 1897)، ومحمد عبده (1849– 1905)، ومحمد رشيد رضا (1865- 193) وآخرين، وهؤلاء المفكرون حاولوا الإجابة عن إشكال أساسي هو: لماذا تقدم الآخر، وتأخرنا نحن؟
تطور الفكر الإصلاحي عند عبد الرحمان الكواكبي عبر مرحلتين هما:
المرحلة الأولى: في حلب وقد حول الكواكبي بذهنيته المفكرة والإصلاحية هذه التجارب والمعاناة والخبرات إلى تأملات في تحليل مشكلات الأمة وكيفية النهوض بها، وهي التأملات التي قدمها في كتابين شهيرين هما: كتاب "أم القرى"، وكتاب "طبائع الاستبداد".
المرحلة الثانية: في القاهرة حينما هرب من القمع والتضييق الذي مورس عليه من طرف الوالي العثماني في حلب، وفي هذه المرحلة بدأ بنشر أفكاره في مجلة "المنار" التي أسسها محمد رشيد رضا، وكان الكواكبي يلتقي بنخبة من رواد الإصلاح في القرن 20، من بينهم: محمد رشيد رضا ومحمد كرد وطاهر الجزائري وعبد القادر المغربي.
وقد نقل عنه رشيد رضا بعد أن وصل الكواكبي إلى مصر قوله: " إن الإنسان يتجرأ أن يقول ويكتب في بلاد الحرية ما لا يتجرأ عليه في بلاد الاستبداد، بل إن بلاد الحرية تولد في الذهن من الأفكار والآراء ما لا يتولد في غيرها". ومن خلال هذا القول قد يستشف أنّ العثمانيين في عهد عبد الحميد الثاني، كانوا يمارسون الاستبداد السياسي، الذي كان الكواكبي يناضل من أجل القضاء عليه، فهو اعتبره أصل كل كساد، ويقول فهمي جدعان "أن الكواكبي كان أول عربي يتصدى للاستبداد بالتحليل والدراسة الجادة". ويشترك الكواكبي مع الأفغاني في مفهوم الجامعة الإسلامية، والتي نظر له الكواكبي في كتابه "أم القرى"، الذي يعتبر هو الخزان التنظيمي لحركات الإسلام السياسي التي ستأتي فيما بعد، ومنها على سبيل المثال "جماعة الإخوان المسلمين".
في كتابه "طبائع الاستبداد" حاول الكواكبي أن يشرح رؤيته لما وصفه بالداء الدفين وسبب الانحطاط في الأمة، فالداء هو الاستبداد السياسي ودواؤه الشورى الدستورية، ويرجع أصول الاستبداد السياسي إلى الاستبداد الديني.
وفي كتابه "أم القرى" حاول الكواكبي أن يقدم تحليلا لمشكلات الأمة، بمنهجية تستوعب تعدد البيئات والقوميات واللغات، وتنوع المجتمعات والثقافات، لصياغة برنامج مشترك للنهضة والتمدن، للخروج من ما سماه "الفتور العام"، وقد استفاد الكواكبي من عديد من المفكرين الغربيين، من أهمهم الكاتب الإيطالي فيتوريو ألفيري. وفكر الكواكبي تم قراءته ودراسته من طرف بعض المصلحين الإيرانيين، من أهمهم الشيخ محمد حسين النائيني، الذي كتب كتاب "تنبيه الأمة وتنزيه الملة"، الذي جاء كتنظير فقهي للحركة الدستورية في إيران سنة 1905.