تحرير

  • غيث البحر: مدير مركز انديكيتورز Indicators
  • سعد العكل: مساعد باحث

المؤشرات هي عنصر أساسي في أي نظام مراقبة وتقييم فعال، حيث يزاول مختصو المراقبة والتقييم طيفا واسعا من الأدوات، وأهمها المؤشرات، لمرونتها الكبيرة وإمكانية استخدامها في عدة مهام، ويعد التحدي الرئيسي في وضع المؤشرات هو ضمان النزاهة والجودة في قطاع العمل الإنساني، حيث تعتبر المؤشرات أداة للتقييم الكمي للتدخل الإنساني.

"نادراً ما تحتاج إلى تصميم مؤشر جديد، قاوم الإغراء، إذا كنت تظن أن المؤشر الذي صممته أفضل، سل نفسك، لماذا لم يستخدمه أحد من قبل". David Pencheon

يقصد بالاقتباس أعلاه، أن عملية وضع المؤشرات هي عملية تطورت مع نشأة القطاع الإنساني، حيث أن كل مؤشر تم وضعه من قبل أشخاص تقنيين وتم تطويره في الأزمات والكوارث الإنسانية فيما بعد، ليشكل بعدها مؤشراً تم تصميمه وتطويره تراكمياً.

ما هو المؤشر؟

بشكل أساسي، في سياق مراقبة وتقييم المشاريع الإنسانية، المؤشر هو أداة قياس كمية يقدم المعلومات حول مراقبة الأداء وقياس التقدم ونتائج المشروع. ويجب أن يكون المؤشر الجيد واضحا ومختصرا، وأن يشخص قضية واحدة. 

ما هي معايير دقة المؤشرات؟

في علم ضبط الجودة هناك ما يسمى معايرة أدوات الفحص، وهي الطريقة التي نضمن بها أن أداة الفحص نفسها ليست معطلة وتعطي نتائج دقيقة، ويمكن عكس هذا على المؤشرات، فإذا كان المؤشر نفسه غير دقيق فإن هذا يعني أن تقييمنا للمشاريع الإنسانية سيكون خاطئا وسيؤدي بنا للدفع نحو فشل المشاريع.

إذا كيف يمكن أن أعرف بأن مؤشرا ما دقيق أم لا؟ 

توجد ثلاثة معايير رئيسية يجب أن تتحقق في أي مؤشر حتى نعتبر أنه دقيق ونعتمده في المراقبة والتقييم، وهذه المعايير هي:

  1. المصداقية: وهي تعبر عن مدى دقة المؤشر في قياس ما ننوي قياسه، أي أن المؤشر لا يقيس شيئا مختلفا عما كنا نبحث عنه، ومثال ذلك، إذا كنا نمتلك مؤشرا لنسبة الأطفال المحصنين ضد شلل الأطفال وكان تعريف المؤشر خاطئاً فإن هذا يعني أن هناك أطفالا غير محصنين سيتم اعتبارهم محصنين وهذا يعني أن المؤشر يعطي نتائج خاطئة ويمكن القول عنه بأنه غير صادق.
  2. الثبات: بما أن المؤشر هو أداة قابلة للتكرار وفي حال حدث أننا جمعنا البيانات لأكثر من مرة من عينات متشابهة وأعطى المؤشر في كل مرة نتائج مختلفة بشكل كبير، فإن هذا يعني أن المؤشر غير ثابت ولا يمكن اعتماده.
  3. التحيز: وهو أي تأثير خلال عملية جمع أو تأويل البيانات يؤدي إلى خطأ منتظم باتجاه معين، كالميل بحيث يعطي نتائج إيجابية لصالح الرجال أكثر من النساء مثلا، أو أن يعظم المؤشر من النتائج الإيجابية للمشروع ويميل لتصغير النتائج السلبية.

إذا كان هناك أي سؤال أو تحفظ حول هذه المعايير الثلاثة، يعتبر القرار الحكيم أن نراجع تصميم المؤشر وكل ما يتعلق به بحيث نضمن تصحيح المؤشر بالشكل الذي يحقق المعايير الثلاثة السابقة.

إذاً، كيف أستطيع ضمان تحقيق المؤشر للمعايير السابقة؟ وهل توجد أداة تساعدني في ذلك؟

توجد عديد من العوامل التي تؤثر على دقة المؤشرات وقد لا يمكن حصرها بسهولة لأن كل الإجراءات التي تتعلق بالمراقبة والتقييم تؤثر على ذلك، فحتى جمع البيانات وأداء جامع البيانات إن لم يتم الإشراف عليه بدقة سيؤدي بالنهاية للحصول على نتائج مؤشر خاطئة، لكن أهم العوامل التي تمس المؤشر بشكل مباشر وترتبط بتصميمه تم حصرها بأداة معروفة باسم "مصفوفة المؤشرات" (Indicators Matrix)، فمصفوفة المؤشرات تحتوي كل المؤشرات المتعلقة بالمشروع، ولكل مؤشر توجد خمسة عناصر يجب تحديدها بدقة لنضمن جودة المؤشر الذي بين أيدينا. الجدول التالي يعبر عن نموذج لمصفوفة مؤشرات: 

الهدف

المؤشر

تعريف المؤشر

مصادر البيانات

التوقيت والتكرار

الشخص المسؤول

الاستخدام

الأثر

         

 

النتائج

         

 

المخرجات

         

 

الأنشطة

         

 

في العادة تأتي مصفوفة المؤشرات بعد الإطار المنطقي للمشروع، وخاصة في ملف خطة المراقبة والتقييم، فقسم المراقبة والتقييم هو المسؤول عن تحديد المؤشرات بدقة وضمان جودتها، وكما هو ملاحظ تحتوي مصفوفة المؤشرات على البنود التالية:

  1. تعريف المؤشر: إن عدم تعريف المؤشر بدقة قد يؤدي إلى جمع بيانات نعتبرها محققة له ولكنها في الحقيقة ليست كذلك، كما في المثال الذي ذكرناه حول التحصين ضد شلل الأطفال، فلكي يكون الطفل محصنا يجب أن يكون قد تلقى جرعات بعدد محدد على فترات متباعدة بمدة محددة، وفي حال حدوث خلل بذلك لن يكون الطفل محصنا، وسيكون مؤشر عدد الأطفال المحصنين ضد شلل الأطفال خاطئا في حال لم نعتمد هذا التعريف بدقة. يضاف لذلك ذكر العمليات الحسابية التي نستخدمها للحصول على قيمة المؤشر النهائية (في حال تطلب ذلك).
  2. مصادر البيانات: ففي كثير من الحالات يكون الخطأ باعتماد مصدر بيانات غير دقيق أو ليس لديه المعلومة بالأصل، لذلك يجب أن يحدد مصدر بيانات دقيق (أو الأدق بين المصادر المتوفرة) وينصح بأن يكون لدينا أكثر من مصدر للبيانات، وأن نراعي الحصول على القيمة الكمية للمؤشر وبيانات نوعية أو وصفية للحصول على التبريرات اللازمة المتعلقة بسبب عدم تحقيق هدف المشروع أو تحقيق نتائج تجاوزت ما خططنا له وبهذا يكون تقييم مؤشرنا للمشروع منصفا، كما أن هذه التفسيرات تساعد على بناء إجراءات تصحيحية وطرح متقرحات لتطوير المشروع.
  3. التوقيت والتكرار: فإذا تم جمع البيانات حول عدد المتدربين الذين وجدوا فرص عمل بعد 3 أشهر من نهاية التدريب مع أن خطة المشروع كانت أن يجدوا فرص العمل خلال ستة أشهر فإن هذا يعني نتائج خاطئة بسبب الخطأ بالتوقيت، لذلك يجب أن يحدد في كل مؤشر التوقيت الذي سيتم تطبيقه فيه ومرات التكرار.
  4. الشخص المسؤول: في العادة يكون من قسم المراقبة والتقييم ويمكن أن يكون شخصا آخر هو المسؤول عن إدارة جمع البيانات المتعلقة بالمؤشر ومعالجتها والحصول على قيمة المؤشر النهائية. تحديد الشخص المناسب لأجل هذه المهمة عامل مؤثر جدا في دقة المؤشر، فتقييم مؤشر صحي معقد ومتقدم يحتاج أن يكون المسؤول عنه من المختصين في القطاع الصحي.
  5. الاستخدام: كيف سيتم استخدام نتائج المؤشر وكيف ستفسر ولمن سيتم تحويلها وكيف سيتم إعلام الإدارة والداعمين بالنتائج النهائية والتبريرات المرافقة للنتائج، وهذا يساعد على ضمان النزاهة والاستخدام الصحيح للنتائج التي يقدمها المؤشر.

هل تقتصر المؤشرات على المشروع الإنساني فقط؟ ماذا عن مراقبة الأهداف الإنسانية الدولية والإقليمية والمحلية؟

المؤشرات لا تقتصر على المشروع الإنساني فقط، فالدول ومؤسسات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية تمتلك مؤشرات أوسع تتعلق بالأهداف الكبرى للتدخل الإنساني، ويمكن تصنيف المؤشرات في القطاع الإنساني كما يلي:

 

  • المؤشرات العالمية: على الصعيد الدولي، تقدم وجهة نظر استراتيجية للاستجابة الدولية لظاهرة ما، كما في هذه الأيام، يتم العمل على وضع خطط وأخذ تدابير للحد من تفشي فيروس كورونا في العالم. علينا أن نعي أهمية البيانات المأخوذة على نطاق عالمي، لأنها لا تعتمد فقط على المؤشرات الدولية، بل تعتمد أيضاً على المؤشرات المستمدة من بقية الهرم، حيث أن المؤشرات المقدمة عن طريق المشاريع لها أهمية كبيرة في تقديم تعقيب أكثر أهمية على ظاهرة ما.
  • المؤشرات الإقليمية: يتم وضعها من قبل عدة دول تشترك في نطاق جغرافي واحد للحد من تفشي ظاهرة ما قد تطغى تداعياتها على الإقليم كاملاً، كمثال على ذلك، موجة اللجوء الأخيرة من تركيا باتجاه الإتحاد الأوروبي، تجلت استجابة أوروبا بتقديم مبلغ 700 مليون دولار إلى اليونان لكي تتمكن من الاستجابة لاحتياجات الأعداد الكبيرة من اللاجئين.
  • المؤشرات المحلية: هذه المؤشرات تهدف إلى جمع بيانات من المشاريع المنفذة في بلد ما، لقياس مدى استجابة هذا البلد لظاهرة ما.
  • المؤشرات الخاصة بالمشروع: تعد حجر الأساس في عملية الاستجابة لأي ظاهرة، حيث تقيس أداء وأثر أي مشروع كما أسلفنا الذكر.

يمكن أيضا تصنيف المؤشرات بشكل مختلف يتعلق بالمحفظة"Portfolio" والبرنامج "Program" والمشروع Project، وفي العادة يستخدم هذا التصنيف داخل المؤسسات الإنسانية، فيكون للمؤسسة رؤية عامة يعبر عنها بالمحفظة ويكون لها مؤشراتها الخاصة، تقسم الرؤية العامة إلى برامج محددة ولكل برنامج مؤشراته أيضا، وفي النهاية تتجزأ البرامج إلى مشاريع ويتم مراقبتها وتقييمها باستخدام المؤشرات الخاصة بالمشروع. عمليات التصنيف هذه تساعد في الحصول على تعريف دقيق للمؤشر، والذي ذكرنا بأنه من أهم عوامل جودة المؤشرات.

في النهاية نجد أن هناك مؤشرات بسيطة جدا ومؤشرات متقدمة تحتاج بعض الحسابات، ومؤشرات معقدة تحتاج لكثير من مصادر المعلومات ومقاطعات متداخلة وحسابات واستخدام للترجيحات والأوزان للظواهر التي يحتسب منها المؤشر، وينصح دائما في المؤشرات الإنسانية أن نستخدم مؤشرات بسيطة نبتعد فيها قدر الإمكان عن التعقيد في الحسابات، ويمكن إجراء ذلك عن طريق تجزيء الأهداف والأنشطة بحيث تصبح أبسط، وننصح بهذا لأن استخدام مؤشرات معقدة قد يؤدي إلى خطأ في النتائج ليس بسبب خطأ في المؤشر بذاته، ولكن لأن المؤشرات المعقدة تحتاج اختصاصيين لاستخدامها والتي بالعادة تستخدم من قبل المؤسسات البحثية لقياس ظواهر ليست قابلة للقياس بالأساليب البسيطة.