بالرغم من أنه لم يُوجد حتى الآن تعريف مُتفق عليه لمفهوم الثقافة الإسلامية وإنما اجتهادات من بعض العلماء والمفكرين إلا أنه يُمكن تعريفها على أنها هي العلم الذي يجمع بين التأصيل الشرعي والوعي الواقعي بتاريخ الأمة وحاضرها ومستقبلها، أي أنها علم معياري وواقعي في آن واحد وهي علم كلي شمولي ينظر للإسلام بشموليته من حيث عقيدته ومقاصده وفهمه على مر التاريخ. وهذا يعني أن مفهوم الثقافة الإسلامية لا يقتصر فقط على الجوانب الدينية للإسلام، وإنما جميع جوانب الإسلام وأركانه المُحيطة به من تاريخه و جُغرافيته...إلخ مما يتعلق بالإسلام، فإنه كل صغيرة وكبيرة قد تؤثر بشكل من الإشكال على الإسلام أو يؤثر فيها، يمكن اعتبارها وبصورة من الصورة تنتمي للثقافة الإسلامية.

ما مدى أهمية الثقافة الإسلامية بالنسبة للفرد المسلم؟

يُعتبر تأثير الثقافة الإسلامية في نفس المُسلم تأثيرا شاملا، حيث تُعزز من شخصيته وانتمائه للإسلام و تبني فكره وأساليبه والتماهي معه في جميع الأحوال، كذلك وإثبات الحضور القوي للمسلم ووجوده و كيانه، ويكون هذا التأثير أشد ظهورا وأكثر وجوبا على المسلم إظهاره عند اختلاطه بغير المسلمين.

فإن المُسلم المُثقف إسلاميا لا يعامل نفسه كمعاملة الفرد وإنما دائما يتذكر أنه يقود خلفه أمة كاملة يمثلها لُغة وحضارة وثقافة وتاريخه هو تاريخها وأمجاده هي أمجادها وتزيد من إمكانية وقدرات الفرد على التفاعل مع مبادئه وقيمه وتعزز من حُضورِها في نفسه في ظل التشوه الحديث للثقافات بمختلف أنواعها وامتزاجها.

وتُبين الثقافة الإسلامية مدى الازدهار الحضاري للأمة وتُعين الفرد المُسلم على التعلق بها وجعل همومها من همومه والنهوض بها أولى أولوياته وكذلك بيان أسباب هذا الازدهار ومعرفة أسباب تراجعه ومحاولة إيجاد الحلول المناسبة للنهوض بالأمة والحفاظ على ثقافتها وحضارتها وتراثها. من أهمية الثقافة الإسلامية ودراستها بالنسبة لجميع الأمة هو معرفة كل ما أصاب هذه الأمة من داء وسقم بالإضافة إلى مواطن الألم وأسبابه وطُرق علاجه وتتبع عثراتها والإعانة على الوقوف بشموخ مجددا.

أسباب تشويه الثقافة الإسلامية ونتائج هذا التشُوه:

بدأت تتلاشى ميزة الإسلام على باقي الأديان ولم يعد يُلائم فطرة الناس وأصبح المُسلمين غير مُتمسكين به ولا يدعون إليه وغير المسلمين تختلف نظرتهم للإسلام ما بين احتقار وتجريم و تخلف، و أصبح معظم الأفراد والجماعات في محاولة يائسة لإيجاد الخلاص من هذه الأوضاع المشوشة عن طريق العقل والاستنباط والتحليل والفلسفات مما زاد الأمر سوءا وبعدا عن الدين. حيث أن الإسلام أمر رباني مرتبط بالوحي والمُعجزات الإلهية بينما الفلسفات تعتمد على العقول والآراء والأفكار، وهكذا امتزجت روح الإسلام بروح الأديان الأخرى وامتزجت الفسلفات وتشوهت صورة الإسلام بالنسبة لمعتنقيه وغير مُعتنقيه – وحاشا لله تعالى أن يتشوه الإسلام أو تتشوه صورته فإنه حق ثابت لا يُمحق ولا يضيع، وكيف يضيع وقد تعهد الله الحافظ بحفظه؟؟ -وإنما تشوهت رؤيتنا له وتشوهت عقولنا وأفكارنا وحياتنا وأُقلقت راحتنا وما علينا إلا الرجوع لثقافتنا وتعاليم ديننا التي لا شك في صحتها وحفظها والتمُسك بها لمواجهة جميع معالم التشويه والتغيير هذه. 

من الأسباب التي أدت لتشويه الفكر وتشويش الرؤية تجاه الإسلام وتعاليمه وقيمه هو السياسة واستخدام الإسلام لخدمة مصالح شخصية أو أُممية سواء لجماعات لا تُحسن عكس صورة الدين وإنما تُضللها أو جهات مسلمة تستخدمه كذريعة لافتعال الخلافات والحروب أو تشويهه وإلباسه حُلة الإرهاب والعُنف والتخلف وظلم المرأة، مع العلم أنه لا توجد عقيدة أو ديانة على وجه الأرض أجمع أنصفت المرأة بقدر الإسلام. 

وكذلك من الأسباب التي أدت إلى تشويه الرؤية الواضحة تجاه الإسلام هو الانصهار المُفرط بين الثقافات والفلسفات وأرواح الأديان الأخرى والتساهل في ذلك مع إهمال الحدود للأزمة ونرى ذلك جليا في أيامنا هذه بسبب ما يحدث من إذابة للحدود والمعتقدات والقيم بحجة المساواة والوحدة والتآلف والحضارة مُتجاهلين بذلك أن مُعتقداتنا هي ما أنزلها الله علينا وبينها لنا نبينا الحبيب صلى الله عليه وسلم وليست ما تُمليها علينا عُقولنا وعقول المُفكرين والقادة وأحلامهم وما يعتقدونه وقيمنا هي قيم ديننا الفطري الحنيف وليست المُستحدثة المليئة بالعُنصرية، مُتناسين أيضا أن الإسلام دين العدل القاطع وإنما المساواة لا يمكن أبدا إحلالها في جميع جوانب الحياة، والفرق بالتأكيد شاسع بين العدل والمساواة، وأن الوحدة والتآلف بالنسبة لنا هو فقط وحدة الأمة الإسلامية وتكتُلِها وكل وحدة واتفاق دون ذلك ما هو إلا زيادة في التفريق. وما أدى أيضا إلى تشويه هذه الرؤية هو البعد عن الثقافة الإسلامية وتعاليم الإسلام والتخلي عن كافة العلوم الشرعية التي لا يسع المُسلم جهلها وعدم ملازمتها للأفراد مما يؤدي إلى رؤية ضبابية لجميع جوانب الصورة وسهولة تشويهها ومؤخرا استبدالها.

الإسلاموفوبيا..السلاح الموجه ضد المسلمين

معظم التشوهات التي يُعاني بسببها المُسلمين في جميع بقاع الأرض نتجت عن الهجوم الإعلامي على الإسلام والثقافة الإسلامية في مُخططات بعيدة المدى، فالإسلام يتعرض لهجوم إعلامي مُريع لا يتوانى عن تشويه الحقائق وربما تلفيق الأحداث للإساءة إلى الإسلام ومُعتنقيه بأكبر قدر ممكن، و تروج الحملات صورا مغايرة للواقع وتُركز على نشر الجوانب السلبية للأحداث وإلصاق تُهمة الإرهاب والعُنف بالإٍسلام حتى أصبح الغير معتنقين للإسلام يخافون منه من معتنقيه ويكرهونه ويصفونه بأبشع الصفات وذلك في وسائل التواصل الاجتماعي والتشهير بالإسلام والمسلمين في الأفلام والبرامج التلفزيونية؛ خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر، وجد الإعلام محيصا ينفذ به إلى الإسلام وإلى الآن يتم ذكر هذه الأحداث والحديث عنها وإظهار الولايات المتحدة الأمريكية بمظهر الفريسة الضحية المظلومة ولكن ما يحدث للمُعتقلين المسلمين والعرب في المُعتقلات الأمريكية لا يتم التحدث عنه أو حتى ذكره، وما يحدث من حروب وإبادات جماعية للمُسلمين وانتهاك حقوقهم والتحقير من شأنهم والعنصرية والتمييز تجاههم في مختلف دول العالم لا يتم الالتفات له أبدا ولكن يتم التنديد بالإسلام بصفته عُنصري ومُمِيز ضد المرأة.

الإبادات الجماعية للأمريكيين من أصول إفريقية التي ارتكبتها جماعة KKK لا يتم التطرق لها أبدا أو ذكرها أو حتى شن هجوم تجاه المسيحية أو تجريم جميع الأمريكان البيض ولكن ما تفعله داعش هو وصم على وجه كل مُسلم ويجب أن يُعاقب كل مُسلمي هذا العالم والوقوف ضدهم ولكن حقيقة هلا تتبعنا داعش ومن يدعمها ويتعاون معها؟؟

والمؤسف أن نرى في المُقابل غياباً واضحاً للإعلام الإسلامي الذي من واجبه على الأقل و إن لم ينفي هذه التُهم أن يقوم بعكس الصورة الحقيقية عن الإسلام وقيمه وإنسانيته ورُقيه، بل والأشد خزيا أن نرى مُعتنقي الإسلام يخجلون من التعريف بهم كمسلمين خوفا من أن يوصفوا بالمتخلفين والرجعيين، ويهابون الاعتراف به كديانة لهم خوفا من أن يوصفوا بالإرهابين ويخاف الناس منهم ومن مظاهر اشتداد هذه الهجمات في الآونة الأخيرة هو الهجوم الإعلامي العربي على الإسلام والمُسلمين والاعتقالات الجماعية في حق أئمة الإسلام والإساءة إليهم من قبل حكومات مسلمة أيضا كما هو ظاهر.

الواجب على كل مسلم ومسلمة أن يُزيح الضباب عن وجهه ويُميط اللثام عن ما خُفي عنه، فإن التعليم أصبح ولا أسهل فكل مُعتنق للإسلام هو جزء من هذه الصورة المُشوشة، لذلك فلنبدأ بأنفُسنا ونُنَمي ثقافتنا الإسلامية لنُصبح أهلاً لها للدفاع عنها والخروج بها من مستنقع الشُبهات الذي غرقت فيه؛ و ذلك عن طريق التحلي بطابعها الأصلي في مبادئنا وقيمنا وتعاملنا ومن ثم لا نتوانى عن نقلها و تعليمها إلى غيرنا ممن لا يستطيعون تعلمها بأنفسهم فهو واجب علينا ذلك وإنه من كتم علما ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار. ألا قد بلغت اللهم فاشهد.