يُطلق مصطلح النهضة على أواخر العصور الوسطى في أوروبا التي انطلقت من إيطاليا ثم أخذت في الانتشار إلى بقية أرجاء أوروبا، على مستوى الفن والأدب والعلوم التي أدت إلى ما وصلت إليه أوروبا في عصر التنوير، لذا فإن إطلاق مصطلح النهضة في الوطن العربي يعني أننا نؤكد على أننا كعرب متخلفين عن الأوروبيين بقرون وهذا ليس صحيحاً، لذا علينا أن نستبدل بمصطلح النهضة مصطلح التنوير أو عصر الازدهار.

سطعت في عصر النهضة الأوروبية ما بين القرن 14 والقرن 16، الحركة (الإنسية) التي أعادت الامتياز للإنسان أمام مجال الابتكار وهيئته لرفض تجاوزات الكنيسة والدين، وهذا ما يشترك مع الوطن العربي في القرن الواحد والعشرين.

 إلا أنه علينا ألا نغفل أن النهضة التي انطلقت من إيطاليا استفادت من الحضارة العربية الإسلامية، أي أن افتقاد الحركة الإنسية اليوم في الوطن العربي هي كبوة وليست بداية طريق.

بين عرب يعيشون في الوطن العربي وبين عرب مستغربة (عرب يعيشون في أوروبا وأمريكا) على وزن عرب مستعربة (العرب ذوو الأصول غير العربية في الجزيرة العربية)، يتصارع الرأي حول من سيسرع النهضة في الوطن العربي بعد ثورات الربيع، ولربما نظرة الفوقية لدى بعض "العرب المستغربة" جعلتهم يعتقدون أنهم هم من سيغير الواقع العربي وسيحملون الألواح التي تحمل الوصايا العشر بحسب اعتقادهم، ما يثير الحنق لدى كثر لأنها بالتأكيد ليست الحقيقة.

أما اعتقاد العرب الذين يعيشون في الوطن العربي أنهم هم مجرد فتيل لاشعال النار التي ستغير الواقع، فهي نظرة أقرب للرضوخ والدونية وهذا أمر ليس بالعادل مع النفس، فأهل مكة أدرى بشعابها ومن عاش فترة الحرب وكان كالهشيم في النار ليس كمن اختار الخروج الى ملاذه الآمن ليكون التفكير بوطنه في المرتبة الثانية.

وإن كانت النهضة تسطع من لب الشيء ولب الفكر وأكبر دليل على ذلك أن النبي محمد صلي الله عليه وسلم أوصل رسالة وصنع نهضة في مجتمعه وهو ابن بيئته.

 إلا أن الأمر لا يجب أن يدفعنا لنعيش انقسامات وانتماءات مشتتة كما أراد الغرب ذلك. ما بشر به الرسول في مستقبل الأمة الإسلامية التي ستحكم العالم لم يكن من فراغ بل جاء بناء على نظرة شاملة لاتحاد بين العرب في الوطن العربي والعرب المستغربين.

وإن كنا نريد أن نسقط عصر التنوير العربي اليوم على النهضة الأوربية، فإن دور العرب الذين عاشوا نكسات الربيع العربي في أوطانهم يكمن في الإرشاد إلى الطريق السالك إلى النهضة، فيما يبدو أن دور "العرب المستغربين" المقتدرين يكمن في الدعم المادي بينما يتوجب على الطبقة التي تحمل الشهادات الجامعية نقل التطور الصناعي وبناء البنى التحتية، كما دعمت أسرة ميديشي في فلورنسا وسوفرزا في ميلانو والبابوات في روما النهضة في إيطاليا.

ويبقى للتعليم الدور الأهم في هذا التنوير لكن لا يمكن نقل منهج علمي غربي إلى وطن تسوده المعتقدات الشرقية والإسلامية، فمن الممكن أن نتخذ من طرق التعليم أدوات مقبولة للاستخدام، لكن المحتوى لن ينبثق إلا من المجتمع ذاته ومن أمجاده وانتصاراته التي دفع ثمنها الغالي والرخيص.