موضوع المرأة يعد من أكثر وأهم المواضيع المطروحة في الساحة العالمية في عصرنا هذا، لما فيها من حساسية تولدت نتيجة التراكمية فكرية وأخلاقية في التعامل مع المرأة، فهي شيطان الحضارات القديمة، والحيوان الأدنى في عص الغرب الدارويني القريب، ولأن البشرية استطاعت أن تتدارك بعد مراحل عديدة، وتراكم تجارب كثيرة أخطاء الماضي العنصرية، أين افتكت المرأة في الغرب حقها الإنساني المساوي في وجوده وجود الرجل، عادت الموازين عادلة مقسطة بحقها، لكن إذا أعدنا النظر للمرأة في الشرق نجد أنها هي الأخرى تعرضت للظلم والاضطهاد بحكم جنسها، لكن الإسلام أشرق بحقيقته العظيمة بحق هذه المخلوقة بكونها مساوية للرجل في الخلق والوجود فلا يليق أن تعامل بأقل من ذلك.
إن ما يثار في عصرنا هذا هو إعادة تشكيك في الموروث، ورصد كل ما له قصد مناف للنظام العالمي الجديد، من قواعد وقوانين، ومن أهم تلك القواعد ما يخص المرأة، وكيف يصدر الشرع لها بندا من المعاملات والتشريعات.. في خضم كل ذلك ستكون لنا جولة مع خيرة الدكاترة والعلماء لتكون إجاباتهم بيان لكل مشكك ومتسائل وباحث.
ما هي مكانة المرأة من ناحية فقهية؟
العلامة محمد ولد الحسن الددو الشنقيطي: خلق الله البشر كلهم من نفس واحدة، وكرم الإنسان تكريمًا يجعله أهلًا للاستخلاف في الأرض، ولذلك قال الله (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)، ولذلك جعل الله العالم كله من ذكر وأنثى بما سواه سبحانه، فالعالم كله لا بد فيه من ازدواجية، فالله واحد وكل ما دونه زوج ومثنى.
أما عن النساء فقد كرمهن الله وحررهن بهذه الشريعة في عدة نصوص، من كثير من القيود السابقة التي كانت في العالم، فالبشرية ساد فيها الكثير من الظلم والاعتداء.
فنجد مما يقال أن بعض العلماء وضعوا قيودًا جديدة على المرأة المسلمة، حتى لا عمل لها في الحياة العامية كثيرًا؟
إنما ذلك يصدق على بعض العلماء وعلى بعض البيئات وليست منطلقة من شرع الله، وإنما تنطلق من بعض العادات والتقاليد، وإلا فالله أنزل الشرع خطابًا للرجال والنساء وجاء في ذكر الوحي إلى النساء.
لم يذكر الله اسم المرأة في القرآن سوى مريم الذي جاء ذكرها تقريبًا 30 مرة في القرآن، جاء ذكر الوحي إليها وجاء ذكر الوحي إلى أم موسى، وجاء خطاب آدم وحواء معًا.
أما في الأحكام والتشريع فالله عز وجل ساوى بين الرجال والنساء، فيما يتعلق بالتشريع، فجعلهم مكلفين، فلا فرق بين المرأة والرجل في التكاليف، هذه أحكام فيها خطاب للجميع، فيما يتعلق بالحقوق، جعل الحقوق متساوية إلا ما جعل من القوامة للرجال فقال (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ)، شرف الله المرأة بالصيانة وحمل النفقة وعدم تكلفتها أي تكلفة مادية، لا تجب عليها النفقة حتى لو كانت أغنى الناس، لا تجب عليها الدية حتى لو كانت أغنى الناس، تكاليفها المادية موفرة لها، ولذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم في خطابه العادل المتوازن وجدنا أن أعلى ما في الأرض من المعنويات، الإمامة والقوامة، فجعلهم الله للرجال، وأن أعلى ما في الأرض من الماديات؛ الذهب والحرير، وخص النبي صلى الله عليه وسلم بهن النساء، قال (إن هذا حرامٌ على ذكور أمتي).
أما ذكره في الآية (وقرن في بيوتكن)، فهذا الخطاب موجه لأمهات المؤمنين، وليس لكل النساء، ولم يأمر الله جميع النساء بأن يقرن في بيوتهن أبدًا، والنساء مأمورات بالاكتساب وبالعمل وبالعلم والتعليم، هذا يقتضي حركة وسفر في بعض الأحيان، ولكن كل هذا له ضوابط شرعية، فالله سد باب الفتنة، فلا شك أن النساء من أقوى وسائل الإغواء والإغراء.
لماذا المرأة في بلد معين تختلف عن غيرها في بلد آخر؟ هذا يختلف فيما يتعلق بالعادات وليس في شرع الله، فأمام شرع الله النساء في مشارق ومغارب الأرض سواء.
كيف يكون التوازن في الحقوق والواجبات بالنسبة للمرأة؟
د. علي القرة ياغي: لما ننظر إلى جميع الآيات القرآنية والأحاديث التي تتعلق بالرجل والمرأة، نجد أن هذه الآيات والأحاديث تحقق التوازن الكامل في منظومة الحياة، وهذا التوازن يؤدي إلى التكامل، وهذا التكامل هو الذي يبنى عليه الوئام والانسجام.
وهذا التوازن قائم على ميزانٍ يقوم على الحقوق والواجبات والتوزيع، وهذا التوزيع ليس بالضرورة أن يكون بقضية المساواة، وقد يكون في بعض الأمور أن حقوق المرأة أكبر، وأن أهمية المرأة تكون أكبر في مجال، وفي مجال آخر تكون حقوق الرجل أكبر، ومن هنا يتحقق التوازن (وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ).
وكذلك هذه الشريعة موزونة وقائمة على هذا الميزان المتحقق، ولذلك النظرية الإسلامية والمبدأ الإسلامي القائم في التعامل مع المجتمع، هو مبدأ التوازن، ومن خلال النصوص الشرعية يتحقق هذا التوازن في الحقوق والواجبات، كل العالم يعلم أن المرأة من حيث الخلطة مكونة من xx من خلال الكروموسومات، والإنسان الذكر متكون من xy هذا من أصل الخلق، كذلك طبيعة المرأة والاسلام يحقق ما في قضية المساواة من خير ولكنه مع مبدأ التوازن ومبدأ التعادل لتحقيق التكامل والتوازن والتعايش والانسجام، لتحقيق أسرة منسجمة يقوم على كفتين وليس على كفة واحدة.
المرأة الطبيبة قد تخرجت مع زملائها ولا تجد عمل مع أنها مميزة، فكيف نساوي في هذا الأمر؟
شرعًا يجب على الدولة أن لا تمنع المرأة من حقوقها وحريتها، هذا في دولة مكلفة، أما في دولة غير متكلفة عندما تخرج من دائرة الدين فحينئذٍ المرأة عليها أن تعمل مع ضوابط الشرع، وأن تعمل في إطار قدراتها.
هناك اشكالية في المواثيق الدولية عندما تفرض علينا أشياء كثيرة لا تتماشى مع الإسلام في موضوع المرأة؟
د. عبد المجيد النجار: طرح عمل المرأة في المجتمع، طرح فيه نوع من المغالطة سوقه الظرف الذي نعيش فيه والاشكاليات التي نعيش فيها، لأن المرأة هي إنسان والإنسان ما خلق إلا ليعمر التعمير المادي والمعنوي، والمرأة تقوم بالعمل في أي موقع يكون فيه مصلحة للمجتمع، فلا فرق بينها وبين الرجل إلا الفرق الذي تحتمه الفطرة والطبيعة البشرية، والقدرات التي هي عند المرأة وعند الرجل.
وأول الأدوار التي تقوم بها المرأة؛ دور الأسرة، مع الأسف أن الثقافة السائدة رذلت هذا الدور العظيم، دور التربية الأسرية، وهو أعظم الأدوار، ونجد أنه يعلى من شأن المرأة حينما تخيط الملابس أو تصنع الطعام، ويرذل حينما تصنع الرجال في الأسرة، معادلة مختلة، ولهذا أول دور هو دور القيام بالأسرة، وهذا حُب وعمل، وليس بطالة كما نكتب في بعض الاستمارات التي نملأها؛ لا عمل لها!
بعض الشعوب بدأت تستيقظ من هذا الأمر، في اليابان أصبحوا يعتبرون أن عمل المرأة في بيتها عملًا حقيقيًا، بعد ذلك كل عمل في المجتمع يؤدي إلى مصلحة، فإن المرأة تكون فيه وتأدية، وهذا الأمر أصبح فيه كلام، باعتبار أن رئاسة الدولة قد تغيّر مفهومها، وتغيّرت تركيبتها عما كان قديمًا، وأصبحت الآن بعض الفتاوى تقول أن الأمامة العظمى يمكن أن تعمل فيها المرأة أيضًا، وهناك سوابق في القرآن الكريم، بلقيس وما إلى ذلك، والشرط الأساسي هو أن تكون المرأة في أي موقع تكون فيه تؤدي عملها بمراعاة الشروط الإسلامية.
ما هي مكانة المرأة في تاريخنا الاسلامي في إدارة الدولة أو في البيت؟
د. علي الصلابي: أم سلمة في صلح الحديبية كانت صاحبة الرأي الراجح في حل الأزمة التي مرّ بها الصحابة، وأشارت على الرسول صلى الله عليه وسلم بنحر الهدّي، وثم بعد ذلك كان رأيها حل الإشكال القائم في صلح الحديبية، أمنا عائشة دخلت في الشأن العام وكان لها آراء متميزة، وقدمت للأمة العلم والمعرفة، وكان بعض الصحابة والتابعين يأخذون من علمها.
والرؤية القرآنية واضحة في موضوع المرأة، وساق الله من إحدى الحضارات، كقصة الملكة التي كان نظامها برلمانيًا، (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ)، لو أخذت برأي الرجال في تلك الفترة لدمرت المملكة، هي أعقل وأبعد نظر أرسلت واختبرت سيدنا سليمان وقادت شعبها في نهاية الأمر إلى الإسلام (إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين) في سورة النمل من هذه الآيات ذكر الله النظام البرلماني والنظام الرئاسي، وجاءت في سياق المدح ولم تأتي في سياق الذم.
هذه إشارات لاستخلاص الدروس والعبر، والاستفادة منها في الحضارة الإسلامية والحضارة الإنسانية، نحن نجد في العصر الحديث فيما حدث مع دولة نيوزلندا ورئيسة وزرائها، كيف قامت بدور كبير في مكافحة الإرهاب وإدارة شعبها بتميز وحضارة، ونرى الآن المستشارة الألمانية كيف قادت شعبها في التنمية والاقتصاد، وبالتالي ربما تكون حالات استثنائية، فطبيعة هذا الدين يعطي للحالات الاستثنائية الابداع والتميز والقيادة، وقد ذكر الله في القرآن امرأة قادت شعبًا إلى التوحيد.
أليس هناك ظلم على المرأة عندما نطالبها بالعمل العام وفي نفس الوقت الرجال من المسلمين يطالبونها في خدمة الأولاد وفي خدمة بيتها، أليس هذا تكليف لا تطيقه المرأة؟
د. نور الدين خادمي: قلنا بأن عمل المرأة وعمل الرجل يقوم على أساس الموازنة والتناسب بين الاثنين من جهة الفروق العضوية والوظيفية في إطار التناسب والتكامل، بناء على الأصل في التكليف والمسؤولية مما جاء في القرآن (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف)، وجاء في الحديث: (إنما النساء شقائق الرجال)، وهذا مبدأ المساواة المطلقة في الخلق والوظائف والتكليف، باستثناء بعض الحالات التي يقتضيها هذا التناسب في الوظائف والتكامل.
المرأة أحيانًا يخل في حقها في السياسية والوظائف والاقتصاد، تتعرض مثلًا إلى حرمان اجتماعي بحرمانها بالمثل، بناءً على عادات موروثة ليس لها علاقة بالدين، المرأة تتعرض إلى الاستغلال الاقتصادي، ببخس حقها وظلمها، ومساواتها بالرجل في المصنع أو العمل، هذا ظلم اقتصادي وابتزاز اقتصادي.
والمرأة تتعرض أيضًا في ابتزازها لعدم المساواة في الوظائف، ولذلك الموازنة بين الرجل والمرأة في الوظائف أمر مهم يحتاج إلى وعي، وإلى معادلة تربوية وسياسية إعلامية، حتى ننهض بهذا التكامل الذي هو في الإسلام أمر أصيل لا غبار عليه.
هناك فقهاء يتشددون على المرأة ويمنعونها من كل شيء، وفقهاء آخرين يبيحون للمرأة كل شيء، كيف نسقط فقه الموازنة بشكل صحيح حتى نحمي المرأة ولا تظلم؟
د. أحمد الريسوني: هذه مشكلة حقيقية في تطور المجتمعات الإسلامية عبر التاريخ وليس فقط الآن، هناك وظائف لا يمكن أن تقوم بها إلا المرأة، المرأة تحمل وتلد وترضع، وهذا يرتبط أن تراعى المرأة في مراحل معينة، وبعد ذلك يمكن للمرأة أن تكون في عملها كالرجل، فلا بد للمجتمع أن يراعي فلا يفرط في هذه الوظائف، ولكن على الفقهاء أن يراعوا المرأة إذا كانت موظفة وتريد أن تلد أن تأخذ إجازة طويلة، أعمال البيت لا تلزم بها المرأة، ويلزم بها المرأة والرجل على حدٍ سواء.