تتعرض الأسرة لمجموعة من الصراعات التي تسعى لتفكيكها وتمييع أهم قيمها الصلبة ومن ذلك ما يعرف بالجندرة ومختلف القوانين الدولية التي تفرض عليها تقبل سلوكات شاذة عن الطبيعة البشرية، كقانون المثلية الذي يفرض على الكثير من الدول، سنعرض من خلال الأسئلة عدة شروحات لثلة من العلماء حول مفهوم الجندر ومدى تأثيره على الأسرة، وعن مختلف المواثيق الدولية التي تفرض نفسها. 

هناك صراعات كثيرة جدًا في تعريف الأسرة والجندر، ونحن نعرف أن لديك باع في هذا الموضوع لحماية الأسرة، لو أطلعتنا على هذا؟

د. نور الدين خادمي: الأسرة تطلق على الخلية الإنسانية الأصلية والفطرية وفق مراد االله عز وجل في الخلق، والله خلق الإنسان ذكرًا وأنثى، فمراده في الخلق أنه خلق هذا الإنسان وخلقه بزوجية ذكر وأنثى (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى)، والأسرة تنشأ من الزوجين ثم الأولاد ثم البنات ثم الفروع، وهي الخلية الإنسانية التي أرادها الله بناءً عليها تكوين المجتمع وتكون الإنسانية.

أما الجندر وهو نوع اجتماعي ونمط جديد على خلاف الأسرة الفطرية الخلقية، يسمى هذا المصطلح بالنوع الاجتماعي،  أي جمع من البشر  والمجتمع، معنى ذلك أن المجتمع هو الذي يفرز الجنس، وليس الفطرة أو الخلق، فإذا كان مجتمع ما أراد  أن يؤسس نوع جديد من النمط الاجتماعي والأعراف الاجتماعية له ذلك، ولذلك سمى هذا النوع بالنوع الاجتماعي، فالمجتمع الإنساني هو الذي يقول بنمط كذا ووظيفة كذا، وليس الخلق والفطرة.

لو بقيت المجتمعات الإسلامية على نظام الأسرة، والمجتمعات الغربية بقوا على نظام الجندرة، إلى أين ستصبح الأمور عند المجتمعات الغربية؟

د. نور الدين خادمي: لأن الأسرة الفطرية هي أسرى دينية وإنسانية، فالدين جاء ليوقرها، ولذلك الأسرة قائمة في المجتمع الإسلامي والإنساني، الحاجة الإنسانية هي حاجة إلى أن الرجل يحتاج إلى المرأة والمرأة تحتاج إلى الرجل في إطار رابطة شرعية قانونية، والأسرة بهذا التركيب الخلقي الزوجين ثم الأبناء، على خلاف النمط المدعو إليه والذي يتماثل في أسرة مكونة من شخصين، ربما رجلين.

 فخطورة الجندر هي اجتثاث النظام الأسري باعتباره الأساس في الخلق والأساس في تعمير الدنيا وما إلى ذلك، ولذلك وقع الاعتراض على هذا الجندر اعتراضًا انسانيًا واعتراضًا اسلاميًا.

 أضف إلى أن الأسرة الجندرية في النوع الاجتماعي، يقولون عن الأمومة أنها نمط تقليدي أفرزه مجتمع ما بعرف ما، فالأمومة هي مقتضيات المرأة ومن صفاتها الدائمة.

الأسرة بين الشريعة والمواثيق الدولية، ما هو موقف العلماء من المواثيق الدولية؟

د. علي الفرة داغي: من أخطر هذه المواثيق الدولية التي وضعت في الأمم المتحدة، من أواخر السبعينيات من القرن الماضي وثيقة (سيداو)، هذه الوثيقة وقعت عليها بعض الدول ومنها بعض الدول العربية مع الأسف الشديد، وهذا أكبر خطأ.

 وتنص هذه الوثيقة على قضية المثلية، جواز الرجل من الرجل والمرأة من المرأة، كما تسمى أسرة النواة، بدل الأسرة الممتدة تكون هناك الأسرة المنفردة والمتكونة من جنس واحد وكذلك قضية الجندر، فقضية الجندرة وهي المساواة في كل شيء، تقوم الأسرة على أساس جنس واحد أو نوع واحد، وبالتأكيد هذا مخالف للفطرة السليمة والكونية.

 الكون كله قائم على الميزان والزوج (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ)، كل شيء في هذا الكون؛ زوج.. حتى الحيوانات، ولذلك المخاطر  أنها فعلًا لو طبقت الأسرة الواحدة أو الجندرة أو المثلية، سيكون هناك انذارٌ لنهاية العالم، فقانون الجندرة يخالف القانون الكوني، وبالتالي مثل ما حاول الشيوعية إلغاء الملكية الفردية ففشلت وسقطت، فإلغاء نظام الأسرة أخطر بكثير من هذا.

 ولذلك نحن في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بذلنا جهودًا كبيرة منذ عدة سنوات، وتمخضت هذه الجهود في ورش العمل، ثم جمعنا حوالي أكثر من 300 منظمة دولية عربية وإنسانية وبالتعاون مع إخواننا في اتحاد المنظمات الأهلية، فقد تمخضت هذه الجهود بين الرجال والنساء والمفكرين عن وثيقة عامة تتضمن المبادئ الكلية الإنسانية التي تتفق عليها جميع الأمم وسميناها وثيقة الاتحاد.

 وحقيقةً عرضنا هذه الوثيقة على فخامة الرئيس التركي باعتباره رئيسًا لمنظمة التعاون الاسلامي وإن شاء الله أملنا الكبير بأن تتبنى منظمة التعاون الإسلامي هذه الوثيقة لتعرض هذه الوثيقة، فنحن في منظمة التعاون 57 دولة، لو تبنت ذلك، تستطيع أن تضع هذه الوثيقة في الأمم المتحدة، فوثيقة (سيداو) لم تصبح حتى الآن ملزمة لأنها لم تصل إلى 50%، فوثيقة الاتحاد الخاصة بنا تتكون من 8 فصول مركزة جدًا.

  • الفصل الأول: مفهوم الأسرة ومقاصدها.
  • الفصل الثاني: مكونات الأسرة ووظائفها، بشكل قانوني مرتب.
  • الفصل الثالث: الطفل وحقوق الأسرة.
  • الفصل الرابع: الأسرة الممتدة.
  • الفصل الخامس: نظام الأسرة.
  • الفصل السادس: العلاقات الزوجية.

إلى آخر ذلك.. فهي وثيقة مختومة، وأنا أدعو الدول الإسلامية لتنبي هذه الوثيقة. 

دولة بروناي جرمت قانون المثلية، والآن الكثير من المنظمات تهاجم القانون التي اتخذته دولة بروناي، كيف يستطيع أن يقاوم العلماء هذه القوانين التي هي ضدّ الانسانية؟ ثُم من يتضرر أكثر في قانون الجندرة الرجل أم المرأة؟

د. عبد المجيد النجار: نقارن بين وثيقة الاتحاد وبين الوثيقة الدولية القائمة على (سيداو)، الاتحاد أنجز وثيقة تتعلق بالأسرة، وهناك فرق يضرب بجذوره الأساس الفلسفي الذي تأسست عليه هذه وتأسست عليه تلك، وثيقة الاتحاد تأسست على فلسفة إسلامية تأسست على أن الإنسان بفطرته أولًا، محددة فترته مسبقًا، فطرته ومكونته قبل وجوده، فهذا ذكر وتلك انثى، وعلى هذا الأساس تطورت الأحكام والقوانين والتشريعات.

 أما وثيقة (سيداو) لها فلسفة أخرى تضرب بجذورها في فلسفات مادية معروفة وموجودة ومن أهمها الفلسفة الوجودية التي تقول أن الانسان وجوده قبل ماهيته، هو الذي يصنع حقيقته بعد ولادته، فيمكن أن يصنع نفسه ذكرًا ويمكن أن يصنع نفسه أنثى، هكذا الفلسفة الوجودية.

​وأنا أرى أن هذه الوثيقة لها صلة مكينة بهذا، وهذا أدى إلى فروق في الأحكام وفي الأصول، الوثيقة الإسلامية الخاصة بالاتحاد ترى أن العلاقة بين الرجل والمرأة هي علاقة تكامل للسكينة وللرحمة، وثيقة (سيداو) تقول أن العلاقة في الأسرة هي علاقة شراكة، هناك فرق جوهري وعلينا كمسلمين أن نقف وقفة حقيقية من هذه الوثيقة التي تقوم عليها (سيداو) لأنها دمار للأسرة.

وهذه الفلسفة الجندرية تكون ضد التعمير، وهي لو تمادت عمليًا وتكونت الأسر من غير رجل مع امرأة، سينتهي النوع الإنساني أصلًا، وغالبًا قانون الجندرة يصدر بسبب حماية المرأة.

قانون الجندر هو ضد الإنسان، لأن الإنسان يتكاثر ويتطور بتكامل بين زوجين؛ بين رجل وامرأة، إذا كانت الأسرة فرع من فروع الجندر، ستكون النتيجة دمار للبشرية كلها وانتهاء للنوع البشري، فكيف نستطيع أن نحافظ على الأسرة؟

أن نعود إلى الفطرة والأسرة الطبيعية التي تتكون من ذكر وأنثى وبينهما تكامل ويبنى هذا التكامل على الإسلام، فليست هذه شركة مادية تبنى على الربح أو الخسارة، هذه علاقة حميمة وهذه علاقة فيها الرحمة والأنس واللباس، بالإضافة إلى تحديد الحقوق والواجبات، الفرق بين الوثيقتين هو فرق جوهري، فنحن نفتخر بوثيقة الاتحاد ولا نجعلها فقط للمسلمين بل نعرف عنها للإنسانية جمعاء، لتصبح لها مكانة بين الناس.

دولة بروناي جردت قانون الجندرة والمثلية وهوجمت بشكل كبير، كعلماء كيف لنا أن نقف ضد هذه القرارات الدولية التي تقف مع الجندر؟

العلامة. محمد الحسن ولد الددو الشنقيطي: بالنسبة لمثل هذا النوع من القوانين، هو يقضي بعد فترة إلى انقراض البشر لأن الذكرين لا يلدان، فإذا مات أحدهما سيبقى الآخر في عزلته إلى أن يموت، وكذلك الأنثيين، وتلك هي مجرمة وليس فقط على مستوى الشريعة فحسب بل بمقتضى الفطرة والانسانية وكل القوانين.

 فالأصل أن تكون مجرمة في جميع بلدان العالم، الأمر الآخر أن الغربين والكثير من المسلمين ينظرون على أن الزواج هو سعي لنزوة أو لإشباع رغبة جنسية في الإنسان، وهذا غير صحيح الزِواج له عندنا 6 مقاصد في الشريعة وهي النيات الستة التي ينويها الشخص الذي يريد النكاح:

  1. الامتثال لأمر الله (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ)
  2. الامتثال لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج)
  3. طلب النسل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)
  4. عفافُ نفسه عن ما حرم الله عليه، وإشباع رغباته من الحلال وسدُ باب الشيطان من الهواء
  5. إعفاف الطرف الآخر، فإن الطرف الآخر عفافه من التعاون على البر والتقوى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).
  6. بناء البيت المسلم  الذي يطبق أحكام الشريعة المتعلقة بالأسرة، ففيها الإنجاب والتعاون والنفقة والسكن والاحتواء. 

ما هي تجربتنا التاريخية فيما يتعلق بالأسرة؟ وما موقفنا من قوانين الجندر في التاريخ التي عطلت النسل والأسرة؟

د. علي الصلابي: تجربتنا الإنسانية فيما يتعلق بالأسرة  تمتد إلى آدم وحواء، فتجربتنا الأولى أسست عن طريق الذكر والأنثى أبونا آدم والسيدة حواء، طبيعة الحياة أصل أصيل فيها نواة الأسرة، ندعو إلى فهم قصة آدم عليه السلام والسيدة حواء لمعرفة حقيقة الإنسانية، فلا يمكن معرفة حقيقة الإنسانية وأبعادها في النفس والروح والعلاقات إلا من خلال القرآن الكريم.

 وبالتالي هذه جذور تمتد إلى آدم وحواء الذين أسسوا الحضارة الإنسانية، عوامل انهيار الحضارة الإنسانية الأولى (فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ)، بدأت الحضارة الثانية (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ)، ثم قال الله (قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ ۚ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ) فالأسر التي فيها ذكر وأنثى فيها من البركة الكبيرة، ثم ذكر الله قصة إبراهيم وكيف تفرعت تلك الحضارة إلى الأنبياء الأخرين، في مادة ذاخرة لطبيعة الأسرة وامتدادها في القرآن الكريم، فنحن ندعو إلى التدبر لاستخراج العبر للإنسانية جمعاء.