أردت أن أجد الحقيقة مهما كلف الثمن… وهنا بدأت رحلتي للبحث عنها، للمرة الأولى في حياتي أمرتُ عقلي أن يُفعّل عقله، لكن لم يستجب العقل؟!؟ وكأن الطريق التي تصلنا ببعض مقطوعة تماما، أليس عقلي؟ كيف لا أستطيع السيطرة عليه؟!؟

عزمت أن أعرف بنفسي ما المشكلة، فذهبت في رحلة بداخلي بحثا عن الطريق الذي سيوصلني إلى العقل، كانت بدايتي بالقلب، كيف لا وهو العضو الوحيد الذي لا زال يستجيب، وإن كان بشكل متقطع

إلا أنني عندما وصلت إليه صدمت! كان منظرا مخيفا مظلما، وكأنها مدينة مهجورة منذ سنين، كيف أُهملت هكذا أيها القلب؟ مشيت بحذر تام، وبينما أنا على هذا الحال، رأيت ضوءا يضيء وينطفئ.. بالكاد أستطيع استغلال إضاءته لتريني الطريق... وكأنه خلل كهربائي، اقتربت منه، وإذا بي أرى مصعدا مكتوب عليه (إلى العقل)، نعم أخيرا وجدت الطريق. 

غير أن المصعد يستخدم نظام حماية متطور، اقتربت منه وإذا به يمسح وجهي وجسمي كاملا، تم تأكيد تصريح المرور الوحيد،أهلا وسهلا أيها المالك انتظرتك طووو… انقطع الصوت،وفتحت أبواب المصعد بهدوء شديد ورغم أني خفت من كفاءته، إلا أنني صممت على المواصلة، فهذا قلبي ولن يخذلني أبدا وهذا ما شجعني على الصعود، تحرك المصعد متجها نحو الأعلى بسرعة متوسطة

وفجأة توقف، وانقطعت الأضواء الرئيسية، وظهر ضوء الطوارئ الخفيف، انتابني شعور بالذعر وارتجفت يداي، أخذت نفسا عميقا وفتحت عيناي لأبحث عن زر الطوارئ أو ماشابه.

كان مصعدا زجاجيا يسمح بالرؤية للخارج، وتتزين جدرانه بزخارف ذهبية، وفي منتصف هذه الزخارف، لوحة كتب عليها "كلا إن معي ربي سيهدين". 

فقرأتها، واهتزت بها حبالي الصوتية، غير أني أحسست أن قلبي هو الذي نطق بها، لمحت لمحة من الزجاج، وإذا بأجزاء القلب تضيء تدريجيا، نظرت للداخل لأرى هل عادت الطاقة للمصعد؟ وإذا باللوحة فُتحت وظهرت خزينة سرية بداخلها، وجدت فيه جهازا مشعا مبهرا جذبني لآخذه بدون تفكير أو تردد، جهاز مربع الشكل، كتب عليه بخط عربي جميل (الفطرة)، وضعته في جيبي وحينها عادت الطاقة إلى المصعد، واستمر في الصعود إلى أن وصلت للمحطة الأخيرة.

نعم وصلت إلى العقل، بدأت أسير ببطء، غرفة عجيبة مملوءة بعدد كبير من الأجهزة ذات التكنولوجيا العالية، التي لم أر مثلها قط، حتى في أفلام الخيال العلمي، وكأنني في مركبة فضائية، دقة لا متناهية، وإبداع في التصميم، ذهلت من عدد الوصلات التي تربط جميع الأجهزة ببعضها، كانت شفافة وتستطيع رؤية المعلومات تنتقل عبرها بسرعة فائقة، إنه حقا شيء بديع. 

وعندما اقتربت من منتصف الغرفة، وصلت إلى قمرة القيادة، حينها رأيت كهلا يقعد على كرسي التحكم

كانت ملامح الإرهاق تعلو وجهه.. والسلاسل تربطه بهذا الكرسي، يبدو وكأنه لم يتحرك من مكانه منذ زمن طويل، اقتربت منه وبدت ملامحه مألوفة لي فبادرت بالحديث وجرت بيني وبينه هذه المحادثة:

أنا: من أنت؟

هو: أنا؟ ألا ترى؟ أنا مشغل النظام.

أنا: ماذا حل بك؟ لماذا تبدو مرهقا؟

هو: أرهقتني... وأرهقني الحفاظ على نظامك.

أنا: الحفاظ عليه؟ من ماذا؟

هو: من الغزو الخارجي أولا ، ومن التمرد الداخلي ثانيا.

أنا: غزو خارجي؟ تمرد داخلي؟ ماذا تقصد!؟

هو: لا يوجد لدي الوقت لأجيب عن أسئلتك!!! لا تشغلني عن مهمتي… حماية النظام... فهذه مهمتي الوحيدة، من سيحمي النظام إذا أشغلتني عن ذلك؟

أنا: أتجيب على أسئلتي بأسئلة أخرى؟!

هو: وما يدريك أنت؟ لا زلت صغيرا.

أنا: هل تعرف كم عمري؟

هو: نعم أعرفه، عمرك صغير وكف عن الإزعاج!!!

حينها أنهيت المحادثة ليقيني بأنه لا يملك الأجوبة على أسئلتي، أزعجني الحديث معه كثيرا وفي نفس الوقت أشفقت على حاله، حاولت أن أجد ما يساعدني لفك السلاسل عنه، التفت حولي، فلفت انتباهي ضوءا مشعا في ظهر كرسي القيادة،

 ضوء مشع؟ هذا الضوء يذكرني بشيء، نعم إنه نفس الضوء المشع الذي رأيته في المصعد، أدخلت يدي في جيبي وأخرجت منه جهاز الفطرة، وضعته في المدخل المشع، فظهرت رسالة في الشاشة الرئيسية مفادها: (تمت استعادة القيادة من قبل الفطرة). 

حينها سمعت بعض الأصوات، تتبعت الأصوات يمينا وإذا بها صوت نافذة تفتح مكتوب عليها : "الواقع"، ثم التفت يسارا وإذا به صوت باب من الفولاذ يفتح بشكل بطيء، وكانت الإضاءة الأرضية ترسم الطريق إليه، وفجأة صوت غريب.. هذا صوت حديد يرتطم بشيء، التفت للكهل! نعم إنها السلاسل تفككت وتحرر الكهل، نظر إلي نظرة استغراب وحيرة، فأخذت بيده وذهبنا سويا إلى نافذة "الواقع".

حينها بدأت عيناه في الاتساع وظهرت معالم الانبهار على وجهه، ناديته مرارا... فلم يجبني... فتركته على حاله وواصلت المسير إلى الغرفة ذات الأبواب الفولاذية.. وتستمر الحكاية..