إنني أتوخى في هذه الآونة أن أسوِّد بمداد يراعي هذه الصفحة الناصعة البياض بالكتابة عن شخصية أعجبت بها في حياتي.. 

شخصية أثرت العالم بأسره، وبهرت جوانب الأرض ونواحيها كما تبهر الشمس الكواكب.. شخصية كلما ذكرتها ذكرت معها العلم والعمل، والجد والجهد، والدعوة والإصلاح، ويتبادر إلى خيالي مع ذكره الحِلم والأناة والصبر والتفاني.. 

شخصية معروفة بين العرب والعجم، وبين المشهور والمغمور، وبين الكبير والصغير.. شخصية من نسب شريف وأصل كريم ..ألا وهو الشيخ الكريم والأستاذ العظيم السيد:

أبو الحسن علي الحسني الندوي -رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته-..!!

إنني لست هنا لأضع بين أيديكم سيرته من ولادته إلى وفاته، بل تضاربت أمواج الأفكار والخواطر في باطن ذهني، فشعرت بالإلحاح المستمر، والإصرار الدائم من قلبي كي أنشرها مع ذكر بعض مواقف حياته أمام الجماهير، لعلهم يستفيدون منها، أو تكون سبيلاً للبحث عن المزيد من تاريخ حياته الفذة، ابتغاء من الله ربنا أجراً وثواباً..

ربما كان قلمي عاجزاً في التعبير عن حياته حق التعبير، تائهاً في بحر الصفات والنعوت أبحث به عن صفة أصفه بها، وعن نعت أنعته به. فلا أجدها إلا ناقصة غير لائقة به! ولكن لا بد أن أكتب عنه كيفما أمكن، ومهما كان حالي وبالي.. لأنه هو الوحيد الذي ظهرت صورته في ذهني، شخصية معروفة ومؤثرة تستحق الإعجاب.

مولده ونشأته وتعليمه

وُلد الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي –رحمه الله– في بلدة "راي بريلي" من لكهنو في الهند ونشأ في مهد العلم والمعرفة، وترعرع في بيئة القرآن والحديث فنبت نباتاً حسناً، حتى حفظ القرآن وأخذ من العلوم حظاًّ وافراً منذ صغره، وكان حريصاً على جمع الكتب ومطالعتها، وعلى نهل العلوم وإدراكها، ونبغ في العربية والأزددية والفارسية ومهر في غيرها من المعارف.

سافر الشيخ إلى لاهور وغيرها طلباً للعلم.. فما أن انتهى من حياته الدراسية حتى بدأ حياة جديدة كلها عمل ونشاط.. فقد أقبل على التدريس والتعليم والكتابة والتأليف والدعوة والإصلاح. 

مؤلفاته

ألَّف كتباً مشهورة معروفة، ومنها: "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين " الكتاب الذي ألفه وهو ابن نيف وثلاثين.

ما أعجبني من حياته أكثر وأكثر تواضعُه وتخلقه بأخلاق الرسول –صلى الله عليه وسلم- من حلم، وأناة وصبر وتضحية، وطلاقة وجه، وابتسامة مشرقة، مع علو منزلته وسمو مكانته بين الناس والعلماء. 

ولقد أخبرنا أستاذنا وشيخنا السيد شعيب الحسيني الندوي حفظه الله موقفاً عجيباً من حياته ، فقال: "إن رجلاً كان يسبُّ الشيخ دائماً من وراء بيته بأعلى صوته حتى يسمع الجماهير.. فاستأذن منه أحد على منعه وردعه من ذلك، فقال الشيخ: دعوه وشأنه..! " فكلما ذكرت هذه القصة ذكرت قصص الرسول الكريم –صلى الله عليه وسلم- التي نسمعها منذ نعومة أظفارنا.

عندما كنت أسمع عنه كثيراً، أتخيل أنه رجل بهي الطلعة شديد التحركات ضخم الجسم قوي الكلام، يملأ وجهه الوقار والهيبة! ولكن.. حينما رأيت صورته .. فإذا هو رجل متواضع ساكن الحركات هادئ التنقلات..!

ومما زاد حيرتي ودهشتي أسلوبُ كتبه للصغار مثل " قصص النبيين " باستعمال " الكانات" الكثيرة .. فهو ممتع للصغار مدهش للكبار.. لأن من يعرف مكانته ومنزلته فيما بين المجتمع يعلم أنه من يستعمل التعبيرات التي لم تعهدها العرب في مقالاتهم وكتاباتهم .. فكيف بهذا الأسلوب هنا..؟

وفاته

إن وفاة الشيخ الندوي تركت في القلوب أثراً كبيراً، فإنه توفي في آخر القرن العشرين، يوم الجمعة صباحاً، وكأنه كان مستعدًّا للرحلة من العالم الذي انغمس في مستنقع الضلال والفساد إلى عالم يملؤه النور والضياء والهدوء والسكون.. ففاض بروحه إلى ملك الأرواح.. إنا لله وإنا إليه راجعون...

الملاحظة: وأرجو من القراء ألا يكتفوا بهذه المقالة الصغيرة، فأطلب منهم مطالعة المزيد من حياته وسيرته..! والله ولي التوفيق.