وتقول زهرة وقد رسم الإرهاق خطوطاً على وجهها فبدت أكبر من عمرها: نأمل في حكومة تسهّل لنا القراءة والعلاج والمعيشة وتتركنا بحالنا نسعى لرزقنا. 

على امتداد شـارع النيـل يصطفن كـحقول التوليـب برفقـة التربيزة (تعني الأواني والموقدَ التقليدي ومقاعد للزبائن)، ورائحـة الشاي تتجول بين أزقة الشارع تُـرشدكَ إليهن لتعيل أفراداً وترسم بسمـةً على ذاك الوجه الذي تملؤه التجاعيد التي تروي لك قصة كفاح بائعات الشاي في السودان. 

 في هذا المقال سنروي قصة أحلام تنتظر على شارع النيل المُعيل لها ليفتح أفاقاً جمّة لتلك المُكافحات، الكفاح النسويّ المتسمّ بالعفة والتوكل في طلب الرزق. 

ضرب الفقر بيده وحامَت الحروب الأهلية على أمن البيوت، سارقين دفء الاُسـر ونعمة التواجد على مائدة طعام واحدة. فكـان الخلاص لتلك الأسر بطريقٍ وحيد وهو أن تقوم عمادات البيوت بالعمل كبائعاتٍ للشاي والزنجبيل والمشروبات الساخنة، على أمل كبير لبناء أحلامهنّ بِـأبنائهن ليكملوا الدراسة والتعليم وليروا نتاج ذاك التعب المتمثلّ بحرارة الشمس وسطوتها عليهنّ. 

ونحنُ نعيش بِـأحلامنا وننتظر تحقيقها كما تنتظر هذه الأحلام على شارع النيل، ولكنّ الفارق هو السعيّ للتحقيق. 

لكلّ منا أحلام يريد تحقيقها والعيش بالنعيم الذي يأتي بعد تحقيقها، فالطريق ليسَ مُكلّلاً بالورود والزهور، والراحةِ والنعيم، وإنما بالأشواكِ والمتاعب والمصاعب لتزيد من الإصرار والعزيمةِ لدينا ونتعلم منها دروساً جمّة. 

ولكن يبقى السؤال الأهم هو لماذا نسعى؟ ما الغاية من هذا التعب والسعي والإجهاد؟ ألم نسأل لماذا! لكي نُعطي، أجل ولعلّه أجلّ وأعظم هدف في هذا الكون وهو أن نُعطي، أن نرفع من قيمة العطاء، أن نُعطي سعادةً، أن نُعطي حُباً. 

من منا يعتزم أن يكون طبيباً متميزاً ويكون في حساباته الفقراء الذين لا يملكون أيّ ثمن للعلاج فيعطيهم عِلاجاً مادياً ويزرع الشفاء في منتصفِ أرواحهم. 

ومن يعتزم أن يكون مُهندساً ذا أثر فيكن في أهدافهِ أن يرممّ مساكن المحتاجين ويبني لهم فَـيأويهم من حرِّ الصيف وبرد الشتاء فيجمع شملهم ويدفئ أرواحهم. ومن يعتزم أن يكون قاضياً عادِلاً وينصر المظلومين قليلي الحيلة من أكل الزمان حقوقهم ويعيدها لهم فيدعون له في جوف الليل. ومن يعتزم أن يكون مُدرساً عازماً أن يرفد العالم بـِأشخاصٍ ناجحين رافعين لمجتمعهم بالعلم والعطاء، أشخاص يؤمنون بالعطاء يؤمنون بأن يزرعوا السعادة لقلبِ كل من يُـقابلونه فَـيزرعون الأثر الدائم لهم. 

ومن تعتزم أنّ تكون ربّة منزل فاضِله فتربيّ على القيم والأخلاق وتبني لنا عالماً مليئا بالمكارم ومحاسن الأخلاق. 

 

إذا فنحنُ نتفق كثيراً مع بائعات الشاي في السودان اللواتي يردن أن يُعلمنّ أبناءهن ويمنعن أن يعيشوا بنفس هذه الظروف القاسيّة. فكلنا نريد أن نخرج هذا الضيق ومن هذا الظلام ومن هذا الفقر، لنمّد أيدينا لمن يحتاج ونخرجه وهكذا تمتد السلسلة. 

جلّ احترامي وتقديري لِبائعات الشاي المُلهمات بالنجاح والقوة والإرادة، الصانِعات لمجدّ العطاء والحب. لنختم بـِ "النِضال من أجل ما يُميّزك هو ما يُحفزك".