تحرير: كارلوس سانتو Carlos Santo

في البيروقراطية.. الورق هو القوة 

كجزء من التحول الرقمي، تسعى الحكومات لتحسين الكفاءة والشفافية من خلال توسيع الخدمات الرقمية والحكومية عبر الإنترنت، وتحويل الأنظمة التي تعتمد على استعمال الورق مع المواطنين وجعل الخدمات العامة مفتوحة وبسيطة.

في 1 جانفي 2019، أصبحت الأرجنتين حكومة بلا أوراق، لم يكن ذلك سهلا للحكومة بالنظر إلى الجذور العميقة لثقافة الورق. من خلال عدم إستعمال الورق، أصبحت التكنولوجيا حليفا رئيسيا في مكافحة الفساد، تسمح التقنيات لمحاربي الفساد بالكشف عن الممارسات الفاسدة التي يمكن أن تكون مخبأة بين ثنايا الأوراق بل وحتى التنبؤ بها.

في عام 1988، لخص الاقتصادي الأمريكي روبرت كليتجارد العوامل المشجعة على الفساد، في ما يسمى "صيغة الفساد" الشهيرة، حيث قال أن الفساد يساوي الإحتكار بالإضافة إلى التقدير ناقص المسؤولية.

تقوم الثورة الرقمية بتغيير قواعد معادلة الفساد بثلاث طرق رئيسية:
الشفافية تعمل من أجل المسؤولية 

تساعد التقنيات الجديدة على تحسين الشفافية حيث تفتح الحكومات بياناتها ويستخدمها النشطاء المدنيون ومؤسسات الرقابة لمحاسبتهم. ومع ذلك لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به للحد من الفساد، فمثلا أصبحت المكسيك أول مدينة تكشف عن عقودها في شكل مفتوح، في المقابل استغل التقنيون المواطنون الأذكياء هذه المعلومات للتدقيق في الحكومة والكشف عن الممارسات التي كانت مخفية، كما تلجأ العديد من البلدان لرصد استثمارات البنية التحتية المعرَضة للفساد في المكسيك وكولومبيا، كما يستخدمها بنك التنمية البرازيلي لتتبع المشاريع التي يمولها صندوق أمازون.

من خلال التحول الرقمي، تنتج الحكومات كمية كبيرة من البيانات الجديدة حول آلية البيروقراطية وببساطة عن طريق قواعد البيانات المرجعية، وعلى سبيل المثال اكتشف مرصد الإنفاق العام التابع لوزارة الشفافية البرازيلية عن ممارسات غير منتظمة في استخدام بطاقات الائتمان.

يوفر الذكاء الاصطناعي والتحليلات التنبئية أدوات فعالة للسلطات الضريبية ووكالات الجمارك لكشف وردع التهرب الضريبي كمثال عن ذلك نظام connect في المملكة المتحدة.

الحد من السلطة التقديرية وقطع الروتين:

رغم أن الفساد البيروقراطي الصغير ما يزال سائدا في العديد من البلدان، مع التقنيات الجديدة يمكن أن يُقلل من السلطة التقديرية التي يسيء البيروقراطيون عديمي الضمير استخدامها لاستخراج الرشاوي، فمثلا وفقا لمنظمة الشفافية الدولية، في عام 2016، دفع واحد من أصل ثلاثة أمريكيين لاتينيين رشوة للوصول إلى خدمة ما.

تقوم كل من المكسيك، بيرو، البرازيل والأرجنتين بتوسيع خدماتها الرقمية من خلال بوابات الحكومة الالكترونية المتكاملة، ومع ذلك لايزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به لرقمنة الخدمات العامة. لكن رقمنة الاجراءات البيروقراطية ليست كافية، فمن الضروري تبسيطها وإعادة التفكير فيها، ففي البرتغال يقوم برنامج simplex بإعادة تصميم هذه الإجراءات بالتعاون مع المجتمع المدني والموظفين العموميين.

تحدي احتكار الدولة

 بدأت التقنيات الجديدة في تحدي احتكار الدولة لاتخاذ القرارات العامة وتقديمها، كما أن ظهور الشركات ناشئة للتكنولوجيا الحكومية تسمح بأشكال جديدة من المشاركة في إنشاء الخدمات العامة، خاصة على مستوى المدن، وإحداث تأثير وتطوير حلول جديدة للقيام بالأشياء. كما تعمل الشركات الناشئة التي تعتمد على التكنولوجيا والمدعومة بالبيانات على تغيير النموذج السائد لوضع السياسات وتقديم الخدمات تدريجيا.

وبذلك أصبحت التكنولوجيا أكبر حليف للشفافية، وأصبح بإمكان الثورة الرقمية أن تعطل الفساد بطرق لم نتخيلها أبدا.