عرف العالم نموا سريعا في عدد السكان خاصة في المناطق الحضرية، إلى جانب تزايد استخدام الإتصالات وتقنية المعلومات بين الأفراد والشركات والحكومات، واعتماد تكنولوجيا المعلومات في كافة مجالات الحياة وهذه المؤشرات تعتبر أرضية لبناء مدن مستدامة مبتكرة وقادرة على المنافسة، وتحقق تطلعات قطاعات العمال والمواطنين على حد سواء، لهذا أطلقت الحكومات حول العالم مبادرات مختلفة للمساعدة في تحول مراكزها الحضرية إلى مدن ذكية بما يساعدها في التحكم في أكثر من مجال في حال حدوث كوارث مفاجئة.

ما هي المدينة الذكية؟ 

المدينة الذكية هي مدينة تستخدم تكنولوجيا المعلومات والإتصالات لتحسين نوعية الحياة، وكافة العمليات والخدمات الحضرية الأخرى، لتكون قادرة على المنافسة؛ وينبغي أن تنعكس هذه المزايا في تلبية احتياجات الأجيال الحالية والقادمة فيما يتعلق بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية.

وهي ترتكز على عناصر أساسية أهمها: 

الاقتصاد الذكي والأشخاص الأذكياء الذين يمثلون رأس المال البشري، بالإضافة إلى توفر النقل الذكي القائم على التكنولوجيا الحديثة التي تجعلنا نتمتع بمرافق تعليمية وسكن وترابط اجتماعي جيد، دون أن ننسى البيئة الذكية ودورها لنصل بكل هذه العناصر إلى الحياة الذكية التي تهتم بالأوضاع الصحية وسلامة الفرد؛ وللعلم الذكاء في هذه العناصر ناتج عن استعمال الإنترنت ووسائل الاتصالات بالإضافة إلى دمج كاميرات رقمية.

تهدف المدن الذكية إلى:
  • تحسين جودة حياة السكان وتقديم أفضل الخدمات الممكنة، سواء في قطاع النقل أو الإتصالات أو البيئة أو تكنولوجيا المعلومات، وحتى التعليم. 
  • كما لا يمكن الوصول إلى حل واقعي دون تحمل الحكومات المسؤولية الكاملة بالمشاركة مع سكان المدن وتعاونهم في إنجاح هذه التجربة لتحويلها إلى نموذج حياة واقعي قادر على الحد من الأزمات عبر الاستعانة بأنظمة التكنولوجيا الحديثة.
  • في مرحلة زمنية قادمة ستكون حكومات الدول مجبرة على تطبيق هذا المشروع في مدنها، بسبب التوقعات بالانفجار السكاني الكبير وارتفاع معدلات التلوث التي لن تكون المدن قادرة على تحملها، فتصبح عرضة للكوارث التي يصعب إدارتها بعد فوات الأوان.
أهم المميزات التي تتوفر في المدينة الذكية
  • قادرة على تنفيذ إدارة البنية التحتية "المياه والطاقة والمعلومات والإتصالات، والنقل، وخدمات الطوارئ، والمرافق العامة، والمبانى، وإدارة وفرز النفايات، وغيرها؟
  • وجود شبكة الاستشعار اللاسلكية وهى شبكة من أجهزة استشعار ذكية لقياس العديد من المعلومات ونقل كافة البيانات فى نفس الوقت للمواطنين أو السلطات المعنية.
  • سرعة الإنترنت فى المدن الذكية عالية جدا تصل إلى 20 ميجا وات.
  • المواطن يستلم منزله مجهز بكافة الضروريات من خطوط نت وشبكة تليفون وشبكة تليفزيون، وعدادات مياه وكهرباء جميعها مرتبطة بالإنترنت.
  • يمكن للموظف داخل غرفة التحكم التعرف على استهلاك أى مواطن من المياه أو الكهرباء، وكذلك يمكنه التعرف على الطاقة الإنتاجية لأى محطة مياه أو كهرباء.
  • يتم مراقبة الشوارع بالكاميرات والتحكم فيها من خلال الانترنت وكذلك إعلانات الشوارع.
  • اختفاء الظواهر السلبية والسرقات والجرائم داخل المدن الذكية نظرا لوجود كاميرات مراقبة بكافة الشوارع وارتباطها بغرفة واحدة وسهولة التعرف على المجرم.
  • تكلفة إنشاء المدينة الذكية ليست مرتفعة بحيث فارق الزيادة بين المدينة القديمة والذكية يقدر ب10% فقط.
  • يمكن للمواطن المقيم بالمدينة الذكية استخراج التراخيص والأوراق الرسمية من خلال الإنترنت مما يسهم فى تقليل الاتصال المباشر بين طالب الخدمة والموظف، وسد أبواب الفساد، والاستغلال.
سنغافورة وتجربة التحول الى مدينة ذكية

تعتبر سنغافورة في جنوب شرقي آسيا من أبرز الدول التي تعتمد على التكنولوجيا الحديثة في إدارة شؤونها، وهو ما جعلها تستحوذ على لقب المدينة الأذكى في العالم وفقًا لمؤشر المدن الذكية الصادر من المعهد الدولي للتنمية الإدارية في سويسرا وجامعة سنغافورة للتكنولوجيا والتصميم.

واعتمد مؤشر المدن الذكية على عدة عوامل أبرزها استخدام المدن للتقنيات الرقمية في تحسين حياة سكانها. وشمل مجالات مثل السلامة العامة والتنقل والحوكمة والصحة من خلال تقييم مدى محافظة المدن على المساحات الخضراء، وإضفاء الطابع الرقمي على التوظيف وضمانها لأمن سكانها. وتستند نتائج المؤشر على آراء المواطنين حول البنية التحتية والتكنولوجيا في مدنهم.

تم تأسيس برنامج الأمة الذكية من قبل رئيس وزراء سنغافورة Lee Hsien Loong أواخر 2014 بهدف حل مشاكل داخلية من خلال تسخير تقانة الاتصالات والمعلومات، وذلك لتطوير برنامج "الأمة الذكية" الخاص بهذه الدولة، بحيث تم تركيب عدد كبير من الحساسات والكاميرات عبر المدينة، الذي سيساعد الحكومة في مراقبة كل شيء تقريباً. 

يتم رفع البيانات التي تم جمعها إلى منصة على الانترنت، وهي سنغافورة الافتراضية، في سنغافورة، تعتمد أجهزة الاستشعار والكاميرات على النظام الرقمي القائم في دولة مدينة سنغافورة وتُمكِّن الحكومة من تقييم أداء حركة المرور وكفاءتها، وتحديد مشاكل مثل مطبات الطرق، وتنقلات الحافلات ومنتهكي القانون، فعلى سبيل المثال، قامت المدينة، من أجل تعزيز الأمن في الأماكن العامة، بتركيب أكثر من 62000 من كاميرات الشرطة في المجمعات السكنية العامة ومواقف السيارات.

أهم الجهود المبذولة لجعل مشروع المدينة الذكية واقعا على الأرض

تم تطوير بنية تحتية من خلال برنامج يقوم بعرض فيديوهات الكاميرات المنَصبة للمراقبة يتم من خلالها:

  1.  مراقبة مستويات الفيضانات.
  2. البحث عن أماكن شاغرة لركن السيارة.

وهذا كله متاح للمشاهدة المباشرة في خريطة على الانترنت لسنغافورة، وهناك قلقٌ حول أمور تتعلق بالخصوصية والأمان لم يتم معالجته بعد، وهناك تطمين من الحكومة لمواطنيها يؤكد أن البيانات التي سيتم رفعها وجمعها ستكون مجهولة المصدر بأكبر قدر ممكن، والحساسات سيتم تركيبها في مناطق محددة، لتقدم فوائد معينة للمواطنين الذين يسكنون تلك المناطق.

وفي سنغافورة، تقوم بيئة النقل البري ببناء نظام للبنية التحتية للنقل، حيث يمكن للمسافات اليومية دمج وسائل التنقل النشطة مثل المشي وركوب الدراجات مع خدمات النقل العام مثل النقل السريع الجماعي والحافلات.

المبادرة التي قام بها مسؤولوا مدينة سنغافورة المتمثلة في "المشي وركوب الدراجات والسيارات" تقدم فوائد وطنية تتمثل في التشجيع على توفير المزيد من المساحات الترفيهية لمتعة العيش، وتساعد في الحفاظ على الطاقة، كما تقلل من التلوث، ومن خلال تطبيق التقنيات المتقدمة في التنقل، تمكن المدينة المواطنين من قيادة أنماط حياة أكثر نشاطًا من خلال وسائل النقل المريحة والفعالة من حيث التكلفة.

خاتمة: تجربة التحول إلى مدن ذكية في الوقت الراهن أصبح أكثر من ضرورة، خاصة في بلداننا العربية التي لا يزال معظمها في ذيل قائمة الترتيب من حيث استخدام التكنولوجيا بشكل عام، وهذا الوضع لا يساعدها أبدا، إذ من الواجب عليها الآن البدء في استراتيجية شاملة لتغيير الأمور على شاكلة ما يجري في العالم، لتفادي ما هو أسوأ في المستقبل، لأن إهمال تطوير الأمور يورث مشاكل مضاعفة لا يمكن التحكم بها، وتبني سياسة تكنولوجية لتغيير الوجه النمطي العام هو الوحيد الذي يحدث فارقا في المستقبل القريب.