رغم عمرها القصير نسبيًا والذي لا يزيد عن القرنين ونصف القرن من الزمن – منذ إعلان استقلالها عن ممالك أوروبا عام 1776 – إلّا أن الولايات المتحدة الأمريكية باتت واحدة من أكثر الدول التي خاضت حروبًا في العالم في التاريخ المعاصر، بحيث جعلت من العالم ساحةً لمعاركها وتَدخلاتها العسكرية مستعرضةً قوتها، فلم تسلم الفيتنام ولا كوريا الجنوبية في القرن الماضي من النيران الأمريكية، ومع مطلع الألفية الجديدة، وبعد حدوث هجمات الحادي عشر من سبتمبر؛ تضاعف التواجد العسكري الأمريكي في مناطق واسعة من الكرة الأرضية بحجّة مكافحة الإرهاب؛ فكانت أفغانستان بداية الطريق.
في هذا التقرير نسلط الضوء على أبرز الجرائم التي ارتكبتها أمريكا بأفغانستان طيلة عقدين من الزمن.
الثأر الذي مسخ أفغانستان
برغباتٍ ظاهرها الثأر لضحايا هجمات 11 سبتمبر وباطنها أهداف أخرى، جاء قرار الغزو الأمريكي لأفغانستان قبل ما يقرب من 19 عامًا كاملة لتنفق الولايات المتحدة فى تلك الحرب، وبحسب تقديرات أمريكية أكثر من 2 تريليون دولار كاملة، وسط تساؤلات حول قانونية وشرعية هذه الحرب، وما إذا كانت قد حققت أهدافها أم لا؟ مع توقيع أمريكا إتفاقية سلام مع طالبان العام الماضي تنهي بها الحرب.
ولمحاولة فهم الذرائع والحجج التي اختبأ البيت الأبيض وراءها في قرار شنّه للغزو نعود قليلًا بعجلة التاريخ إلى لحظة الغزو؛ حيث حشدت أمريكا قدراتها العسكرية والسياسية لغزو أفغانستان تحت دعاوى الحرية والديمقراطية؛ والقضاء على الإرهابيين وجلب الأمن والإستقرار لأفغانستان.
ومنذ اليوم الأوّل سارع الإحتلال الأمريكي -منطلقًا من مصالحه الإستراتيجية في المنطقة، وبمساعدة دول الجوار والتحالف الغربي- في تنفيذ المخططات المقررة لعلمنة البلاد؛ والسير بها بعيدًا عن هويتها الإسلامية المحافظة، وإخضاعها للهيمنة الأمريكية.
وكعادة أي غزو؛ شنّت الولايات المتحدة الأمريكية حملة إعلامية مغرضة ضد حركة طالبان لتشويهها وشَيطنتها قصد شرعنة الغزو وذلك بإتهامها بالوقوف خلف أحداث 11 سبتمبر خاصةً بعد رفض الحركة تسليم أسامة بن لادن الذي اعتبرته أمريكًا المسؤول الأوّل عن الهجمات.
لتبدأ الحملة العسكرية في 8 من أكتوبر 2001، من خلال ضربات جوّية مركزة استمرت حتى 28 من الشهر، لتبدأ الحملة البرية بعدها وتسقط العاصمة كابل في يد قوات التحالف بعد شهر من بدأ الحملة العسكرية.
وبمجرّد سقوط العاصمة؛ سقطت معظم المدن الأفغانية، وأسر آلاف المقاتلين في صفوف طالبان، كما إنتقل مقاتلو هذه الأخيرة إلى الجبال للإحتماء بها.
ضحايا الحرب الأمريكية على أفغانستان قُدِرُوا بالآلاف!
إستمرت الجرائم الأمريكية في حقّ المدنيين العزل الأفغان، بحيث سقط آلاف القتلى من المدنيين بنيران القوات الأمريكية، وفي هذا السياق كشف جوناثان ستيل من صحيفة الجارديان أن عدد القتلى في أفغانستان يتراوح ما بين 1300 إلى 8000 أفغاني قُتلوا مباشرة بسبب القصف، فيما بلغ تعداد مَن قُتلوا بشكلٍ غير مباشر 50 ألف شخص، وفي كتابه «تعداد الجثث لقتلى كان يمكن تفاديِهم على مستوى العالم منذ 1950» الصادر عام 2007، طبّق البروفيسور جدعون بوليا نفس المنهجية القائمة على معطيات الأمم المتحدة للوفيات للتوصل إلى أرقامٍ دقيقة بشأن عدد الوفيات الإضافية، وتوصل بوليا؛ وهو متخصص في الكيمياء البيولوجية متقاعد من جامعة لا تروب في ملبورن، إلى أن عدد الوفيات الذي كان يمكن تجنبه في أفغانستان منذ عام 2001، يصل إلى ثلاثة ملايين، تقريبًا 900 ألف منهم أطفال دون سن الخامسة، وما زال عدد ضحايا الحرب الأمريكية في أفغانستان في إرتفاع، إذ أحصى عضو مجلس البرلمان الأفغاني رمضان بشار دوست ما يزيد على مئة وخمسين ألف قتيل حتى سنة 2011.
هذه الأرقام الكارثة لعدد القتلى المدنيين الأفغان بالنيران الأمريكية تعيدنا إلى بعض المجازر التي لا يزال الأرشيف محتفظًا بها بين براثنه؛ ففي اليوم الرابع من بداية الحملة الأمريكية على أفغانستان ارتكبت القوات الأمريكية مجزرة رهيبة في حق المدنيين الأفغان راح ضحيتها العشرات من المدنيين، حيث قال الملا عبد السلام ضعيف سفير طالبان لدى باكستان إن تقارير أفادت بأن 100 شخص قتلوا خلال قصف أمريكي لقرية في شرق افغانستان قرب مدينة جلال اباد.
وفي يونيو 2007 ارتكبت الطائرات الأمريكية مجزرةً مرّوعة استهدفت مجموعة أطفالٍ كانوا داخل مسجدٍ في ولاية بكتيكا على الحدود القبلية الباكستانية، وكان مبرر القوات الأمريكية أنّ المسجد كان يتحصن به أفراد من قوات طالبان.
ولعلّ أبشع مجزرة ارتكبتها القوات الأمريكية بأفغانستان كان في أبريل من سنة 2018، حين استهدفت الطائرات الأمريكية طلاب مدرسة تحفيظ القرآن الكريم في قندوز شمال أفغانستان يحتفلون بتخرجهم بعد إكمال حفظ القرآن كاملًا، ويتزينون بأجمل ثيابهم وفجأة تدكهم الطائرات الأمريكية فيتوفي ما يقرب الـ150 طالبًا بحجة مطاردة طالبان.
وفي سبتمبر الماضي، قتل أكثر من 30 شخصًا في قصف جوي أميركي إستهدف مزارعين في ولاية ننغرهار الأفغانية.
وفي تقريرٍ لمنظمة العفو الدولية صدر في شهر أكتوبر 2019؛ وثّق التقرير "’قتَلُوا الكثيرين هكذا‘: مداهمات ليلية تعسفية للقوات الأفغانية الضاربة المدعومة من الـ سي آي إيه، 14 حالة بين أواخر 2017 ومنتصف 2019 ارتكبت فيها القوات الأفغانية الضاربة المدعومة أمريكيًا انتهاكات خطيرة يرتقي بعضها إلى مستوى جرائم حرب.
وفي أبريل 2017 ألقت القوات الأمريكية أكبر قنبلة غير نووية على أفغانستان، في ضربة على تنظيم "داعش" كما ادعت؛ وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) آدم ستامب إن هذه هي المرة الأولى التي يستخدم فيها هذا النوع من القنابل في عمليات قتالية، وأضاف أن طائرة من طراز إم.سي-130 رمتها.
وكانت واشنطن قد أعلنت سنة 2018 عن إمطارها لأفغانستان ب 6 آلاف قنبلة في ظرف 10 أشهر فقط، بينما أفادت تقارير أخرى إلى أن أمريكا إستعملت آلاف الأطنان من القنابل في حربها على أفغانستان.
الحرب الأمريكية على أفغانستان كانت في ظاهرها على الإرهاب، لكن ما خفي كان أعظم، بحيث أرادت الولايات المتحدة الأمريكية ضرب القوة الإسلامية التي استطاعت تأسيس وطن في أفغانستان قوي البنية ومتماسك اجتماعيا، بفضل نهجه الإسلامي القويم، الذي رأت فيه أمريكا خطرا على أمنها ونفوذها واستقرارها، فشنت حربا على الإسلام لم تنتهي بعد.