يعدّ مفهوم الدولة واحدا من المفاهيم الإشكاليّة الأساسيّة في الفكر الإنسانيّ عامّة وفي الفكر السياسي خاصة. وهو مفهوم أساسيّ لأنّه يعتبر من أبرز الحلول المبتكرة لحل أهمّ معضلات الوجود الإنسانيّ المتمثلة في (الحروب والنزاعات، الخلافات...) 

ولهذا تعتبر الدولة الحل الوحيد الناجع لحل معضلة التوفيق بين الأفراد في المجتمع الواحد حتى في ظل وجود اختلافات أيديولوجية وعرقية ودينية ومن جهة أخرى تعمل الدولة ككيان على التوفيق بين الحريّة والسلطة اي بين توقير قدر كافي حدود من الحرية وتوفير مجموعة الحقوق مع الحرص على اتباع الواجبات والقوانين المفروضة من قبل السلطة.

لكن هل من الممكن أن تكون الدولة كيان مؤقت تنتهي بمجرد انتهاء سبب قيامها؟ هل من الممكن أن نتحرر من الدولة يوما ما؟

في علم الاجتماع تعبر فكرة الدولة عن وجود حاجة اجتماعية ملحة عند الإنسان لتكوين مجتمعات ليعيش فيها، فالإنسان «حيوان اجتماعي بطبعه»، كما يقول أرسطو، ولأجل تحقيق هذا الهدف يستلزم إيجاد بعض الأعراف أو القوانين في المجتمعات كي تحكم العلاقات الاجتماعية وتساعد على بقائها. تطورت تلك القوانين لاحقًا لتصبح ما يُعرف فيما بعد باسم «الدولة».

لهذا فالدولة تعتبر حاجة إجتماعية ضرورية لتنظيم حياة الأفراد مع بعض، وتجنب الفوضى و العشوائية وتوفير القدر اللازم من الأمان والاستقرار وضمان الحصول على المتطلبات الفيزيولوجية والنفسية اللازمة للعيش والاستمرار.  

تاريخيا تعود الفكرة الفلسفية للدولة إلى نظرية العقد الاجتماعي، حيث يعتمد هذا العقد (كما يقترح اسم النظرية) على وجود اتفاق أو عقد (صريحًا كان أو ضمنيًا) بين الشعوب وحكامها. إذ يتخلى الشعب بموجب هذا العقد عن جزء من حريته وأملاكه في مقابل الحماية التي يوفرها الحاكم، والذي يعمل على تشريع وفرض القوانين التي تحكم بما تقتضي المصلحة العامة.

على الرغم من حداثة فكرة الدولة القومية في شكلها الحالي والتي ظهرت مع مؤتمر وستفاليا 1648، إلى أنه لا يمكن إنكار الدور الكبير الذي لعبه هذا الكيان السياسي في تنظيم المجتمع وفي تحقيق الرفاهية والتحكم في الفوضى بشكل واضح.

لهذا قد تبدو فكرة التحرر من الدولة صعبة لأن إيجاد كيان آخر غير الدولة وقادر على فرض السيطرة على عقولنا، وتنظيمنا في أدوار بعينها في المجتمع أمر صعب إن لم يكن مستحيل.

ولكن ينادي اللاسلطويون بإلغاء الدولة أي إلغاء الهياكل الأساسية للحكومة واستبدالها بمجتمع عديم الجنسية، بينما ينادي الماركسيون بإلغاء الدولة الرأسمالية القائمة، واستبدالها بدولة عمالية مؤقتة "تذبل" في مجتمع بلا دولة.

الأناركيون والماركسيون ليسوا فقط ضد الدولة. يتفقون على أنه يجب أن ترتبط نهاية الدولة بتفكيك الاقتصاد الرأسمالي، وإنهاء استغلال الطبقة العاملة، وإلغاء المجتمع الطبقي. وإستبدالها باقتصاد جماعي مع العمل التعاوني.

إلى جانب كونهم ضد الدولة والرأسمالية، يعارض اللاسلطويون جميع أشكال الهيمنة والقمع: كحكم الرجال على النساء، وحكم الأمريكيين الأوروبيين على الأمريكيين من أصل أفريقي، وحكم الأنجلو على اللاتينيين، وحكم الأمم الإمبريالية على الدول المضطهدة، وحكم الدول المضطهدة.

 ولكن على الرغم من رفضهم لفكرة الدولة هناك فئة من اللاسلطويين والماركسيين تقبل بالدولة القائمة وتسعى فقط إلى جعلها أكثر ديمقراطية وتدعو لاستخدمها لترويض تجاوزات الرأسمالية.

يعرف اللاسلطويين الدولة على أنها القوة المهيمنة على الإقليم، وهي آلة بيروقراطية عسكرية معزولة عن بقية المجتمع المنقسم الطبقي، وتخدم مصالح الطبقة العليا. وبما أن الدولة هي أداة تمسك بها طبقة ما من الطبقات الأخرى، فإنهم يزعمون أنه في مجتمع لا طبقي أي عند غياب الطبقية، فإن الدولة سوف تزول من الوجود.

ولكن هل فعلا سيكون زوال الدولة أمرا إيجابيا؟

يقال إن إلغاء الدولة سيؤدي إلى الفوضى على الرغم من أن الدولة كمؤسسة تتناقض بالضرورة مع الحرية الفردية المطلقة، إلّا أنها تضمن القدر الكافي من الحرية ومن الأمان.

حيث يقول آدم سميث أن للدولة ثلاثة أغراض عظيمة:

  • أولاً، حماية المجتمع من العنف أو غزو المجتمعات المستقلة الأخرى.
  •  ثانيًا، حماية كل فرد في المجتمع قدر الإمكان من الظلم أو الاضطهاد الذي يتعرض له كل فرد من أفراد المجتمع منها، أو واجب إقامة إدارة دقيقة للعدالة.
  •  ثالثًا، إقامة وصيانة بعض الأعمال وبعض المؤسسات العامة التي لا يمكن أن تكون في مصلحة أي فرد أو عدد قليل من الأفراد لتشييدها وصيانتها.