تتسارع الأحداث في السودان وتتداخل القضايا بوتيرة متصاعدة مع تفاقم في الأزمة الإقتصادية وضيق المعيشة التي تجعل المواطن البسيط لا يستطيع الإحاطة بالتغييرات السياسية والتبدلات القيمية في هرم السلطة، بل من شدة انشغال الناس بالضَائقة، جعلهم يتعاملون مع حدث الإساءة لجناب النبي الكريم صلوات الله عليه بنوع من الفتور في ظل تقاعس حكام الفترة الإنتقالية وبخلها ولو بتغريدة عن حدث بمثل هذه الضخامة.

ملف التطبيع الذي في واقع السياسة السودانية من ضمن القضايا التي حصل فيها نوع من التعمية واللعب السياسي، والتضليل الإعلامي ليمر بسلام كغيرها من القضايا مع مجريات الضغط المعيشي الذي ليس للمواطن إلا الاستنكار، والشجب العابر ثم العودة إلى معترك الحياة لكسب القوت اليومي، ومحاولة توفير لقمة عيش حلال.

أنا لا أقدم أعذارا لعاصمة أعلنت ذات يوم ثلاث لاءات أمام العالم أجمع لا للتطبيع، لا للتفاوض، لا للمصالحة، وألقوها مدوية في وجوه من قالوا نعم من بني جلدتنا، كانت اللاءات الثلاث من القرارات القليلة التي يتفق عليها الشعب مع حكوماته المتبدلة وأحزابه المتشاكسة، فما الذي حدث؟ وما الذي جعل عاصمة اللاءات الثلاث تجيب بنعم؟

أزعم أن التغيير الثقافي السابق هو فترة انتقالية تماشيا مع الحداثة بكل أبعادها وبفعل التكنولوجيا، والانفتاح الإجتماعي اللامشروط ، وتبني دفة هذا التغيير التغريبي من قبل الحكومة الإنتقالية إحدى المؤثرات في ملف بهذه الحساسية.. والقادم أسوأ.

وتأثير الجانب المادي والتبريرات الإقتصادية التي قدمت على المبادئ الأخلاقية هي إحدى أكثر النقاط تأثيرا، ليس فقط فيما يخص ملف التطبيع، بل في قضايا التشريع والتغييرات الدستورية، وتغيير مناهج الطلاب والأطفال في المدارس، التي غيبت الرأي العام عنها وانصرف إلى الوعود الإقتصادية، والعلاقات والرفاه ممن لا يعرف دينا ولا مبدئا سوى مصلحته. 

وانحسار مفهوم الأخوة الإيمانية لصالح الوطنية تبعا للاعتراف بحدود سايكس بيكو وتقديم المصلحة الوطنية على قضايا الأخوة الإيمانية.

وكذلك بعض الخطابات التي تناقش قضايا أخلاقية وشرعية برهانات فشل المرحلة الانتقالية في الملف الإقتصادي، والتي للأسف هي إحدى خطابات تعميق النزعة المادية والبراغماتية في التعامل مع كل القضايا.

والالة الإعلامية للحكومة التي أظهرت مسلسلا فيه من التضارب بين المكونات في السلطة حول هذا الملف، وتسجيل بعض الأحزاب الكبرى في الحاضنة السياسية موقفا سياسيا يبدو أنها ستُدخره للمصلحة والتاريخ من غير أن نرى أي آثار لتلك المواقف بل- ويا للخيبة- تتوالى الخطابات الداعمة للفترة الإنتقالية؛ مما صنع بعض الارباك في موقف الرأي العام تجاه القضية. 

يبدو أن الحكومة ماضية قدما في مخططاتها التي سيفضحها الزمن من غير أي اعتبار لِوثيقة دستورية، أو رأي شعبي، أو قضايا من إختصاص المجالس التشريعية معطية لنفسها سلطة فوق الديمقراطية المدعية والحريات الكذوبة.

والمسلم الحق يستأنس بوعد الله، ويأتمِر بأمره ويقدم نفسه وماله من أجل رضاء ربه رغم تهافت المنافقين، (فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين) [سورة المائدة الآية: 52].

والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله.