يظُن كثيرون أنه بدراستنا للتاريخ الإسلامي يجب علينا الاكتفاء بدراسته هو فقط، والحقيقة أن التاريخ الإسلامي جزء لا يتجزأ من تاريخ العالم، فالإسلام قد حُمل في قلوب سكنت جميع بقاع العالم، فكانت حضارتها من حضارة العالم، وكذلك حروبها وسلمها وضعفها وقوتها يؤثِر ويتأثر بالعالم الخارجي. 

كذلك التاريخ بالنسبة للدين فإن الأغلبية تعتقد بالاكتفاء بدراسة التطور الديني وتعاليمه فقط، ولكن لا يسعنا إهمال ما كان يحيط به من مكائد ودعائم، حيث أنه لا يمكننا أن ندرس بعث النبي الحبيب ودعوته وأصحابه إلى الحق دوناً عن دراسة ما كان يحوم حول أجواء تلك الحقبة الزمنية من نفاق وكفر وبهتان، حتى وأنه عندما أنزل الله -سبحانه وتعالى- القرآن الكريم على نبيه الحبيب وجعله منهجا شاملا متكاملا لكل مسلم به، فقص الله فيه علينا القصص بمختلف أنواعها وجوانب الحياة فيها منذ أن بدأ الخلق البشري بسيدنا ووالدنا آدم ولم يختص ويعنى فقط بتعليمنا المنهج الإسلامي وإنما أُخبرنا بهذا التاريخ لتكون الأمم السابقة عبرة لنا وتحذيرا من إفكها فإن المؤمن حذر ويجب عليه توخي الحذر في جميع أموره.

ولذلك كان لابد لنا من دراسة تاريخ الأديان المصاحب للإسلام والمعادي له -ليس الأديان وإنما تاريخها- لنعرف كيف تميّز الإسلام عن باقي الأديان، فإنه عند خوض معركة ما لابد من تقصي أحوال العدو ومعرفة نقاط ضعفه وقوته ونقاط تفوقه ونقاط تأخره والأفضل معرفة نواياه والقدرة على التنبؤ بها ليكون النصر مؤكدا.

من المعروف جدا أن الله -جل جلاله- عندما خلق سيدنا آدم عليه السلام وأمر الملائكة بالسجود له سجودا تكريميا رفض إبليس ذلك واغتر وتكبر ودفعه غروره لعصيان أوامر الله إلى أن طرده الله من رحمته، فعزم إبليس بعد ذلك على أن يُغرر بجميع بني آدم ويغويهم وفي ذكر ذلك قوله تعالى: (قَالَ رَبِ بِما أَغوَيتَنِي لَأُزيِنَن لهم في الأَرضِ ولَأُغويَنهُم أجمَعين () إلا عِبَادَكَ مِنهُم المُخلَصين) (39 – 40 سور الحجر) وهكذا مضى الشيطان في تنفيذ تعهده بداية بسيدنا آدم -عليه السلام- وزوجه حيث استزلهما الشيطان وغرر بهما ليعصيا أوامر الله تعالى فأُخرجا من الجنة ونعيمها إلى الأرض وتابع كذلك الشيطان مسيره في إغواء بني آدم أجمعين.

قال تعالى: (قُل هل أُنَبِئكم بشرٍ من ذلك مثوبة عند الله من لعنهُ الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبدَ الطاغوت أولئِك شر مكانا وأضل عن سواءِ السبيل) ( المائد - 60)، هذه الآية الكريمة توضح لنا جليا وجود عبدة الطاغوت والشياطين الذين يتم نكران وجودهم وتجاهل الحديث عن كياناتهم، وإن كان في جميع المجتمعات من يتبع الشياطين بجهل منهم ودون قصد أحيانا ففي الغضب وعدم الصبر والحسد وعديد هذه الأشياء التي تُعتبر بسيطة اتباع للشيطان وخطواته وكذلك في عديد من التقاليد والعادات وقد تكون اليومية منها، قال تعالى: (لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا () ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا) (سورة النساء 118 - 119)، وإن لم يكن لهم العذر في ذلك فإن الواجب عليهم التحري والحذر والدقة.

وفي المقابل نجد أنه هنالك مجموعات من البشر تعبد الشيطان عنوة واقتداراً وهم على دراية تامة بما يفعلون وفي ذلك يقول تعالى: (استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئِك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون) (سورة المجادلة 19)، فهم يتخذون من الشيطان وليا ويتخذهم أولياء يتحركون بأوامره ويُغوون غيرهم من الناس فيكونون بمثابة شياطين الإنس يعملون عمل الشيطان بمنزل البشر.

كما أوردنا في مقال  هل تتكرر نفس الأساليب في الأحداث والوقائع التاريخية؟ ذكر النورانيين وكيفية تخللهم للماسونية وأهدافهم والمسالك التي سلكوها في تنفيذ ذلك من حروب وفتن ومجازر في سبيل إخلاء الطريق من أجل عبادة الشيطان، بالطبع كانت عبادة الشيطان موجودة قبل ذلك بكثير.

والمعروف عن اليهود أيضا كرههم للإسلام والمسلمين وبغضهم لأمين الوحي جبريل عليه السلام فإنهم كانوا يُريدون أن يكون النبي منهم من بعد ما كذبوا بعيسى -عليه السلام- ولم يُطيعوه ومن الوارد أنه قال عنهم أنتم اليهود حيات أولاد أفاعي، فتآمروا لقتله عليه السلام وليظنوا أنهم انتصروا، وبالرغم من مرور ما يقارب الألفي عام على هذه الحادثة إلا أنه يتم الاحتفال بها على أنها نصر لهم ويعبدون ويتقربون بها إلى الشيطان في قداساتهم ولكن الله تعالى قد قال: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا) (157). 

وعندما أصبح الأمر على شكل جماعات منظمة ومرتبة تبُثُ خُططها وتندس بين الأمم لتنشر عقيدة الشيطان وتُمهد لها مثل جمعية النورانيين والماسونية، كان لابد لنا من أخذ الحيطة فإن الشيطان وأتباعه يتسللون خفية دون إحداث جلبة وما تلبث المجتمعات إلا وتجد نفسها غارقة في عادات وتقاليد وتفاصيل وقوانين تُشرع من قبل الحكومات ومُحرمات تُحلل ومُحللات تُحرم وآذان يُمنع أن يُرفع، والتنديد بأقوال وأفعال مُستحدثة أبعد ما يكون عن الإسلام والسنة وليس من الله في شيء، وكل هذا من عمل الشيطان وأوليائه من شياطين الإنس، قال تعالى: (ثُم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين) (17).

 ربما سمع كثير منا كيف ينخرط هؤلاء في عبادة الشيطان ويكونون من أوليائه في الأرض مثل الدجالين، وما نسمعه من قصص بشعة عنهم لا تُصدق والمؤسف أنها حقيقية، ويتضح ذلك في طقوس الانضمام لمثل هذه الجمعيات من طقوس دموية وحيوانية، وكل ما عظم إثمها وإفكها وكلما عظُمت حُرمتها كان الفرد أعلى درجة، قال تعالى: (هل أُنبِئُكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم) (سورة الشُعراء 221-222)، وهذا يوضح كيف ولمن تأتي الشياطين وتنزل عليهم ومن أمثال هذا آدم وايزهاوبت مؤسس جمعية النورانيين.

فبالرغم من كل هذا والتمهيد لإحلال عبادة الشيطان إلا أن آدم وايزهاوبت كان أستاذا يُدرس القانون الكنسي الذي كان يضبط الجهود التبشيرية المسيحية في ذلك الوقت، وكذلك الجنرال بايك قائد الحركة الثورية العالمية كان من أشد المُتبعين والمعتنقين لعقيدة الشيطان وفي المقابل كان أحد أعضاء الماسونية البارزين والتي كانت تُعتبر ديانة في ذلك الوقت، أي أن كل مُتبع لعقيدة الشيطان يكون عليه أن يُظهر خلاف ما يُبطن كأن يكون من المعروفين بانتمائهم لديانة معروفة مُسلم بها.

وبهذا الحديث نستدل على وُجود عبدة الشيطان وتخللهم في جميع المناصب الحكومية والقطاعات الخاصة وأنه لا يُمكن أمن غدرهم ومكرهم إلا عن طريق كشف سرهم ومعرفة أهدافهم وأساليبهم ليتمكن الفرد من البعد عنها بمجرد الشك في وجود أمر مماثل ولنتحاشى أمر التبعية العمياء التي تُكبل مجتمعاتنا وتُقيدها.

 وفي البقية الباقية من السلسلة تم إيراد مزيد من التفاصيل عن هذه الجمعيات وطريقة عملها وأساليبها وكيفية إدارتها للعالم وما تريد التوصل إليه والطُرق المُتبعة في سبيل ذلك.