كما ذكرنا أن هدف تلك الجماعات هو تدمير كافة الحكومات والأديان، وفي سبيل ذلك قاموا بإنشاء الحركات الثورية لإضعاف القوى العظيمة، والتدخل عنوة في أمور الدول الضعيفة التي لا حول لها ولا قوة. 

الثورة الفرنسية والمناورة بالأموال والثروات 

كان المخطط الخاص بفرنسا هو أن يقوم النورانيون مع المرابين بالمناورة بأموالهم وثرواتهم الضخمة المتحدة في فرنسا، إلى أن تنشأ ظروف اقتصادية مشبعة بالقلق وتتفشى البطالة وتصل الأوضاع إلى حد المجاعة ويقع كاهل ذلك على الملك وأرباب العمل والصناعيين، ثم يقومون بدس المحرضين بين الشعب لإشاعة روح الحقد والضجر وبذر بذور الثورة.

 قام المرابون بتنفيذ مخططهم وإقراض فرنسا القروض المتوالية وعاملوها معاملة المترفين المسرفين، حيث كانوا يغدقون عليها القروض للأعمال الترفية والرفاهية مع الحقوق والامتيازات التي مُنحت لهم بسخاء لضمان استرداد أموالهم، وهكذا توترت الخزينة الفرنسية، وبعد أن بلغت الخزينة درجة من الإعياء وجدت نفسها مضطرة مرة أخرى لطلب القروض من المرابين لمتابعة المشاريع الحربية التي تورطت بها عن طريق المرابين أنفسهم.

 وبالطبع وافق المرابون على تقديم المعونة على أن يقوموا هم بكتابة العقد وشروطه اللينة السمحة ظاهريا، وقد تمكنوا من إدخال رجلهم إلى السلطة بحجة أنهم قادرون على انتشال الخزينة من عجزها بسرعة وبكل سهولة ويسر، إلا أنه وكما يريد المرابون زاد الوضع سوء وفي خلال أربع سنوات بلغت ديون الخزينة 170 مليون جنيه إسترليني، وهكذا أصبحت الدول تحت سيطرتهم ورهن إشارتهم فأصبحوا هم من يقومون بتحريك الدولة.

 وهذه السياسية نفسها استخدمت فيما بعد في أمريكا وروسيا وإسبانيا، وهي أشبه بالسياسة المُتبعة قبل استعمار بريطانيا لمصر وجميع باقي الدول، وهي أشبه كثيرا بسياسات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي حاليا.

اتبع المرابون والنورانيون هذه السياسة أيضا مع بعض الأشخاص البارزين للتمكن من استغلالهم بعد إغراقهم في الديون والتلطف والتودد لهم بحجة تقديم المساعدة، وبهذا يتحكمون في عقولهم وأفعالهم وأقوالهم وممتلكاتهم، ومن هذه الممتلكات قصر الباليه رويال الذي اٌتخذ كمعقل للفساد والتخطيط لتوريط الجماعات والأفراد وتجريدهم من جميع النوازع الأخلاقية والأدبية، متبعين في ذلك المبدأ الحاخامي الذي ينُص على "أفضل الثوريين شاب مجرد من الأخلاق"، وفيه حيكت كثير من خيوط المُلابسات والفتن والإشاعات التي من شأنها التشهير بكبار رجالات الدولة والنبلاء وتشويه سمعتهم، ليصبحوا فريسة للإعلام -الذي هو تحت قبضة نوافذهم مسبقا- وكذلك موضع كراهية وحقد من كافة الشعب.

 ومن الإشاعات التي نُسجت خيوطها في هذا القصر قصة عِقد الجوهر، التي تنص على أنه وفي ظل هذه الظروف المادية السيئة للبلاد قامت الملكة ماري أنطوانيت بكتابة رسالة إلى جوهري القصر، طلبت فيها منه أن يصنع لها عقدا من الجواهر الثمينة ليكون شبيها بما في الأساطير وقد بلغ ثمنه ربع مليون ليرة فرنسية، ولكنها رفضته ونفت تماما أنها طلبت ذلك إذ أنها لم تقم بكتابة الرسالة وإنما أحد الجواسيس كتبها، ولكن انتشر الأمر بسرعة وكرهها الشعب ومن ثم تم إشاعة أن هذا العقد أُهدِي إليها من قِبل صديق سري، وأصبحت الملكة موضع حديث الصحف والمجلات وجميع الشعب، واقتادها ذلك هي وزوجها إلى المقصلة. وبالتأكيد في الوقت الذي كان يتم فيه إعداد هذه الشائعات لتشويه سمعة كبار رجال الدولة والدين وتسهيل إشعال نار الثورة، كان رؤوس هذه العملية يقومون بإعداد الملوك الجدد الذين سيحكمون البلاد وبالطبع كواجهة فقط فهم من سيُديرونها فعليا.

وبعد انتهاء الثورة الفرنسية قام المرابون والمتمثلون في عائلة روتشيلد بإرسال ابنهم إلى لندن ليقوم بفتح فرع للمؤسسة ليتمكنوا من التواصل مع المرابين العالميين الذين يُسيطرون على مصرف إنجلترا بأولئك الذين يسيطرون على مصرف هولندا وفرنسا وألمانيا، وبعد ذلك قرر أصحاب المصارف استعمال نابليون وقاموا بتنظيم الحملات النابليونية المعروفة التي اجتاحت عديد بقاع الأرض، وكما جرت العادة بأن يتم التخلص من أيديهم العاملة سواء بتدبير المكائد لها أو إبادتها كما فُعل بالرؤساء الذين استُجلِبوا عقب الثورة، كان ذلك أيضا من نصيب نابليون وجزائه عندما قرر التمرد عليهم فنُفي إلى جزيرة إلبا. وفي معركته الأخيرة مع روسيا التي أُشيع أن سبب هزيمته فيها هو تراكم الثلوج وعسر المسير، إلا أن الحقيقة كانت أن قُطعت عليه جميع وسائل الاتصال ومُنعت منه الإمدادات بكافة أشكالها ومتطلبات الحرب من مؤون وذخيرة وما إلى ذلك من عتاد.

 وهذا الأسلوب من قطع وسائل الاتصال والتجسس والتجسس المضاد قد اُتُبع فيما بعد في كثير وكثير من الحروب المتاح للجميع الاطلاع عليها في أي وقت حتى في الحرب العالمية الثانية، وهكذا دائما وأبدا التاريخ يُعيد نفسه تماما. 

وعندما هرب نابليون عائدا وحصد أتباعه ليواجه أعداءه في الحرب في معركة واترلو ضد إنجلترا، كان ناثان روتشيلد يُقيم في باريس بفرنسا، ينقل أخبار الحرب عن طريق جواسيسه إلى مختلف الدول، ولما انتصرت بريطانيا أخبر عملاءه بنشر أخبار معكوسة في إنجلترا، ولما انتشر خبر الهزيمة انهارت السوق المالية وهبطت جميع الأسهم وكافة السلع وقام المصرفيون مباشرة بشراء جميع ما استطاعوا عليه من سندات وعقارات وأسهم في جميع أنحاء إنجلترا، ولما وصلت الأنباء الصحيحة بانتصار بريطانيا وعادت الأوضاع إلى طبيعتها كان المصرفيون قد جنوا أرباحا لا تُقدر رؤوس أموالها بشيء مقارنة بهذه المكاسب الطائلة.

 وكمكافئة من المصرفيين لإنجلترا على هزيمتها لجيوش نابليون قاموا بإقراضها مبلغ 18 مليون جنيه إسترليني وروسيا مبلغ خمسة ملايين، ما يجعلنا نرى جليا انتقال الأحداث إلى بريطانيا بتقديم القروض وتأزيم الأوضاع ومن السيطرة تماما على خزينتها، وتوالت نفس الأحداث بمرور الزمن فقط باختلاف الأشخاص الذين يتم تحريكهم والمواقع الجُغرافية، فمن بعد بريطانيا أمريكا ومن ثم روسيا وإسبانيا ومن ثم إنشاء عُصبة الأمم وتفكيكها وإنشاء منظمة الأمم المتحدة التي بدورها أنشأت صندوق النقد الدُولي والبنك الدُولي بموجب إتفاقية بريتون وودز، وكما يقول المثل: "إذا كان معك سلاح تسرق بنكا وإذا كان معك بنك تسرق العالم".

أصابع خفية في غزو العراق

أُشيع في تلك الفترة من الزمن أن بغداد تمتلك من أسلحة الدمار الشامل ما يُمكن نشره خلال 45 دقيقة فقط من إصدار الرئيس العراقي أوامر نشرها، وعلى ضوء هذه الشائعات أحكمت الحرب أوزارها على العراق من كل جانب، والمعلوم أن قوات الاحتلال لم تجد أيا من هذه الأسلحة المزعومة أو حتى وسائل إنتاجها وبالرغم من ذلك لم تتراجع قوات الاحتلال عن موقفها.

في منتصف الإدارة الأمريكية قامت خلية أنشأها اليهود سموها مكتب التخطيطات الخاص بعدد عمال لا يتعدى العشرين عاملا، تقوم هذه الخلية بجمع المعلومات وتحليلها وأحيانا تلفيقها وإضافة ما يشاؤون إليها وحذف ما يشاؤون منها ثم يقومون بتسليمها إلى مكاتب صُناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية في البيت الأبيض ومقر البنتاجون، وهذه الشائعات المتعلقة بالعراق ما هي إلا وليدة هذه الخلية.

 قام رئيس الوزراء الصهيوني شارون آنذاك بإنشاء خلية مقابلة لهذه في الكيان الصهيوني وعلى إتصال مباشر معها، وقد تم التأكيد على أنه كانت تأتي معلومات من المعارضة العراقية بالخارج التي أكدت أن الشعب العراقي سيرحب بجيوش الاحتلال ترحيب المُحررين، ولهذا تمت زيادة العسكريين بحجة حفظ الأمن في مدن العراق، ومن ضمن المعلومات المغلوطة تلك التي كان يرسلها شارون إلى تلك الخلية هي أن العراق تعزم على شراء اليورانيوم من النيجر ووفقا لذلك حُركت الجيوش ودكت حصون العراق، ومن هذا تتضح لنا عديد من أسباب الحروب التي تنشأ دون أسباب تُذكر كالوقائع المتكررة.

بالنسبة لواقعة بيرل هاربر كان الأمريكان ورئيسهم على يقين تام بأن اليابان تنوي الهجوم على هذه القاعدة ولكنها لم تحرك ساكنا، لأنها كانت تُريد اتخاذها سببا للمشاركة في الحرب، وبعد الحرب وقد كانت اليابان تبحث في أمر المفاوضات للاستسلام وبينما كانت المفاوضات جارية والجميع على علم باستسلام اليابان إلا أن أمريكا قد قامت بإلقاء القنابل الذرية على هيروشيما وناجازاكي. وما كان ذلك إلا تحذيرا لستالين الذي كان قد بدأ التمرد، فأرادت الولايات المتحدة أن تريه عجائب قدرتها وأنه بمثابة تهديد له "أن الزم الحدود"، ولم يكن معروفا امتلاك أمريكا لهذه القنابل الذرية إلا بعد ذلك التاريخ.

وهكذا نرى ما في التاريخ من أحداث يدور رحاها في حلقة مُفرغة، بل وأصبحت هذه السياسات والأساليب كأنها قالب جاهز متداول ما عليهم إلا أن يصبوا فيه الأمور المراد تشكيلها به، وتم توارث هذا القالب يوما بعد يوم وجيلا بعد جيل وقوة بعد قوة، تأخذه وتمارسه على من هم أقل منها وتحت سيطرتها.

 ولسوء حظنا أن الدول العربية والإسلامية بصورة عامة قد أصبحت تحت هذه الدول، وإذا أخذنا هذا القالب وقمنا بتمريره على الدُول دولة بعد دولة فإنه حتما سيأتي على مقاس جميع الأحداث والوقائع في تلك الدول من ذلك الوقت إلى يومنا هذا.