يقول المثل: "نَومُ الظالم رَحْمة ٌ" وذلك لِكَفّ ظلمه عن الناس ما دام نائمًا.. ولكن، هل ينام الظالمين والمجرمين؟؟ وكيف ينامون؟
النوم سنة طبيعية وآية من آيات الله في خلقه وجندي من جنود الخالق، وهو حالة من الاسترخاء، حيث تنعدم الحركة الإرادية لدى النائم، وينقطع شعوره بما يحدث حوله، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "النوم ُ هو الموتة الصغرى".
ورغم أن الإنسان يقضي حوالي ثلث حياته نائماً، إلا أن أكثر الناس لا يعرفون الكثير عن النوم، حيث يعتقد البعض بأن النوم هو عبارة عن خمول وكسل في الوظائف العضوية والعقلية للجسم، يحتاجه الإنسان لتجديد نشاطه.
والبشر ليسوا سواءً في التعامل مع النوم؛ فبعض الناس يخلد إلى النوم وقتما شاء، وأينما شاء، وكيفما شاء، في حين أن البعض الآخر يجد صعوبة في النوم، وقد لا ينام، وحتى عندما ينام فهو لا ينعم بالراحة، ولا يستعيد نشاطه بعد النوم، وكما قال الشاعر متسائلا: مَا بَالُ عَيْنِكَ لا تَنام؟
ما بَالُ عَينِكَ لا تَنَامُ كأنّمَا كُحِلَتْ مآقِيها بكُحْلِ الأرْمَدِ
جزَعاً على المَهديّ، أصبحَ ثاوياً يا خيرَ من وطئ َ الحصَى لا تبعُدِ
هذا البيت قاله "حسّان بن ثابت" رضي الله عنه، جزعًا، وحزناً، وأسفاً، وحُرقة ًعلى وفاة الحبيب رسول الله صلى الله عليه و سلم، وحُقّ له ذلك، نَستعيرُه منه، ونحن في هذه اللحظة الوطنية الحرجة، لنقوله بدوْرنا حرقةً وجزعًا وغيرة على وطنٍ نراه وهو بين أيدِ قاسية لا ترقب في أحراره، ولا في شرفائه ولا في أصالته ولا في قدراته إِلاًّ ولا ذِمّةً، ويُسامُ خِطّةَ مكْرٍ وقهْر وانتهاكات وفساد.
كما نقوله أيضا أسفًاً وخوفاً على ثورة وَقّعَها شعبٌ بدمه وجراحاته وحرمانه وآهاته وعلّق عليها آماله وطموحاته، ونراها اليوم تكاد تُسرق وتُجلَد وتُهان ولا يستفيد منها إلا من كان يرفضها ويحاربها. ونقوله كذلك على قِيَم وأخلاقٍ فُقِدَت، وعلى ثقافة مُسِخَت، وعلى تربية ضاعت، وعلى تعليم اختلّت مناهجُه ومُيِّعَت برامجه ودُنّست مؤسساته.
ما بالُ عينك لا تنام؟ زفْرةٌ ترهق كل عاقل حُرّ، غيور يرى الجسد الأنثوي العاري يعرض رمزًا للثقافة والسُّكْر، والرذيلة عنوانًا للحرية، والحداثة والنهْب والتزوير والفساد شطارة وسياسة!!
ما بالُ عينك لا تنام؟ صيحة ٌيطلقها كل مسلم صادق، يرى الأمّة يمارس عليها الاستكبار العالمي ظلماً وحِقدَاً بغرض تقسيم خريطتها، وتدمير قدراتها، وتمييعً شبابها، وتهجير شعوبها، وتثبيت ودعم الموالين له من حكامها!!
منع النوم ظلما وتعذيبا
أقسى العقاب، أن تحرم شخصًا من النوم، النوم نعمة ومنّة، في الحرب والسلم، وأقسى العقاب أن تحرم شخصًا من النوم لمدة طويلة، ولهذا توجد في خرائط التعذيب لدى الظالمين تقنياتٌ لمنع النوم عن المعتقَلين، يمارسونها بتلذّذ وتسلية، إمعانا في تحطيم نفسية الضحايا، وغسل أدمغتهم وانتزاع الاعترافات منهم.
وقد أجريت عدة تجارب للحرمان من النوم، وكان الهدف من ذلك اكتشاف إلى أيّ مدى يتأثّر الإنسان بفقدان النوم، وحسب هذه التجارب فإن البقاء مستيقظاً لوقت طويل لمدة ثلاثة أو أربعة أيام بدون نوم، يؤدي إلى نتائج مفزعة ومخيفة جداً، من ذلك ما فعله الكوريّون الشماليون مع طيارين أمريكيين أسَروهم وأخضَعوهم عند الاستجواب لعملية "غسيل دماغ " تحت تأثير الحرمان الوحشي من النوم، وذلك بإضاءة زنازينهم لمدة 72 ساعة، مما أوصل الاسرى إلى نقطة التفكّك في الشخصية بسبب عدم النوم، جعلهم يعترفون-عند استجوابهم- بأنهم قاموا بإسقاط قنابل ميكروبيّة وشاركوا في الحرب الجرثومية ضد كوريا الشمالية.
كيف ينام الطغاة، والمجرمين ليلاً؟
في العادة، لا ينعم بالنوم إلا هنيء البال، أو البليد ميّت الإحساس وهو الذي وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث ب "الجَعْظَريّ، الجَوّاظ " حيث قال: (إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ كُلَّ جَعْظَرِيٍّ، جَوَّاظٍ، صَخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ، جِيفَةٍ بِاللَّيْلِ، حِمَارٍ بِالنَّهَارِ، عَالِمٍ بِالدُّنْيَا، جَاهِلٍ بِالآخِرَةِ)، ومعنى جعظري أي المتكبر، الفَظّ، الغليظ، والجوّاظ هو الأكول الشروب النّهِم، والصخّاب -كثير الخصام ورفع الصوت، وجيفة بالليل كناية عن كثرة نومه، وخُموله، وكسله.
وكما أن هناك أشخاصًا لا ينامون لسبب أو لآخر، فهناك أيضا أوطانٌ لا تنام، وشعوبٌ لا تنام، فهل ينام الطغاة والمجرمون؟؟
"بشار الجعفري" سفيرُ سوريا لدى الأمم المتحدة، سئل هذا السؤال على حين غفلة، من قبل "كريستيان أمانبور" وهي مذيعة في قناة (السي إن إن)، التي توجّهت إليه بالسؤال مباشرةً ودون مقدمات أو تمويه قائلة له: “كيف تنامُ بالليل سيد جعفري وأنت تُدافع عن حكومة تسبّبت بالكثير من الدّماء والموْت والدمار والتهجير، وتخطّت الحرب الأهلية إلى استخدام أسلحة دمار شامل، محرّمة دولياً، كيف تنام في الليل، سيد جعفري”؟ فلم يدر الظالم بما يجيب!!
فأنّى لهؤلاء الذين أجرموا في حقّ شعوبهم ودمّروا أوطَانهم، وهجّروا النساء والأطفال، والعجائز من ديارهم، ليبتَلعهم العراء والجوع والخوف بلا ذنب؟..أنّى لهؤلاء أن ينعموا بالنوم؟.. قد لا ينامون إلا تحت المسكّنات والمخدّرات!!
بينما يروي التاريخ قصة رسول كسرى الذي جاء إلى المدينة لمقابلة الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فوجده مستغرقا في نوم عميق تحت شجرة، متوسدا حجرًا، فقال مقولته الشهيرة: (حكَمْتَ فعدلتَ فأمِنتَ فنمتَ يا عمر).
ما الذي يمنع النومَ عن الصالحين؟
تروي كتب السيرة أن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أرِقَ ذات ليلة ولم تغمض له عينٌ، فكان يتقلّب في فراشه مغمومًا مهموماً وكأنه ارتكب جريمة، أحسّت به زوجته "سُعْدَى" فأشفقت عليه فقالت: "ما شَأنُكَ؟ أراك مَغمُومًا لم تنَمْ، هل ارتكبتَ ذنبا؟ هل رَابَكَ منّي شَيءٌ فأعتذر لك، قال: لا لا هذا ولا ذاك، لاَ واللهِ مَا اقترفتُ ذنبا ولا رَابَنِي مِن أَمْرِكِ شَيءٌ، وَلَنعْمَ الصَّاحِبَةُ أَنْتِ، ولنِعْمَ حَلِيلَةُ المَرْءِ المُسْلِمِ أَنتِ ولكِن جاءني مَالٌ كثير هذا اليوم، قَد أَهَمَّنِي شانه وغَمَّنِي أمرُه.. وأَكْرَبَنِي إمساكه وَلاَ أَدرِي كَيفَ أَصنَعُ بِهِ، فسهرْتُ ولم تَنمْ عيني؟ قالت: ومَا يَغُمُّكَ مِنهُ؟.. ادْعُ فقراء قَومَكَ فَاقتسِمْهُ عليهم وتخلّص منه، فقال: نِعْمَ الرأي رأيك، ثمّ استغرق في نوم هنيء لارتياح خاطره ورضاه بذلك الحلّ.
فما بالنا نرى الذين يكنزون الذهب والفضة، ويكدّسون الدينار والدولار، و ينهبون خيرات الأوطان، ويأكلون أموال الناس بالباطل، ويأكلون الرِّبَا، ينامون ملء جفونهم، وكأنهم يملكون براءة من العذاب والحساب، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون؟