إن الجدل المصاحب لوفاة الكاتبة المصرية (نوال السعداوي) جعلني أفكر في الأثر الذي يمكن للمرأة أن تتركه في صناعة النهضة الفكرية. وإن كنت أختلف معها طرحًا وفكرًا، فإني لا أستطيع إنكار أنها استطاعت خلق حالة جدلية وبصمة خاصة بها في المشهد الثقافي النسوي في عالمنا العربي، الأمر الذي جعلني أطرح تساؤلات عن صناعة المرأة الرّسالية صاحبة الفكر القويم، والبصمة المؤثرة بحقّ... ولماذا لا يسطع نجم هذا النموذج في عالمنا العربي اليوم، فإن كانت نوال السعداوي قد تخطت وتجرّأت على كل حدود مرسومة في فكرنا العربي الإسلامي -رغم عدم إنكارنا لدورها الاجتماعي في كسر طابوهات "كمسألة ختان البنات" وغيرها-، فإننا ما زلنا نبحث عن تلك المرأة التي تتخطى بشكل إيجابي حلقة النار المرسومة حول الفكر النسويّ العربيّ وتكون السهم الذي يخترق جملة الأوهام التي تغلّف بشعارات على شاكلة "سترونغ إندبندنت ومن" وجعلت المرأة تخجل من كونها "مجرد أم" أو"مجرد ربة بيت" متغافلين حقًا عن كونها الحلقة الأقوى والدعامة الرئيسة لصناعة الإنسان "الخليفة" على هذه الأرض.

نحن نحتاج لمثال يقود الإغاثة الفكرية لإنقاذ المرأة من نفسها أولا... وصرفها عن إقحام نفسها في حروب وهمية خاسرة تضيع جهدها وتصرفها عن مهمتها الأساسية في إعمار هذه الأرض. 

فما السبيل إلى صناعة هذه المرأة الرسالية التي تقود أمتنا إلى برّ النجاة، وسط هذا التكالب على النموذج "التقليدي" للمرأة المسلمة، والسعي إلى قولبته في إطار أكثر "حداثة"؟

بداية البدايات: "إني جاعل في الأرض خليفة"

إن الفكرة الأساسية التي يدور حولها الفكر النسوي اليوم هي صراع المساواة بين الرجل والمرأة كقطبين متضادين؛ تطغى فيه الذكورة وتحارب الأنثى لإثبات نفسها وكسر القيود المجتمعية عليها. هذا الصراع الذي يدخل المرأة في حرب طاحنة ويكلفها بذلك ما لا تطيق، في رحلة إثبات مساواتها للرجل في كل شيء في حين إنني ممن يرون أن في هذا الفكر ظلمًا للمرأة تحت غطاء العدل، فكلانا خليفة على هذه الأرض وهي العدالة الحق... كلانا خليفة، ولكل منا مملكته الخاصة التي يسعى من خلالها أن يشق طريقه لإعمار الأرض.

أين الخلل إذن؟ 

إذا اتفقنا أن فكرة المساواة تكون في أن يشعر كلّ منا باختلافه عن الجنس الآخر، وأن يسعى إلى تحقيق ذاته دونما الحاجة إلى تصادم، بل على العكس تماما؛ فإننا في أشد الحاجة إلى دعم بعضنا البعض للوصول إلى حالة التكامل الذي يجعلنا ننجح في مواجهة ظروف الحياة القاسية اليوم، فشعور النّدّيّة هذا لن يجلب لنا سوى غياب المودة والرحمة في معاملاتنا بصفتنا ثنائيًّا خلق ليكمّل الجمال الموجود على كوكب الأرض.

غير أن جلّ الخطابات النّسويّة اليوم، تأتي لتسفيه معنى المودة والرحمة، وتعزيز معنى الاكتفاء بالذات الأنثوية أو "الأنثى الخارقة" التي تتحدى كل شيء وحدها، في غياب رؤية واضحة لما تريده المرأة حقا من هذه الحياة "الخارقة". ولنضع ألف سطر تحت كلمة "خارقة"، التي شوهت الكثير من المفاهيم وأدت إلى العديد من المغالطات لدى كلا الجنسين: فالنساء الخارقات ما عدن بحاجة إلى رجال في حياتهن، وهو ما أدى إلى عزوف الفتيات عن الزواج من جهة وارتفاع نسبة خلع النساء لأزواجهن من جهة أخرى. وبالتالي، هدم نواة المجتمع المسلم وهي الأسرة. وعلى الضفة الأخرى، نرى الكثير من الرجال يتنحّون عن واجبهم في القوامة بدعوى أن "المرأة الخارقة" التي ارتبط بها تحمل عنه الكثير، فما الحاجة إلى أن يكون قوّاما عليها؟ وهي المطالبة بالإنفاق على الأسرة بنفس الدرجة، وخدمة بيتها كآلة حقيقية بل وأكثر من ذلك جعلت العديد من الشباب يبحث عن راتب ثانٍ له كشرط من شروط الزواج...   

وهنا، نرى أن الخلل الحقيقي في الخطاب النسوي العربي هو عدم إعطاء رؤية واضحة خاصة للفتاة والمرأة العربية بشكل عام. وهذا لا يعنى أن نعود بالمرأة إلى الخلف ونقوم بسجنها خلف عادات مجتمعية واهية، بل على العكس تماما؛ فنحن ندرك أن السبيل الوحيد لنهضة مجتمعنا هن نساؤه، بقوّتهن وحدهن نستطيع النهوض بهذه الأمة من جديد.

 نحن نبحث عن نموذج لامرأة ناجحة بعيدًا عن الخطابات الداعية إلى تخليها عن أنوثتها أو عن سترها في سبيل إثبات نجاحها. امرأة تشعر بأهمية دورها على هذه الأرض، وتسعى لترك أثر يدل على مرورها... امرأة قيادية ناجحة تصنع لنا جيلًا من القادة الناجحين، لا يهمها من أين تبدأ في رحلتها للنهضة، وأيّ من الثغور عليها أن تسد، بل إلى أين ستصل بهذه الأمة في النهاية. وعند وصولنا إلى هذا النموذج، نستطيع أن نقول بفخر: إننا صنعنا "امرأة خارقة".

ولعل صفات المرأة التي نبحث عنها، قد جمعها الكاتب المصري كريم الشاذلي في كتابه الشهير "امرأة من طراز خاص"، والتي ألخصها لكم في بعض الصفات وهي:  

  • المبادرة: فالمرأة الناجحة لا بد أن تتمتع بصفة الإقدام، تصنع حياتها دون أن تنتظر ما قد يمنّ به عليها شخص آخر.
  • الثقة بالنفس: فالنجاح لا يقترب من شخص مزعزع الفكر، والثقة بالنفس هي التي تدفع المرء منا للعمل والتميز والنجاح.
  • التخطيط للحياة: كيف تسيطر المرأة على حياتها وتضع البرامج والخطط لتحقيق أفضل النتائج؟ سؤال قد يجيبك عنه الكتاب.
  • إدارة الأولويات: عن الوقت وأهميته وطرق الاستفادة منه.
  • الذكاء الاجتماعي...

هذه الصفات التي إذا عملنا على تقويتها لدى فتياتنا اليوم، وتطوير كل صفة على حدة كمهارة ضمن مناهج تعليمية خاصة بتطوير الفتاة أو داخل خطاباتنا النسوية البعيدة عن النموذج الخطابي المستنسخ عن النموذج الغربي، أو حتى داخل الأسرة كنواة لبناء المرأة المسلمة التي تصنع نهضة أمتها. متأكدة أننا سنحصل على جيل نسوي رسالي وقيادي يحقق معادلة النهضة، ويعيد هذه الأمة إلى الريادة من جديد.