بعد مرور أكثر من 74 عامًا على إعلان دولة الاحتلال في فلسطين إذا ما اعتبرنا عام 1948 هو الإعلان الرسمي للاعتراف بتلك الدولة المزعومة باسم إسرائيل، حيث يمكننا القول: إن الاحتلال بدأ قبل ذلك بكثير، منذ عام 1919 خلال الانتداب البريطاني الذي لم يكن سوى تمهيدٍ لإعلان دولة إسرائيل من خلال وعد بلفور وإعطاء من لا يملك لمن لا يستحق، وتوافد موجات الهجرة الجماعية لليهود من كل أنحاء العالم إلى فلسطين.

عمل خلالها الإعلام الصهيوني على تشويه الحقائق وإبراز مفاهيم معينة وتصديرها للعالم، ونشر أساطيرهم وأطروحاتهم المختلفة، مثل: "الأرض الموعودة" و"شعب الله المختار" و"أسطورة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"؛ لتبرير سياستهم المغتصبة من تطهير عرقي وإبادة جماعية للفلسطينيين. 

ولكن، جاءت الأحداث الأخيرة في حيّ الشيخ جرّاح، واقتحام المسجد الأقصى يوم 28 رمضان مع تغطية مباشرة للأحداث -لا مجال فيها للزيف- من الشباب الفلسطيني، حطمت كل ما حاول الاحتلال خلال سنوات ترسيخه، باستخدام مليارات الدولارات لتحسين صورته أمام العالم بأنه "مُحبّ للسلام" وأظهرت وجهه الحقيقي الهمجي الحاقد على العرب والمسلمين، مما أدى إلى الحصول على الدعم العالمي للشعب الفلسطيني، وتأييد حقهم في أراضيهم بعدم طردهم منها وخروج الآلاف من المتظاهرين في أوروبا وأمريكا وآسيا ومعظم الشعوب العربية، تعلن رفضها لتلك السياسات الهمجية.

 في هذا المقال، سنلقي الضوء على سياسات الإعلام الصهيوني..

ما هي الحركة الصهيونية؟

 هي حركة سياسية يهودية، ظهرت في وسط وشرق قارة أوروبا في أواخر القرن التاسع عشر، ودعت اليهود للهجرة إلى أرض فلسطين بدعوى أنها أرض الآباء والأجداد (إيريتس يسرائيل)، ورفض اندماج اليهود في المجتمعات الأخرى للتحرر من معاداة السامية والاضطهاد الذي وقع عليهم في الشتات. وبعد فترة، طالب قادة الحركة الصهيونية بإنشاء دولة منشودة في فلسطين والتي كانت ضمن أراضي الدولة العثمانية. 

مؤسس الحركة الصهيونية:

وقد ارتبطت الحركة الصهيونية الحديثة بشخصية اليهودي النمساوي "تيودور هرتزل" الذي يعد الدّاعية الأول للفكر الصهيوني الحديث.

  • في افتتاحية العدد الأول من أسبوعية الحركة الصهيونية "دي وولت" (العالم)، الذي صدر بتاريخ 3 يونيو 1897، كتب "تيودور هرتزل" -مؤسس الحركة الصهيونية-: "يجب على هذه الصحيفة أن تكون درعًا للشعب اليهودي، وسلاحًا ضد أعدائه".
  • أما "بن جوريون" فقد كان يؤمن بأن وظيفة الإعلام الإسرائيلي الأساسية هو الدفاع عن المشروع الصهيوني.
  •  قبل عام 1948، قد أنشأت الحركة الصهيونية إذاعة موجهة لليهود، كما شرعت في طباعة 14 صحيفة، من بينها 4 صحف ناطقة بالعربية، ومع مرور السنوات وتطور تكنولوجيا الإعلام والصحافة، استغل الكيان الصهيوني التلفزيون والإذاعة والصحف من أجل خوض الحرب الإعلامية الكبرى، فبدأت الحملات الدعائية النفسية التي تؤثر على الروح المعنوية للشعوب العربية.

ولعل أكذوبة "الجيش الذي لا يُقهَر" خير دليل على الشائعات التي نجحت وسائل الإعلام الإسرائيلية في بثها في فترة من فترات الصراع العربي ـ الإسرائيلي، قبل أن يُكشف زيف هذه المقولة في أعقاب انتصار الجيش المصري في السادس من أكتوبر 1973م، لكن الصهاينة ـ وعلى الرغم من الهزيمة، لم يغفلوا قوة الإعلام الضاربة وتأثيره المهمّ، فازداد اهتمامهم بتطويره بالطريقة التي تخدم أجندتهم الاستيطانية و سياساتهم الاستعمارية.

الحرب نفسية ليست حرب أسلحة: من هذا المنطلق، تعدّ الحرب النفسية التي تشنها وسائل الإعلام الصهيونية نوعًا من الهجوم العدائي المبرمج، الذي يستهدف التأثير على عقول الأفراد ونفسياتهم ومعتقداتهم، عبر إثارة الإشاعات الكاذبة والفتن، وذلك بهدف غرس الخوف وتمزيق المجتمعات، وزعزعة ثقة الشعوب بجيوشها والتشكيك بقدراتها.

 

استخدام مصطلحات مغلوطة لغرسها في عقول الشباب العربي وإقناع العالم بها

ولا تتوقف الدعاية الإسرائيلية عند هذا الحد، فهى تتسم بالدهاء الأسود، إذ تستخدم أسلوب التكرار وتشويه الحقائق من أجل إبراز مفاهيم معينة وتصديرها إلى العالم؛ فقديمًا كان التركيز على كذبة سخيفة بأن "فلسطين هي موطن اليهود"، ثم انتقلوا للحديث عن أن الكيان الصهيوني الاستعماري هي "دولة مسالمة". وهكذا يتم تغيير كل الحقائق إلى أكاذيب مغلوطة يتم إقناع العالم بها، فجيش الاحتلال الإسرائيلي يصبح "جيش الدفاع الإسرائيلي"، والقدس تتحول إلى عاصمة أبدية للدولة الإسرائيلية.

الترويج لمسمّيات المدن والمناطق الفلسطينية بأسمائها الإسرائيلية الجديدة، فمثلًا يصبح حائط البراق هو حائط المبكى، وجبل بيت المقدس هو جبل الهيكل وهكذا... ويعدّ التضليل الإعلامي من أعتى أدوات الكيان الصهيوني، حيث يتم بصيغ متباينة بقوالب مختلفة.

 فقد دأبت وسائل الإعلام الصهيونية على ترسيخ وصف الشخصية الإسرائيلية بأنها "ذكية، وفعالة، ومنتجة". وفي المقابل، تقوم بتصدير صورة مغلوطة للشخصية العربية بأنها "كسولة، ومتخلفة، وعدوانية".

استخدمت وسائل الإعلام الصهيونية بعض الشخصيات العربية المؤثرة ممّن يحملون جواز السفر الإسرائيلي، وينشرون محتوًى محبّبًا للجماهير كالسفر أو غيره؛ من أجل الترويج لها واستخدام مصطلحات مختلفة مثل: التعايش السلمي، وأن إسرائيل دولة سلام وأنها تريد لجميع الديانات الإسلامية والمسيحية واليهودية العيش معًا في سلام لتحويل القضية إلى صراع ديني -فقد كانوا يعيشون معًا في سلامٍ من قبل- ولكنها قضية احتلال! 

أهداف وسائل الإعلام الصهيونية

تتلخص أهداف وسائل إعلام الكيان الصهيوني في تثبيت أقدام اليهود وترويع وتخويف العرب بعامّة، والفلسطينيين بخاصة. وكذلك الدعاية من أجل الترويج للفكرة الصهيونية وقوة الكيان الإسرائيلي. ولعل هذا ما يتضمنه البند الثالث من قانون الإذاعة والتلفزيون الإسرائيلي بوضوحٍ، والذي ورد فيه أن "الهدف من الإعلام الإسرائيلي في كافة المجالات، هو إظهار الطابع الصهيوني لإسرائيل وكفاح اليهود وإبداعاتهم وأهم إنجازاتهم على كافة المستويات، مع تعميق الانتماء اليهودي والصهيوني معًا، والتعبير والدعاية للحياة الثقافية اليهودية في العالم أجمع، وبث برامج بالعربية تهدف إلى ترويض الجمهور العربي في أراضي عام 1948، وترويج دعاية للفلسطينيين والعرب عمومًا وفق أهداف السياسة الصهيونية. إضافة إلى بث برامج خارج حدود إسرائيل لتحقيق أهداف الصهيونية، والدفاع عن السياسة الإسرائيلية، وخاصة العدوانيّة المتعلّقة بالاستيطان والتهويد وأعمال العنف الحربية التي تشنها إسرائيل".

من هذا المنطلق، فإن إسرائيل لا تدّخر جهدًا لاستقطاب مشاهدين ومستمعين وقراء من الفلسطينيين والعرب إلى شاشات وأثير وصحف إعلامها، مستغلة عدم ثقة الجماهير بالإعلام العربي الرسمي أو الخاص في فترات معينة. ولهذا، فقد بدأت في إفراد مساحة كبيرة لإعلامها باللغة العربية، فالإذاعة الإسرائيلية أفردت موجة خاصةً للبث باللغة العربية، وكانت تبث برامجها لمدة 7 ساعات يوميًا، ثم أصبحت ساعات البث 18 ساعة يوميًا.

 وهي مرتبطة بجهاز الموساد، وتحتل الاعتبارات الأمنية الصدارة في برامجها وتوجهاتها، كما تُستغل كمصدر لجمع المعلومات وتجنيد العملاء، من خلال برامج تبدو بريئة وإنسانية، مثل: برنامج "سلامات، و"بين السائل والمجيب".

 وقد نجح الموساد في إسقاط العديد من الأشخاص ودفعهم للعمل لصالحه. أما الفضائية الإسرائيلية باللغة العربية، فقد أُنشِئَت في بداية عام 2001، وذلك للدفاع عن سياسة إسرائيل العدوانية تحت مبرر "ضرورة تحتمها مصلحة إسرائيل العليا"، ويغطي بثها كافة بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والخليج العربي على مدى 12 ساعة يوميًا، وهدفها الأساسي هو إيصال رسائل يومية مغلوطة للعرب عن الحياة في الكيان الصهيوني، وإخفاء سياسته العدوانية بالتمويه والخداع. وذلك إلى جانب فضائية أخرى أنشئت قبل أعوام قليلة وهي "آي 24". أما الصحافة المكتوبة، فالجهد الأكبر موجه إلى الصحافة الإلكترونية وليست الورقية، وأهم هذه المواقع؛ نجد "تايمز أوف إسرائيل" الذي يبث تقارير معمقة ومتحيزة للرواية الإسرائيلية بشكلٍ كبيرٍ، إلى جانب موقع "المصدر" المتخصص في طرح قضايا إسرائيلية لا يتناولها الإعلام الآخر، بالإضافة إلى بعض المواقع الإسرائيلية بالعربية وأهمها: إسرائيل بالعربية، ووزارة الخارجية الإسرائيلية، وبوابة "والّا" الإخبارية.

 وسائل التواصل الاجتماعي

بدأ المتحدثون الرسميون في الكيان الصهيوني في استقطاب ملايين المتابعين لحساباتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال إتقانهم اللغة العربية، واستغلال ذلك في التعامل مع الإعلام العربي أو الموجه إلى العرب، ومهمتهم الأساسية تبرير السياسات الإسرائيلية، وخلق الشعور باليأس عند العرب من إمكانية أي تقدم في المواجهة مع إسرائيل. ومن المؤسف أنه على سبيل المثال لا يوجد ناطق رسمي عربي يستطيع استخدام اللغة العبرية لمجاراة الناطق باسم الجيش الإسرائيلي "أفيخاي أدرعي" الذي ينشط باللغة العربية على مدار الساعة في تقديم معلومات ووجهات نظر إلى الجمهور العربي، ومثله الناطق باسم رئيس الحكومة "بنيامين نتنياهو"، "بولي مردخاي" المعروف بلقب "المنسق"، وهما يجيدان استخدام أسلوب التبرير وكافة فنون الدعاية لكل الأعمال العدوانية التي يقوم بها جيش الاحتلال، من خلال كمٍّ هائلٍ من الأخبار والمعلومات التي تتضمن رسائل مغلوطة وحقائق مشوّهة، واستخدام مصطلحات ملطفة للتمويه على بشاعة الحدث، فالأمر قائم على صناعة أخبار وهميّة من وحي الأهداف العدوانية لتصبح كما الأحداث الحقيقة، مثلما قالت "غولدا مائير" ذات مرة: "لن أسامح الفلسطينيين لأنهم يجبرون جنودنا على قتلهم".

لقد اعتمدت وسائل الإعلام الصهيونية على منهجية ثابتة لصناعة الأكاذيب والشائعات وترويجها بِحرفية عالية، ولم يكذب "بن جوريون" حين قال يومًا: "لقد أقام الإعلام دولتنا، واستطاع أن يساعدنا في الحصول على مشروعيتها الدولية".

ولعل الأحداث الأخيرة -وليست الجديدة- قد تكون أعطتنا درسًا في دور وسائل الإعلام. فإن كنا سنحاربهم، عندئذٍ يجب أن نستخدم نفس سلاحهم، ونعمل على توعية الجيل الجديد الصغير الذي ربما لم يشهد المذابح التي قام بها المحتل قبل أن يتعرض لعملية غسيل المخ الممنهجة الصهيونية على وسائل التواصل الاجتماعي وهنا يأتي دور الآباء.

سوف ننشر بشكل دوريّ مقالات توعية تتعلق بكشف سياسات الاحتلال على مدار السنوات، تبين السبب في كونها ليست قضية سياسية أو حرب أهلية أو صراع ديني كما يُرّوَج لها.