نشأت سلطة تحكم ومحكوم يطيع، ونشأ بينهما عقد اجتماعي يفرض بأن يقوم كل منهما بواجبه، فإذا أخلَّ فريق بواجبه حق للآخر فك العقد، والثورة
جان جاك روسو
وهل يوجد أجمل من هكذا مقولة!

صدق جان جاك روسو، فالإخلال بالعقد يؤدي إلى ثورة محتومة، لكن هذه الأخيرة تستلزم شعوب واعية لا تتحرّك داخل الضباب بعشوائية، بل تفهم جيداً ما لها وما عليها، لكن الإشكال هنا يكمن في السلطة التي تفاقمت ضغوطاتها في ظل الجائحة العالمية، إذ لم نعد نُفرّق بين الديمقراطية والاستبداد الذي تأقلم جيداً وسط الأزمة، وطوّر الحكّام المستبدون إستراتيجيات فعّالة لتخدير الشعوب بشعارات الأمان، وهل يوجد سيناريو أفضل من تحقيق الأمن والاستقرار؟ 

وسط الهلع وتزايد عدد الإصابات والوفيات بفيروس كورونا، اختارت الشعوب الحفاظ على صحتها التي لن يُدافع عنها غيرهم، لأنّ السلطة في حدّ ذاتها تُعاني من ذات الخطر، وعليه ما فائدة تحقيق الديمقراطية أو المُطالبة بسقوط الاستبداد؟ خاصة وأنّ الدول الكبرى التي طالما فرضت مبادئها وسياساتها تحت ذريعة نشر الحرية والفكر المنفتح، ها هي ذي تفشل في مواجهة الوباء، ها هي ذي تنطوي على نفسها وتتهم الآخر بتهديد أمنها. 

وكمثال بسيط الاتهامات المتبادلة بين الصين وأمريكا في فترة حكم دونالد ترامب، هذا الأخير الذي ألقى باللوم على الصين، وحملّها مسؤولية الرُعب الذي حلّ على العالم فجأة، الوباء الذي لا يعرف دولة متقدمة ولا أخرى مُتخلّفة، لا يُفرّق بين الديكتاتورية والديموس كراتوس.

السؤال الذي يجب علينا طرحه، وعدم تجاهله هو: هل الدول الكبرى كفيلة حقاً بقيادة العالم وفرض مبادئها وقيمها على بقية الدول الأخرى خاصة المُستضعفة منها والانهزامية التي مهما حاولت شعوبها الخروج من شرنقة التبعية ستفشل؟ ببساطة لن تُحرّك ساكناً لأنّها مُتشبِّعة بثقافات لا تتلاءم وطبيعتها المُجتمعية، لن تفهم الشعوب بأنّ الديمقراطية مُجرّد شكل من أشكال الحكم، بمعنى أنّها ليست الحل الطبيعي لكافة المُجتمعات، فقط لو نُفكِّر: هل حقاً الديمقراطية صالحة في كل زمان ومكان؟

الجواب بسيط: ليست صالحة دائما، لأنّ الدول الديمقراطية قد فشلت في ظل هذه الجائحة، وأمريكا مثال واضح عن ذلك لأنّها كشفت عن مدى تفشّي العنصرية وسط مُجتمعاتها، وعليه لا ينبغي أن نستسلم لأفكار قذفتها الأمواج إلى شواطئنا، بل يجب أن ننفض غُبار الاتكال على غيرنا، ونبحث عن شكل جديد من أشكال الحكم يسمح لنا بتحقيق التغيير المنشود.

بنهاية هذه التدوينة أتمنى من كل قارئ لها أن يُجيب على السؤال التالي: ما هو التغيير الذي تُريده؟