في زمن ضاع فيه الحق وعلا عليه فيه صوت الباطل فألجمه... زمن أصبح فيه القابض على دينه حقا كالقابض على الجمر... كل تلك المشاهد المبثوثة على الشاشات والتي تدك الأبصار منا فتعميها عن رؤية نور الحقيقة المبين ... فيما يلتف الباطل على جيدها ليصبح بذلك صوتها مبحوحا لا يكاد يبين... يسطع نجم سيدنا صهيب الرومي من بين كل الذين مروا على التاريخ البشري ليربط على قلب الباحثين عن الحقيقة في كل زمان ومكان.

صهيب بن سنان ذلك الفتى الذي هجر بلاده وأهله... وارتحل بين البلدان بحثا عن النبي الذي سمع أنه سيبعث في ذلك الزمن... السيد في قومه الذي ذاق طعم العبودية فقط ليعيش رحلة البحث عن الحقيقة بكل تفاصيلها دونما التفات منه لما قد يدفعه من ثمن... بهدف واضح انطلقت رحلته ليصل إلى الغاية من خلقه، وهو معرفة ذلك الإله الذي أبدع خلقه ووهبه الحياة... ويبيع لأجل ذلك روحه وكل ما ملكت يده مرتين، الأولى حين خلف وراءه أهله رغم منصبه وعلو شأنه فيهم... ومرة ثانية يوم شهد له آخر الأنبياء فيها أنه قد ربح البيع... فلا ثمن يضاهي عنده تذوق لذة الإيمان... لذة توارثناها فما عدنا نحس حقيقة طعمها ولا شعور الحرية فيها بأن لا سيد لك سوى ذلك الخالق العظيم الذي منحك الحياة كي تعبده.

إن ما نحس به كمسلمين ورثوا دينهم كابرا عن كابر يختلف كثيرا عن ما يحسه من درسوا هذا الدين وتعمقوا فيه ثم اعتنقوه... اسمع إلى حديث من القلب لشخص عرف الإسلام وتحول إليه بقناعته لتدرك أنك أنت من كنت على غير هدى. 

قارن نفسك بمن مروا... تذكر صهيبا وأنت تصلي خفية بين أقرانك كي لا تلقب "بسيدنا الشيخ"... وأنت تمسك سيجارة لم تتعود على تذوقها كي لا تفسد "مود" صديقك... تذكريه وأنت تلفين قطعة قماش حول رأسك وجسدك محاولة ضبطها كي تبدو على الموضة... أو وأنت تقلعينها لتبدي بعيون البشر أكثر حرية وأن هذا الجسد ملكك وفي تعريته دليل على نضج الفكر منك... تذكروا صهيبا وأنتم تحاولون عدم خسارة وظيفة ترون فيها تعديا صارخا على حرمات الله... ولتجعلوا كل لحظة اختيار حر تمر أولا على ميزان صهيب... ميزان الحق الذي عرفناه فلزمناه ولا يهم فيه أي ثمن ندفع فقط لتبقى كفة الحق راجحة. 

صهيب بن سنان الرومي أثبت أن الإسلام تجارة يجب أن تكون قادرا على دفع ثمنها... أن تبيع نفسك مقابل مرضاة الله... ليجزى على ذلك بأن يخلد ذكره بآية تتلى إلى يوم القيامة "ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله"...

فأي ثمن قد جهزته لذلك أنت؟