من خلال هذا العنوان العريض، ومن معناه الظاهري سيتضح للقارئ العزيز أنها مقولة قدحية مسيئة لكل العرب، ولكن في معناه الجوهري لها دلالة عميقة تجسد الواقع الذي تعيشه الدول العربية من تفرقة وتباعد وخذلان وصراعات... وحقيقة كلامي هذا هو ما نعيشه اليوم ونشاهده على القنوات الفضائية العربية منها والأجنبية التي تنقل على الهواء مباشرة الوقائع الوخيمة، والزلات العظيمة بين دول شمال افريقيا، وبعض الدول العربية (الخليج العربي...)، وما هذا إلا ثمرة ونتائج للسياسات الفارغة والمتذبذبة التي ينهجها زعماء ورؤساء الدول العربية، وانبطاحهم وتذللهم للدول العظمى الإمبريالية المستعمرة، التي تعمل جاهدة وبكل الطرق والوسائل المتاحة في تفرقة الدول الإسلامية، واستغلال ثرواتها الطبيعية (غاز – بترول – فوسفاط – ذهب...)، ولم تكتف بهذا فقط، بل تدخلت في الشؤون الداخلية للبلدان العربية على أساس إيجاد حلول للمشاكل التي تتخبط فيها هاته الدول من تهميش الشعب وتفقيره واحتقاره وانعدام أبسط الحقوق لتحقيق العيش الكريم.
في حين أن هذه التدخلات ما هي إلا خطط واستراتيجيات وبروتوكولات قد وضعتها الدول العظمى المتمثلة في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لتفريق الدول العربية والإسلامية، وتشتيت شملهم وزرع الفتنة فيما بينهم، وتركهم في صراعات ونزاعات غير متناهية، بداعي تحقيق الديمقراطية، ومحاربة التخلف والجهل ونشر قيم الحضارة…
بل أكثر من هذا فشغلهم الشاغل وهمهم الأسمى هو محاربة الإسلام ومسح أثره في كل بقاع العالم، وهذا ليس وليد اليوم ولا حديث العهد، وفي هذا الصدد يقول عز وجل :
( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) {1}،
ويقول سبحانه:
(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم، إن الله لا يهدي القوم الظالمين) {2}،
والآيات والأحاديث كثيرة في هذا الشأن، وكما نعلم جميعا أن أي مشكل له أسبابه في بزوغه وانتشاره، ومنه فإن من أسباب تفرقة العرب، أوله البعد عن الدين الإسلامي، وعدم الاحتكام لشرع الله عز وجل، وعدم الاعتصام بحبله، وهدم آصرة الأخوة وخلق العداء والنزاع، يقول تعالى:
(واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا) {3}،
وقوله جل في علاه:
(وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم، واصبروا إن الله مع الصابرين) {4}،
ومن الأسباب كذلك: الانحطاط الذي عرفته الدول العربية في جميع المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية وغيرها… وأسباب أخرى ذكرها الأستاذ عبد الباري عطوان في مقاله:
(العالم الإسلامي لم يتخلف بسبب العقيدة الإسلامية، وإنما مؤامرات الاستعمار الغربي، والفساد وأنظمة الحكم الديكتاتورية...) {5}،
وبهذه الأسباب أو بأخرى أدت ولازالت تؤدي إلى ما يعيشه العرب من نفور وتباعد وتفرقة. ومنه أقول ما يحمله العنوان من دلالات رنانة، ورسالات مشفرة، فإن العرب اتفقوا على عدم توحيد الرؤية - عدم توحيد الصيام والأعياد الدينية -، اتفقوا على عدم توحيد مصالح الأمة العربية والاسلامية، اتفقوا على تجاهل وحدة الدين واللغة والمصير المشترك، اتفقوا على هدم قواعد مجلس الاتحاد العربي، ومجلس دول شمال أفريقيا، اتفقوا على بسط أراضيهم وممتلكاتهم وثرواتهم للمستعمر الغربي والتصرف فيه بكل حرية كيف شاء ومتى شاء، اتفقوا على غلق الحدود وقطع جسر التواصل بين الشعوب، وبالتالي تسود التفرقة، وانغماس الدول العربية في سباتها العميق.
وأختم مقالي بسؤال وجيه يوازي ما خطته أناملي أعلاه: لماذا تخلف العرب وتقدم غيرهم؟