نظم عمران الحضارة بالشراكة مع منتدى كوالالمبور جلسة حوارية يوم الخميس 20 مايو 2021 الموافق ل8 شوال 1442 هـ تحت عنوان: "فلسطين بوصلة الأمة"، وأدار الحوار الأستاذ شمس الدين حميود مع المفكر المغربي الدكتور البشير عصام المراكشي والأستاذة هنادي الحلواني من القدس والأستاذ سامر الباز أبو عمر من غزة بالإضافة إلى الدكتور مراد كدير من الجزائر. تقرؤون فيما يلي الجزء الأول من الجلسة.

شمس الدين حميود: بسم الله الرحمن الرحيم ناصر المستضعفين وقاهر الظالمين والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين.

مع ما يحدث في فلسطين الحبيبة من حماية مستميتة للمسجد الأقصى المبارك وأكنافه، قياما بفريضة الجهاد رغم تخاذل القريب وعجز الصادق، تبرز الحاجة إلى الإحاطة بالقضية ومتعلقاتها وبدراستها وفق الأبعاد الحضارية الكبرى. 

حديث عن الواقع، جديد المعطيات، وسبل المواجهة والصمود، وإطلالة على سياقات النشأة السردية الحالية وبروزها في المواجهة، حديثنا مع ثلة من الضيوف الأفاضل يتقدمهم شيخنا الحبيب الدكتور البشير عصام المراكشي والأستاذة المرابطة هنادي الحلواني، إضافة إلى الدكتور مراد كدير من الجزائر والأستاذ أسامة الباز أبو عمر من غزة.

أستذكر رسالة شيخ الإسلام لأمه حين قال "ولسنا والله مختارين في البعد عنكم ولو حملتنا الطيور إليكم لسرنا" هذه المقولة نوجهها لأهلنا في بيت المقدس وأكنافه الذين شرفوا المسلمين.

ننتقل بكم إلى بيت المقدس مع إحدى المرابطات والمكافحات الأستاذة هنادي الحلواني، أهلا وسهلا ومرحبا بكِ معنا أستاذة.

هنادي الحلواني: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن والاه.

 تحية طيبة لكم من قلب مدينة القدس ومن أهلكم المرابطين والمرابطات في بيت المقدس ومن أسوار هذه المدينة الشامخة كشموخ أهلها، تحية إلى أهلنا وأحبائنا وكل من يستمع لنا في هذا البث الإلكتروني وإلى مشايخنا وضيوفنا الكرام، هذه تحية أهل القدس ومني أنا هنادي الحلواني أشكركم على هذه الفرصة في ظل ما تعيشه القدس. 

تدافع فلسطين اليوم عن الأمة الإسلامية جمعاء، ونحمد الله أن اختارنا من المرابطين في أرض الإسراء والمعراج في بيت المقدس، لنواجه عدوا يستخدم كل أصناف الحقد والظلم والإجرام مقابل شعب أعزل لا يمتلك السلاح، ولقد رأيتم في الصور والفيديوهات الأطفال والشهداء، وأنا من القدس لأستحي أمام تضحيات أهلي في غزة، نحن لا نقدم ولم نقدم عشر ما قدموه من دمائهم التي تروي التراب الذي دنسه المحتل. 

 أبدأ في الأحداث وما وصلنا إليه اليوم ونحن في انتفاضة شعبية، وكانت المسألة الرئيسية هي المسجد الأقصى الذي يقتحم ويدنس. 

وقبل أن نبدأ، في الحقيقة هي بشارة خير لطهارة أرض، فالمسجد الأقصى منذ 18 سنة وهو يقتحم ويدنس، ولكن في هذه الأحداث الأخيرة وانتفاضة الداخل الفلسطيني وأهل القدس وغزة العزة التي لبّت النداء والتي علمتنا كيف ندافع عن كرامتنا وعن القدس ودفعت ثمن ذلك دماء أبنائها وبيوتها التي قصفت على رؤوسهم وأمنهم وأمانهم. 

الشرارة التي بدأت من المسجد الأقصى عندما أراد الاحتلال أن يقتحم مسجدنا يوم 28 من رمضان، عندما أقام اجتماعا تحضيريا قبل بداية رمضان ليمكر هو وجماعات كثيرة حشدت لتقتحم المسجد الأقصى.

وقد طلبت تلك الجماعات من قوات أمن الاحتلال أن توفر لها الأمن لكي تستطيع أن تقوم باقتحامات مركزية تصل إلى أكثر من 2000 مقتحم، أرادوا أن يدنسوا مسجدنا في شهر رمضان، وطالبوا بالسماح لهم أن يدخلوا الطعام والشراب الذي قد يكون خمرا، وهذا قد حدث في أعوام سابقة عندما أدخل مستوطنون زجاجات الخمر وتسللوا لإدخالها وقاموا باعطائها كهدية للضباط الذين أمنوا لهم هذا الاقتحام، يحاولون أن يحققوا من خلال اقتحامهم المسجد الأقصى تقديم القربان الذي يحلمون أن يدخلوه فيذبحوه تقربا واحتفالا بأعيادهم من داخل المسجد. 

الاقتحام يوم 28، الهدف منه اقتطاع جزء من المسجد ليؤدوا فيه صلواتهم، وقد ارتفع سقف مطالبهم إلى إقامة كنيس تهويدي داخل ساحة المسجد، ولكن ما كان من المقدسيين إلا أن وقفوا لهم بالمرصاد.

- بدأت أول الأحداث في حي الشيخ جراح الذي حاول الاحتلال أن يطهره تطهيرا عرقيا وأن يفرغه من سكانه ويعمره بالمستوطنين. 

حي الشيخ جراح ليس ببعيد عن الأقصى، فهو من الأحياء الحاضنة والمحيطة به، يبعد عنه مسافة 2 كيلومتر. ولأجل ذلك قام الاحتلال بإغلاق منطقة باب العامود، وهو أحد البوابات الرئيسية الموصلة للمسجد الأقصى، والذي يمر عليه أهلنا من الضفة الغربية وأهلنا في ضواحي مدينة القدس، إذ أنه قريب من الحافلات ومن مركز مدينة القدس، فوضعوا هذه الحواجز الحديدية لعيقوا حركة الداخلين ويقللوا العدد فيصل اليأس إلى نفوس الذين يأتون إلى المسجد الأقصى.

لكن وقف الشباب المقدسي ضد المحتل على مسافة الصفر، وضُرٍبُوا بمختلف أنواع الأسلحة: الرصاص المطاطي، والغازات الخانقة وتركيبة مواد كيميائية سامة، ولكن هَب الشباب المقدسي طيلة عشرة أيام، ولم يكتف الاحتلال بالحواجز الحديدية بل قام بقطع الأسلاك الصوتية التي توصل بمكبرات صوت المئذنة، وهذا بهدف عدم وصول صوت صلاة التراويح إلى المنطقة الغربية من المسجد الأقصى والذي يمثل حائط البراق، حيث كانت تقام هناك الصلاة اليهودية، فأرادوا أن يعلو صوت الصلاة اليهودية على صوت صلاة المسلمين، وأرادوا أن يسمو الزمان الصهيوني على الزمان الإسلامي، لكن المعتكفين عزموا أن لا يمر هذا الإقتحام ولو على أرواحهم.

 حتى أهلنا في الداخل الفلسطيني، على الرغم من المسافة البعيدة عن الأقصى عزموا أن يعتكفوا في المسجد الأقصى، وكانوا يواجهون الاحتلال الذي كان يرجعهم من منتصف الطريق، وقد منع الطعام والشراب عن المعتكفين داخل المسجد.

- اقتحم الاحتلالُ المسجدَ الأقصى يوم 26 من رمضان وقد حولوا تلك الساحة إلى ساحة حرب. 

 ودمروا العيادة ليمنعوا علاج الذين أصيبوا أو سيصابون، وضربوا المعتكفين وخوفوا الأطفال. 

- أما في صبيحة 28 رمضان وقف عند بوابة المغاربة المستوطنون يريدون اقتحام المسجد الأقصى، وفي الطرف الآخر المعتكفين من الشباب الذين لا يملكون غير الحجارة. 

لكن أعلنت قوات الاحتلال في بيان أن المستوطنين لن يقتحموا الأقصى، ولكن الشباب المقدسي لم يثق في تصريحاتهم، وبعد ساعتين جاءت قوات الاحتلال بشراسة وتعاملت بكل قوة مع الشباب وضربت النساء والرجال و طردت أكبر عدد من المعتكفين.

كانت الساحة مثل ساحة المعركة، عنف وضرب وقنابل وحصار ومنع وصول سيارات الإسعاف واستولى الاحتلال على مفاتيح الأقصى وأغلقه، وهناك من الشباب من فقد عينيه الاثنتين وكسرت جمجمته، ومنهم من يعاني حتى اليوم من إصابات خطيرة جدا.

لم تتوقف المقاومة في غزة، بل قصفت مناطق الاحتلال ودوت صفارات الإنذار ومعها تكبيرات المعتكفين في القدس، ومنذ ذلك الوقت وغزة تُقصَف، ولكنها ضربت هذا الكيان الذي يعتقد أنه لا قوى تفوقه، فكانت الحصيلة أن طُهِرَ المسجد الأقصى، لقد حاول الاحتلال أن يُقسمنا ويُشتتنا ولكننا توحدنا، ونسأل الله أن تكون هذه الهبة بداية النصر أو هبة النصر. 

الشيخ البشير عصام المراكشي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياكم الله وبياكم وشكر لكم هذه الجهود الطيبة وأسأل الله عز وجل أن يثمنها وأن يبارك فيها، وفي الحقيقة أنا أستحي أن أتكلم وأنا من القاعدين بحضرة المجاهدين والمرابطين، وقد سبقتني في الكلام الأستاذة الفاضلة هنادي الحلواني وهي من المرابطات المعروفات في البيت المقدس، ذكرت أمورا هي من صميم الواقع الذي يعيشه المرابطون في المسجد الأقصى وهم أناس يبرؤون ذمة الأمة كلها ويقيمون بفرض الكفاية أفضل قيام، هم وجميع أهل فلسطين في غزة وفي الضفة الغربية وفي غيرها من المناطق الفلسطينية.

 فنحن بضاعتنا الكلام وهم بضاعتهم العمل بنصرة المسجد الأقصى وبيت المقدس، ومع ذلك فإننا نرجو فضل الله سبحانه وتعالى ومنه علينا وأن يكتبنا في زمرة من ينصر هذه القضية بما يستطيع، ونحن في الحقيقة ما نستطيع إلا هذا، فنسأل الله عز وجل أن لا يحاسبنا على عجزنا وتقصيرنا. 

لماذا فلسطين بوصلة الأمّة؟ 

فلسطين هي البوصلة لأسبابٍ كثيرة جدا منها:

  • على جهة الخصوص أن هذه القضية قضية تُوحّد المسلمين إلا من شذ، وهذا في تاريخ هذه القضية المعاصر وحتى في تاريخها قديما، لأن هذه المنطقة من بلاد المسلمين تعرضت لأطماع الصليبيين وغيرهم، فكانت دائما تُوحد المسلمين. 

 ونحن نشهد ذلك اليوم، بينما نحن نختلف فيما بيننا معاشر المسلمين في أمور كثيرة، في قضايا أصولية وفروعية، وفي قضايا عقدية ومناهج العمل، فإذا جاءت قضية فلسطين وبيت المقدس والمسجد الأقصى وحدتنا على قلب رجل واحد نلهج بدعاء واحد، ونحاول نصرة هذه القضية بما تيسر لنا ولا يخرج عن هذا الإجماع إلا بعض الذين يشذون مما لا نرى الانشغال بهَمٍ أصلا، فهذه القضية توحد المسلمين للخروج من الحالة المزرية التي هم فيها. 

- كما أنّ هذه القضية تعين على تصحيح عقائد الناس إلى تصحيح التزامهم بالشرع. 

 وهذا كان فعل صلاح الدين الأيوبي فإنه هو وجيله عموما مهدوا لتحرير بيت المقدس بمجموعة من الأمور الداخلة في مجال التصحيح العقائدي والشرعي عموما، ومن قرأ كتاب "هكذا ظهر جيل صلاح الدين" يظهر له هذا التصحيح من أجل تحقيق النصر، بمعنى أريد أن أحقق النصر في قضية إجماعية اتفاقية، وهذه القضية عزيزة على نفوسنا جدا، فينشأ أطفالنا وشبابنا على فكرة أننا إذا أردنا أن نحقق النصر بهذه القضية العزيزة جدا، فإن ذلك يكون بتصحيح التزامنا بالشريعة بتصحيح عقائدنا، فهذا كله يساعد على الإتيان بهذه الأمور الطيبة التي تعين على تصحيح المسار والخروج من الانحرافات. من أجل ذلك كانت هذه القضية معينا للأمة على السير في الاتجاه الصحيح.

-  ثم ثالثا لأن النجاح في هذه القضية والفوز فيها، لا يكون إلا بالنجاح في مجال الإعداد سواء كان إعداد ماديا أو معنويا. 

ونحن الآن متفقون على هذا، نجزم بأن الأمة لا يمكنها أن تحرر المسجد الأقصى إلا إذا تحررت هي من هذه القيود الثقيلة التي تنزل بها إلى الأرض، وتجعلها لا تستطيع أن تحلق لتستعيد مكانتها بين الأمم، فإذا هذا كله داخل معنى ما نسميه الإعداد المادي والمعنوي. 

فنحن نؤمن إذا بالترابط بين الظفر والفوز والنصر من جهة، وبين هذا الإعداد من جهة ثانية، إذا حققنا هذا الإعداد، وهذا الذي نسعى إليه، فإن ذلك سيؤدي ولابد إلى نهضة شاملة في الأمة تتعدى المجال المحصور لفلسطين وبيت المقدس، وتتجاوز ذلك إلى نهضة في الأمة كلها. 

 فلو فرضنا جدلا أنه لا خصوصية لفلسطين فإن هذا الأمر الذي ذكرته يكفي في كون القضية بوصلة توجه الأمة نحو الواجهة الصحيحة، فكيف إذا علمنا أن لفلسطين الخصوصية كلها وذلك من الأوجه المتعددة؟ استيقظ بعض الناس خلال هذه الأيام، منذ أواخر شهر رمضان على واقع المعركة، وعلى كلام بعض الدعاة الذين يقولون أن فلسطين قضية عقدية، وأنا جاءتني استشارات وأسئلة كثيرة تسأل: كيف هي قضية عقدية؟ لأنه في العقد الأخير تقريبا لنقول 10 سنوات إلى 20 سنة وقعت محاولة التدجين للأمة ومحاولة كسر وعيها وتهديمه، بحيث صار العدو يتظاهر كثيرا على أن الشباب الذين سينشأون في هذه الأمة سينشأون على عدم فهم الثوابت وعدم التشبع بها، ومن بين هذه الثوابت قضية فلسطين وقضية المسجد الأقصى.

 قد حاولوا ونجحوا إلى حد ما في كسر وعي الناس بالقضية، بحيث صار بعض الناس من الشباب ومن غيرهم يقولون هو صراع عربي - إسرائيلي، هو صراع فلسطيني- إسرائيلي، هو صراع حول أرض، لا يهمنا هذا الصراع في ذاته نحن بعيدون عن هذا الصراع بيننا وبينه آلاف الكيلومترات لننظر إلى ما هو قريب منا، إلى غير ذلك من الأقوال، التي صارت تنتشر بين شباب الأمة في بعض مناطقها على الأقل. 

 كان لابد أن تقع هذه الأحداث وأن يؤدي الفلسطينيون ضريبة الدم، لكي يراجع شباب الأمة ثوابتهم ويرجع من جديد إلى معرفة الأصول التي قامت عليها هذه القضية والتي تجعل منها قضية عقدية بامتياز وقضية دينية.

 فلسطين ليست قضية شعب يباد فقط، وليست قضية مرتبطة بالعرب في مواجهة الإسرائيليين، وليست قضية سياسية فقط، بل هي قضية عقائدية ودينية، للأسف ضريبة الدم هذه كنا نود ألا تؤدى، ولكن حين نرى تبعات ذلك والآثار العظيمة جدا لهذه الضريبة، فإننا مع ذلك نقول لم يستشهد هؤلاء عبثا، نحن نعرف أن في جميع الأحوال الذين يستشهدون لا يكونوا ذلك عبثا، إنهم بالمقاييس الأخروية هم رابحون وفائزون بإذن الله سبحانه وتعالى، لكن نحن نقول حتى بالمقاييس الدنيوية المادية المحضة أن تلك الدماء الطاهرة الزكية التي سالت في غزة وفي غيرها من بقاع الأرض في فلسطين ساهمت في إعادة الاعتبار لهذا القضية، وإعادة الاعتبار خصوصا لبعدها الديني والعقدي، فما هذه الأشياء التي تجعل القضية دينية مشكلتنا ليست كما ذكرت في أرض معينة احتلها قوم أجانب ونحن نريد إخراجهم، بل القضية مرتبطة بالدرجة الأولى بالمسجد الأقصى وبيت المقدس، فالقضية إسلامية عقدية ولأجل ذلك لا يمكن المساومة فيها. 

 أما الذين يتكلمون اليوم من المطبعين في بلادنا وفي غيرها من البلاد عن حل الدولتين، لب الإشكال هو القدس والأقصى الذي يريدون بناء الهيكل على أنقاضه، فالقضية غير ممكنة وحل الدولتين هذا يصلح لو كان الصراع في بلد لا توجد فيه مقدسات، لكن كلامنا عن بلد فيه مكان مقدس عند المسلمين يسعى هؤلاء إلى أخذه واحتلاله، فالقضية ليست مرتبطة بالمكاسب المادية بل بالعقائد، والعقائد لا مساومة فيها كما لا يخفى.

لماذا المسجد الأقصى؟ 
  • كلامنا هو عن المسجد الأقصى الذي قال الله سبحانه وتعالى فيه: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ)
  • كلامنا عن الأرض المقدسة التي وردت في قول الله سبحانه وتعالى على لسان موسى عليه السلام: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ).
  • كلامنا عن مكان وعن بقعة فيها مضاعفة الأجر في الصلوات.

 كما ورد عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: تذاكرنا عند رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أيهما أفضل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بيت المقدس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: صلاة في مسجدي أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى هو، وليوشكن لأن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث ترى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعا. الحديث رواه الحاكم وصححه بعض أهل العلم. 

وإذا كانت الصلاة في المسجد النبوي بألف صلاة في غيره، فإن الصلاة إذا في المسجد الأقصى تكون بمائتين وخمسين صلاة، وقد ورد حديث مشهور عند الكثيرين أن الصلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة في غيره والحديث فيه ضعف.

  •  أيضا المسجد الأقصى ثبت في السنة أنه لا يدخله الأعور الدجال، وأنه سيظهر على الأرض كلها إلا الحرم وبيت المقدس، والحديث أخرجه الإمام أحمد وغيره.
  • وأيضا من الفضائل العظيمة، أن الدجال يقتل قريبا من هناك ويقتله المسيح عيسى بن مريم عليه وسلم كما في الحديث: يقتل ابن مريم الدجال بباب لد. والحديث عند الإمام مسلم. 

  • وأيضا ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا الحديث أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.

كما قال سبحانه وتعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ)، ولا شك أن هذا الإسراء وما تلاه من المعراج كان معجزة باهرة ربطت في أذهان المسلمين والموحدين وفي قلوبهم وعقولهم بين المسجد الحرام وبيت المقدس والمسجد الأقصى، وهذا الربط ربط عقدي قرآني نبوي شرعي ثابت لا يمكن أن يتغير ولا أن يحرف ولا أن ينقض إلى قيام الساعة.

فمنذ حادثة الإسراء والمعراج صار للمسجد الأقصى مكانته في قلوب المسلمين وفي عقائدهم لا يمكنها أن تتغير ولا أن تنقض. 
-  المسجد الأقصى هو قبلة المسلمين الأولى

 كما في حديث البراء رضي الله عنه أن رسول الله عليه وعلى آله وسلم صلى إلى بيت المقدس بضع ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا والحديث متفق عليه، قبل أن تتحول القبلة إلى المسجد الحرام.

  • المسجد الأقصى مهبط الأنبياء ومهبط الوحي وموطن الأنبياء هذا معلوم.
  • المسجد الأقصى هو من المساجد التي لا تشد الرحال إلا إليها .

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث مساجد المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم والمسجد الأقصى. والحديث في الصحيحين

هذه الفضائل وغيرها ذكرتها في المنظومة التي أخرجتها قبل بضعة أيام والتي اسميتها "التحفة المقدسية" ولعل الله سبحانه وتعالى أن ييسر شرحها وبيان هذه الفضائل، وهناك كثير من الفضائل مثلا حديث ميمونة بنت سعد رضي الله عنها وهي مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها قالت: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: أفتنا يا رسول الله في بيت المقدس، فقال عليه الصلاة والسلام: أرض المحشر والمنشر ائتوه فصلوا فيه.

فقال رجل: يا رسول الله أرأيت أن حيله بيننا وبينه قال: ولو أن ترسلوا إليه زيتا فتوقده في قناديله. وهذا الحديث الذي صححه بعض أهل العلم فيه بشارة عظيمة وفيه توجهة نبويا عظيما جدا يصلح لنا في هذا الزمان. 

إننا فعلا في هذا الزمان قد حيل بيننا وبين المسجد الأقصى، فعلينا أن نسعى إلى أن نساهم ونشارك ولو في أقل شيء، ما مثل النبي به صلى الله عليه وسلم لما يمكن به نصرة المسجد الأقصى: أن ترسلوا له زيتا فتوقده في قناديله. فمن استطاع اليوم بأي وجهة من الوجوه وبأي صورة من الصور أن ينصر المسجد الأقصى بالمال أو بالإعلام أو بالفكر أو بالكتابة أو بنشر الوعي أو بغير ذلك فعليه أن يشارك فيه دون تردد. 

 فهذا بعض اللمحات التي كنت أود أن أذكرها في هذه المداخلة الأولى المتعلقة بالبعد العقدي الديني للقضية التي تسمى القضية الفلسطينية أو قضية القدس، وهو البعد الذي علينا أن لا نغفله أبدا في حديثنا في هذه القضية، وأسأل الله عز وجل لي ولكم العلم النافع والعمل الصالح وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. 

شمس الدين حميود: جزيت خيرا وبارك الله فيك شيخنا الحبيب على المداخلة الأولى في هذه الجلسة الطيبة، أنتقل من المغرب الشقيق إلى غزة، هم قليلون عدة، والفعال جليلة، غزة الإباء والجهاد مع الأستاذ سامر الباز أبو عمر.

غزة هي ارتباطٌ بالعمل قولا وفعلا، في البداية لو أسئلك كيف تصفون صمود الأهالي في ظل بطش الكيان الصهيوني وجنونه في القصف العشوائي؟ وما تأثير العمل المقاوم والإعداد غير المسبوق؟

سامر الباز أبو عمر: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على سيد الأولين والآخرين نبينا محمد وعلى آله وعلى أصحابه ومن اهتدى بهديه وسلم بسنته إلى يوم الدين وبعد.

بالأصالة عن نفسي وعن أهل غزة العزة فإنني أشكر الأخوة والأخوات القائمين على هذا اللقاء والجهات الراعية له وأخص بالذكر مؤسسة عمران وكذلك منتدى كوالالمبور للفكر والحضارة.

 أشكر ضيفنا وشيخنا ودكتورنا الشيخ البشير عصام المراكشي، وأقول له جزاك الله عنا خيرا وأنت بإذن الله لست من القاعدين، على نيتكم الطيبة تأجرون بإذن الله، وعلى دعائكم الصادق تأجرون، وما باليد حيلة. وأذكرك بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال:

"إن بالمدينة لرجالا ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم"

وفي رواية "إلا شاركوكم في الأجر" فجزاك الله عنا خيرا.

وكذلك أشكر أمنا المرابطة المقدسية هنادي الحلواني، وأقول لا تستهيني بأفعالك أنت وأخواتك المقدسيات، نحن هنا غزة وفي كل العالم نتعلم منكم الكثير من الصبر والصمود والعزيمة، مهما تكن في نظرك ونظر أخواتنا أشياء بسيطة جدا، وأشكر الأستاذ شمس على هذا اللقاء الطيب وكذلك الدكتور مراد. 

صمود الشعب الغزي ليس حديثا، هذا الصمود قديم جدا، فقد سطروا للعالم بأسره هذا الصمود العظيم الذي لا مثيل له، خاضت غزة خلال اثني عشر سنة أربعة حروب، أنجزت اليوم إحصائية لآخر أربعة حروب، فكان حصيلة هذه الأربع حروب أربعة آلاف ومائة واثنين وخمسين (4152) شهيدًا، وتسعة عشر ألف وستمائة (19600) جريح، وهُدم بشكل كامل ثمانية عشر ألف (18000) بيت، وهدم بشكل جزئي مائة وستة وتسعين ألف (196000) بيت، فصمود أهلنا في غزة إن دل على شيء يدل على عظمته ومكارمه عند الله عز وجل، لكن هذا الصمود غير الطبيعي، الصمود الذي هو فوق الاستطاعة كما نقول لابد أن له أسباب:

1-السبب الأول: الإيمان بالله تعالى

 نحن في غزة كنا نرضع مع حليب أمهاتنا العقيدة وحب الله تعالى وحب الوطن ومكانة وقداسة المسجد الأقصى، وتربينا على القرآن الكريم، وتعلمنا آيات الجهاد، وتدارسنا في بيوتنا ومساجدنا أحاديث الصبر والشهادة والقتال، والذي يقاتل عن العقيدة دائما هو الأقوى، كل إنسان غزاوي في نفسه الله معنا، ولن يخلي لنا هذه العقيدة التي ترعرعنا عليها وتربينا عليها.

2-السبب الثاني: نحن أصحاب قضية

الصمود الذي كنت تسأل عنه، في هذه الظروف التي تحدث والقصف العشوائي والجنوني، عائلات بالكامل قد مسحت من السجل المدني الفلسطيني، نحن في فلسطين أصحاب قضية، وقضيتنا هذه قضية عادلة لا أحد يستطيع أن يشكك فيها، ونحن أصحاب الحق، وصاحب الحق دائما هو الأقوى.

3-أما السبب الثالث: نحن نشأنا في هذه البيئة وهذه الأجواء

كبرنا بين صوت المدافع والطائرات والقصف، ترعرعنا على حب الجهاد والمجاهدين وكل من يدعم هذه القضية من المسلمين، ومن هنا أوجه رسالة نيابة عن نفسي وعن أهل غزة العظماء إلى كل أحرار العالم، جزاكم الله عنا خيرا رأيناكم في كل العالم عندما خرجتم نصرة لفلسطين ولغزة، إخوتي وأخواتي في كل العالم لا تستهينوا أبدا بأفعالكم، فقد كانت لهذه المسيرات والحشودات والهتافات الأثر الكبير في نفوسنا، وقد زدتم من عزيمتنا وقد رفعتم من همتنا.

أما الشق الثاني من سؤالك، عن تأثير المقاومة والإعداد في هذه المرحلة وتأثيرها على صمود الشعب، لقد كان لها الأثر الكبير في نفوس الشعب والأهالي، فعندما نرى صواريخنا التي صنعت بالدماء ورفعت بالأشلاء وضربت بالدعاء تصل إلى أراضينا المحتلة من شمالها إلى جنوبها من شرقها إلى غربها، يهون علينا كل شيء، مثلا من استشهد أبيه ومن فقد ابنه وفقد بيته وفقد زوجه، عندما يرى هذه الصواريخ والعزة وهذا التطور لا شك أنه يهون عليه كل شيء، كل شيء يهون عليك عندما نرى هذه العزة، كل شيء يهون من أجل الله تعالى ثم من أجل مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

شمس الدين حميود: هل يمكن أن نجعل من معركة سيف القدس الحالية المباركة نقطة تحول في تأسيس الوعي الإسلامي تجاه القضية؟ أيضا كيف ينظر الشارع الغزاوي إلى هذه المعركة بالذات مقارنة مع المعارك السابقة؟

سامر الباز أبو عمر : نعم لا شك هذه المعركة التي تجري والأحداث في القدس نقطة تحول عجيبة ونقطة تحول مباركة بإذن الله تعالى، هذه المرة في غزة وأهلنا في الضفة هبوا جميعا من أجل نداء الله تعالى ومن أجل نصرة المسجد الأقصى والدفاع عن أهلنا في حي الشيخ جراح، فهذه لم يكن لها سابقة منذ زمن طويل أن يجمع أهل غزة والضفة في نفس الوقت وفي نفس المواجهات، فكما ذكرتم اسم اللقاء القدس بوصلة الأمة.

أما عن نظرة الشارع الغزاوي وأهالينا عن هذه المعركة، إنها نظرة استثنائية لا شك أن أهل غزة يرون أن هذه الجولة أو المعركة استثنائية. 

 هذه المعركة هبت من أجل الله تعالى ثم من أجل القدس دفاعا عن أهلنا هناك، ثم إنّ هذه المعركة استثنائية إذ أن كتائبنا المظفرة هي التي حددت بدء المعركة عند الساعة السادسة، وهي التي حددت الوجهة وهي القدس، وهي التي تحكمت في المعركة، عندما أصدر أبو خالد الضيف قائد الأركان مهلة ساعتين لأبناء القردة والخنازير قبل أن يدك معاقلهم. 

 وهذه المعركة استثنائية لأن البوصلة كما ذكرنا واضحة في الداخل وفي الخارج، كل الشعوب وكل الفصائل توحدت من أجل الله ثم من أجل القدس حتى على المستوى الداخلي في غزة كل الفصائل وحتى الشعب من العوام ومن المجاهدين ومن غيرهم على نفس الكلمة.

وأما من جهة أخرى فيرى أكثر أهل غزة بأن هذه المعركة هي بداية التحرير الذي وعدنا به بإذن الله تعالى، وأنا سمعتها من كثير من أبناء شعبنا في الفترة الماضية.

هنادي الحلواني: إن كان عزيز على قلبك مريضًا، أب أو أخ أو أي شخص قريب من قلبك مريضا، أكنت ستنتظر شخصاً ليقول لك ما هو الدواء؟ أكيد أنت ستبادر بالبحث عن هذا الدواء، فكيف إن كان العزيز على قلبنا هو المسجد الأقصى وهو بيت المقدس وهو مسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي وُضع أمانة في أعناقنا؟ 

كنت اليوم مع إحدى المسنات المرابطات في بيت المقدس وهي حاجّة شبه أُمية، فلم تعدم الوسيلة عندما أبعدها الاحتلال عن المسجد الأقصى، فقد ضربها واعتقلها ونكّل بها، ولكنها قامت بتجميع مبلغ صغير من المال وقامت بشراء "توك توك" أسميته "توك توك الحاجّة نفيسة" ينْقل المُرابطين والمُرابطات من المسجد الأقصى إلى بيوتهم، وتقول لي بأنها ستأخذ أجر الرباط عن كل شخص تُدخله إلى المسجد الأقصى، حتى على أبسط مثال وجبات الطعام الذي كنا نطبخه في شهر رمضان المبارك، كانت تنقله من بيتي إلى أبواب المسجد الأقصى وهي ترى في ذلك أنه قد يكون وسيلة للرباط وأن هذا العمل الذي تقوم به يسبقها أو يدخل إلى المسجد الأقصى.

وأنتم أهلنا في خارج فلسطين وفي كل مكان في العالم، عندما سألت ميمونة مولاة رسول الله عن بيت المقدس كيف يُمكن لها أن تخدم بيت المقدس وهي لا تُطيق ولن تُطيق أن تصل إليه فأخبرها الرسول عليه الصلاة والسلام أن تبعث بزيتٍ يُسرج في قناديله، وهذا الزيت قد يكون زيتاً مادياً كالمال وقد يكون زيتاً معرفياً وقد يكون معنوياً، هناك الكثير من الطرق والوسائل.

 وأيضا كما قال الأخ سامر من غزة، الوقفات والمسيرات والتظاهرات إنها والله توصل إلينا رسائلًا عظيمة جداً، فلا تستهينوا بها، إنها توصل الرسائل للمحتل الذي يراقبها ويترقبها، ويخاف ويقلق منها لِأنه يعلم حقاً أن القدس ليست للمقدسيين، وفلسطين ليست لمن يعيش بمدينة القدس، إن أبنائها في كل مكان في العالم هبوا لنصرتها، وأيضا تعطي الرسائل بأننا لسنا وحدنا في مدينة القدس، وأن الاحتلال لن يستفرد بنا، كما يظن أنه قد قسمنا وشرذمنا وقام بتقسيم فلسطين إلى غزة والضفة، وإلى داخل فلسطين وإلى أهل القدس، فلا يستطيع أهل غزة الخروج وهم في حصار مستمر وهم في قصف مستمر، ولا يستطيع أهلنا في الضفة الغربية من الدخول إلى مدينة القدس، وما إلى ذلك.

بل إننا وحدة واحدة، وإن القدس ليست مسؤولية المقدسي الذي يعيش فيها، وإنما مسئولية كل واحد منا يجب أن يبدع بكل طريقة ووسيلة، ولا يستهين بأي وسيلة يخدم بها المسجد الأقصى حتى وإن كانت شعر، أو حتى وان كان منشوراً ينشره على وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي، أو أي شيء يُمكن أن يخدم به هذه القضية، فوالله إنّها خطوات إلى التحرير. 

 وقد سهل لنا أهلنا في غزة الطريق وفتحوا لنا أبواب النصر القريب، فجزاهم الله عنا كل خير، نسأل الله أن نكون وإياكم ممن يكتب لنا سهماً في تحرير بيت المقدس، ونشهد هذا النصر قريبا بإذن الله بأم أعيننا.

شمس الدين حميود: حياك الله أختنا هنادي وشكراً لك على هذه المشاركة وهذه الإضاءة التي جعلتنا في قلب الأحداث التي جرت وتجري في بيت المقدس، بارك الله فيك وجُزيتِ خيراً أنتِ وجميع المرابطات الصابرات المجاهدات وجعلنا الله ممن يقومون بما ينفعكم ويُعينكم على أداء هذا الواجب.