منذ البعثة إلى معركة بدر التي حدثت بعد عامين تقريبا من الهجرة لم يأذن الله للمسلمين بالقتال، هذه الفترة الطويلة مقدارها خمسة عشر عاما، يتخللها حدثان مهمان أحدهما الهجرة النبوية وهي حسب الإجمال بعد ثلاثة عشر عاما وشهرين من البعثة النبوية، والثانية هي الإسراء والمعراج قبل الهجرة بثلاثة أعوام (حسب الإجماع) أي في السنة العاشرة للبعثة النبوية.

وقد قيل إن السبب هو ضعف المسلمين آنذاك (أي لأن المسلمين كانوا ضعفاء وقليلي العدد فلم يسمح الرسول لهم بالقتال كقرار قيادي استراتيجي).  

ليس من الخطأ القول إنه قرار قيادي بسبب ضعف وقلة العدد، لكن السبب الرئيسي ليس الضعف والقلة، وذلك بدليل أنه كان هناك صحابة أقوياء ومحميون من عشائرهم أمثال أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- وقد تعرض للضرب رغم أن عشيرته تستطيع أن تمنعه وقتها بل أيضا يستطيعون أن يثأروا له، وقد كاد أن يحدث ذلك لو أن أبا بكر منعهم. وأيضا عمر ابن الخطاب -رضي الله عنه- بعد إسلامه كان يستطيع أن يقاتل وقد كاد أن يحدث ذلك عندما هاجر وهدّد من يمنعه بقتله (وقد كانوا حينها يهاجرون أي أنهم مستضعفون)، وأيضا حمزة -رضي الله عنه- عندما حاصر الكفار بني هاشم في الشعب كان يستطيع أن يقاتلهم أو أن يهددهم على الأقل، وكان هناك صحابة كثر أقوياء يستطيعون القتال لو استدعى الأمر ذلك.

ولكن الأمر ليس فقط قرارا قياديا استراتيجيا من قبل رسول الله عليه الصلاة والسلام، بل كان في الأساس سببه حين قال (لم يأذن لي ربي بالقتال)، إذن لما لم يأذن الله للمسلمين بقتال الكفار قبل بدر؟ حيث أن الأمر كان بمقدور بعض الصحابة فعله حيث كانوا على أتم الاستعداد لقتال الكفار..

لأن الأمر له بعد أعمق من موضوع الاستضعاف والقلّة، وكأن الله يقول لهم لن تقاتلوا الكفار انتقاما لأنفسكم لأنهم ينكلون بكم ويعذبونكم ويتعرضون لكم بما تكرهون، ولكن قتال الكفار سيكون فقط في سبيل الله وإعلاءً للحق وكلمة التوحيد ستقاتلون الكفار عندما يأمر الله عزّ وجل بذلك، أي أنكم ستنتهون عن القتال لأجل الله وطاعته ورسوله وستقاتلون الكفار لأجل الله وطاعته ورسوله فقط.  

ولكن حتى تستقيم أنفسهم وإرادتهم على أمر الله تركوا أموالهم وأهلهم، حيث ترك أبو بكر وغيره من الصحابة أهلهم وهاجروا وأنفسهم (استشهد الصحابي ياسر والصحابية سمية -رضي الله عنهما- وضحوا بأنفسهم طاعة لله) وبذلك يتخلص المسلمون من أي سبب أو دافع للدفاع أو القتال غير سبب طاعة الله ورسوله وإعلاء كلمة التوحيد.

ولذلك بعد عامين من الهجرة حدثت معركة بدر، ألم يكن الصحابة قبل ذلك قد نظموا أنفسهم واستعدوا للقتال وأصبحوا عددا كثيرا مع أهل المدينة المسلمين؟ لكن لم يؤذن الله إلا في غزوة بدر بعد عامين عندما قال الله تعالى: "أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ" (سورة الحج -39-)، فلننظر إلى كلمة ((أذن)) فعلا أذن لهم الآن ولم يؤذن لهم من قبل ذلك بالقتال، فعندما أذن الله لهم لحكمته سبحانه عندها سيقاتل المسلمون فقط لأن الله أمرهم وقد كان الإيذان بالقتال انتقام الله لهم لأنهم ظلموا، بعد حوالي 15 سنة من البلاء والمشقة والمكابدة، نعم، إنها إرادة الله حتى يكون الأمر خالصا لوجهه عز وجل.

 

وهذا والله أعلم.