عنوان الكتاب: ”مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور“.

الكاتب: مصطفى حجازي.

عدد الصفحات: 257 صفحة.

التصنيف: يُصَّنَف الكتاب ضمن قسم علم النفس الاجتماعي، وهو عبارة عن دراسة اجتماعية.

مؤلف الكتاب هو مصطفى حجازي مفكر وعالم نفس لبناني وحاصل على دكتوراه في علم النفس من جامعة أوكسفورد. من أهم مؤلفاته: ”الفحص النفسي“ (1993)، ”حصار الثقافة: بين القنوات الفضائية والدعوة الأصولية“ (1998).

 

إن القارئ لهذا الكتاب يتبادر إلى عقله الكثير من الأسئلة فتحاول أن تعرف: 

ما هو التخلف الإجتماعي؟ وما هي العلاقة الموجودة بين التخلف وسيكولوجية الإنسان؟ وهل الإنسان المتخلف يكون مقهوراً بالضرورة؟

 

ينقسم الكتاب إلى جزئين:

الأول بعنوان: ”الملامح النفسية للوجود المتخلف“، وفيه أربعة فصول، هي كالآتي:

 

الفصل الأول: ”تحديد وتعريف“

ويتحدث فيه الكاتب عن مختلف النظريات والتوجهات التي تم عُرّف التخلف من خلالها، مثل دراسة مفهوم التخلف من وجهة نظر اقتصادية واجتماعية ونفسية… 

"الذهن المتخلف يعاني من قصور الفكر النقدي، إنه متحيز بشكل تلقائي نظرا لتدخل العوامل الانفعالية والعاطفية في أولوية التفكير. وهو قطعي في تحيزه، فإما أن يكون مع أو ضد أمر ما. ويبدو قصور الفكر النقدي بالتالي من خلال العجز عن الجمع في سياق واحد بين الأوجه الموجبة والأوجه السالبة لمسألة ما، بين المميزات والعيوب.

فقط هذا الجمع يسمح بتلطيف الأحكام، وزيادة قدرتها التمييزية، وبالتالي زيادة فعاليتها من خلال التقدير الفعلي لوزن ومدى الأوجه المختلفة للظاهرة".

 

أما الفصل الثاني: ”الخصائص النفسية للتخلف“ 

لخص فيه الكاتب مختلف التصرفات والعقد النفسية الناتجة عن التخلف، (أي الحديث عن سيكولوجية الإنسان المتخلف).

"إن الميل إلى الكسل والخمول الذي يشيع في أوساط الفئات الأكثر بؤساً وتأخراً في المجتمع المتخلف، يشكل عقبة أداء أمام مشاريع التنمية والتطوير الذاتي، فالقناعة راسخة عند هذه الفئات، بأن لا جدوى من الجهد الذي لا يمكن أن يعود خيره عليها، كما علمتها تجاربها خلال تاريخها الطويل من الاستغلال".

أما الفصل الثالث الذي يحمل عنوان: ”العقلية المتخلفة“

فيه تفسير الخصائص الذهنية للتخلف وقد قسمها إلى ثلاث مراحل، الأولى مرحلة ”القهر والرضوخ“ ويعاني فيها الإنسان من القهر وعقدة النقص وعقدة العار والمرحلة الثانية بعنوان: ”الرضوخ“ أما الثالثة فهي بعنوان: ”التمرد والمجابهة“.

"إن الإنسان المقهور في المجتمع المتخلف يحس بالغربة في بلده، ويحس بأنه لا يملك شيئًا، حتى المرافق العامة يحس بأنها ملك للسلطة، وليست مسألة تسهيلات حياتية له. ذلك أن الهوة كبيرة جدا بينه وبينها، وأن ما يستحقه من خدمات وتقديرات تُقدم له (إذا قدمت) كمنّة أو كفضل لا كواجب مستحق له، فعندما يخرب المرافق العامة فهو يعبر عن عدوانيته تجاه المتسلط".

 

القسم الثاني من الكتاب يتحدث فيه الكاتب عن الأساليب الدفاعية، ومختلف الآليات التي يعتمدها الإنسان المتخلف -حسب تعبير الكاتب- للدفاع عن نفسه داخل المجتمع، وقد قسم المؤلف هذا الفصل إلى خمسة أجزاء تتضمن شرحاً معمقاً لمختلف الأساليب مثل: ”الانكفاء على الذات“، ”التماهي بالمتسلط“، ”العنف“…

 

أما الفصل الأخير؛

فقد تناول فيه الكاتب تصوره لوضعية المرأة في المجتمعات المتخلفة، وبالأخص في الأوساط الكادحة: "وضعية المرأة في مجتمع ما تُلَخّص الصراعات الأساسية والمآزق الأساسية لهذا المجتمع".

 

في علاقة التخلف بالرأسمالية وأثره على التغيير الاجتماعي

عند قراءة الكتاب يمكنك الانتباه إلى مجموعة أفكار مهمة؛ فالكاتب تحدث في المقدمة عن ظاهرة التخلف وعلاقتها بالدول المستقلة حديثا ويجادل حول هذه المشكلة العميقة والمتغلغلة في أعماق الإنسان، وفي نفسيته والتي تجعل من عملية التغيير الاجتماعي التي طالما طمح إلى تحقيقها صناع القرار صعبة جداً، ويركز الكاتب في هذه الدراسة على تفسير التخلف في الدول النامية، حيث عَرَّف التخلف من الناحية الاقتصادية على أنه جزءٌ من آلة النظام الرأسمالي العالمي، أي أن ثمة توزيعاً دولياً للعمل لمصلحة الرأسمالية العالمية وهذا ما أدى إلى خلق مشكلة التخلف، وهذه المصلحة التي تهدف لها الدول الرأسمالية الكبيرة هي التي جعلت الدول النامية تراوح أماكنها دون أن تحقق التقدم المنشود.

 

لقد حدد الكاتب جملة من أسباب التخلف الاجتماعي؛ مثل: 

الانفجار السكاني، وتفشي الأمية، وانخفاض المستوى الثقافي، وتعاظم مشاكل الصحة التي تجعل الدولة تخرج من هامش الإنتاج إلى هامش الطفيلية والبطالة المقنّعة، مما يؤدي إلى زيادة في عدد الموظفين في مناصب لا تحتاج لهذا العدد، وينتج عن هذا الوضع ضياع مفهوم العمل أساسا، ولعل هذه الفكرة من أهم الأفكار، حيث أن ضياع مفهوم العمل وضياع قيمة العمل المعنوية جعلت الفرد ببساطة موظفا جامدا وغير فعال واستغلاليا أكثر من أن يكون منتجا.

ومن الأفكار المهمة التي يطرحها الكاتب سيطرة التقاليد كبديل للقانون فينتج لنا مجتمع يرفض التغيير لأن لديه نظرة رضوخ لتأثير اللامرئيات حيث يصبح المجتمع اتّكاليا ومبنيا على ثنائية التسلط والرضوخ، هذه الثنائية المسيطرة على كل مناحي الحياة من الأسرة وحتى الممارسات السياسية، حيث نجد طرفاً متسلطاً مهيمناً، وطرفاً راضخاً وضعيفاً.

 

ومن أسباب التخلف الأخرى أيضاً: 

تضخم قطاع الخدمات على حساب قطاع الإنتاج في الدول النامية، حيث أصبحت الصناعة تقتصر على المواد الاستهلاكية التي لا تزيد من الثروة القومية، مما أدى إلى طغيان القطاع التجاري على القطاع الصناعي، وانصبّ اهتمام التجار على توظيف أموالهم في قطاع البناء على حساب التصنيع وهذا ما يعطي انطباعاً زائفاً عن التقدم.

إن أهم ما يمكن استنتاجه من هذا الكتاب هو أن التخلف ظاهرة كليّة، وعلاجها يجب أن يكون شمولياً؛ لأن أشد نقاط المقاومة استعصاءً على التغيير هي البنية النفسية التي يفرزها التخلف، أي أنّ الآثار النفسية العميقة التي يتركها التخلف في نفسية الإنسان تعدّ من الأسباب الرئيسية لتخلف المجتمعات عموماً، حيث يقاوم الأفراد بطريقة لا واعية دون قصد كل المحاولات الإصلاحية نتيجة وجود خلل في البنية النفسية ليكون ذلك عائقاً أمام أي تحول اجتماعي أو سياسي.