شكلت ثورة تكنولوجيا الاتصال والإعلام، والثورات المعرفية والتقنية، انطلاقة واسعة النطاق في مجالات الحياة كافة، خاصة في مجال المهارات والخبرات وتعزيز مفهوم التدريب المستمر، سمحت لهذه الثورات المعرفية والتكنولوجية غزو جميع الفئات العمرية ولا سيما تلك التي تحظى بتدريب مهاراتها بشكل دائم ومستمر، حيث تسعى العديد من الدول خاصة المتقدمة لإدخال برامج تدريبية لتطوير مهارات الأفراد الذين يتمتعون بروح حب التجدد والابداع والابتكار وخبراتهم، خاصة في قطاع التعليم بمختلف أطواره، وخاصة بعد تفشي جائحة  Covid_19 التي اجتاحت أنحاء المعمورة، لذا حاولت هذه الدول كالولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، الصين وغيرها من الدول وضع خطط استراتيجية ابتكارية تهتم بتطوير المهارات التدريبية خاصة فئة المتعلمين على اعتبار أن التعليم أحد الركائز الأساسية لتطوير أي أمة مهما كانت تشهد تخلفا. وكوريا الجنوبية كغيرها من الدول حاولت جاهدة الاهتمام بمجال مهارات التدريب من خلال وضع رؤية استراتيجية بعيدة المدى تسمح لها بتطوير مهارات المتعلمين وسعيها جاهدة لتطبيق هذه الاستراتيجيات لكي تحقق نقلة نوعية في البنية التحتية والانفتاح على مجالات أخرى تسمح لها بالتقدم أكثر نحو عالم الاختراع و الابتكار.


لذا سنحاول من خلال هذا البحث التطرق إلى أهم العوامل التي ساعدت كوريا الجنوبية في الاهتمام بمهارات التدريب خاصة في قطاع التعليم، وكيف استطاع هذا البلد التكيف مع جائحة Covid_19 خاصة بعد فرض بروتوكالات صحية لتفاد انتشار هذا الوباء الخطير.


تحديد المفاهيم:
 المهارة:

-  يشير مفهوم المهارة إلى القدرات التي يتمتع بها الإنسان التي تدفعه إلى القيام بمهمة معينة بشكل أفضل وفي الوقت المطلوب. (شيرين عبد السلام، 2020)
- المهارة هي التمكن من إنجاز مهمة بكيفية محددة وبدقة متناهية وسرعة في التنفيذ. (المركز الكشفي العربي، 2017). 
التدريب: 
-  التدريب هو عملية مخططة تهدف إلى تعديل إيجابي في مهارات الأفراد ومعارفهم وخبراتهم بما يساهم في تنمية قدراتهم و تحسين أدائهم، وضمان تحقيق أهداف المؤسسة. (معمري حسينة، 2019، ص03).
-  التدريب هو الجهد المخطط والمنظم والمستمر والهادف إلى إحداث تغيير في سلوكيات الموارد البشرية في المنظمة وأدائها عن طريق إكسابهم المهارات والمعارف والقدرات والاتجاهات التي تقود إلى رفع مستوى فعالية الأداء الفردي والتنظيمي وكفاءته بما ينسجم مع معايير الأداء العصرية. (عصام حيدر، 2020، ص 02).
المفهوم الإجرائي لمهارة التدريب: 
يمكن تعريف مهارة التدريب على أنها مجموعة من المعارف والمعلومات يحاول الفرد تنميتها وتطوريها لجعلها مهارة من خلال التدريب المستمر تماشيا مع معايير واستراتيجيات معاصرة بهدف تحقيق فعالية في الأداء.
مهارات التدريب في نظام التعليم الكوري: 
تعد كوريا الجنوبية من الدول الرائدة في التعليم والتدريب المهني، حيث ساهم هذان الأخران في انتقالها من دولة تعتمد على الزراعة إلى دولة صناعية قوية، وهذا أحدث نقلة نوعية من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، وهذا راجع بالدرجة الأولى إلى التعليم الذي ساعد على تغيير البنية التحتية للبحث العلمي وتحسينه وتطويره على أن التعليم له دور مهم في تحقيق التنمية والسير في ركب الرقي الحضاري، وكذلك الاستثمار في العنصر البشري باعتباره هو المحدِث للعملية التنموية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وحتى السياسية، لذا يعد النموذج الكوري للتعليم والتدريب المهني من النماذج الناجحة والممتازة مقارنة بالنماذج الأخرى.
في عام 2016، انفقت البلاد 5,4% من ناتجها المحلي الإجمالي على جميع مستويات التعليم، ما يقرب من 0,4 نقطة مئوية فوق متوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. (منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية)، هذا إن دّل على شيء فإنه يدل على أن كوريا الجنوبية التي تعمل على تحسين مستوى التعليم والاهتمام بطلابها بهدف الاستفادة من خبراتهم ومؤهلاتهم لإدخالهم في المجال الاقتصادي والتنمية المحلية، وهذا يؤدي في نهاية المطاف إلى ضّم هذه الفئة للعمل في الحقل الاقتصادي لتحقيق التنمية المحلية وفي نفس الوقت انخفاض نسبة البطالة والآفات الاجتماعية.
أدى الأداء الأكاديمي التي تحسد عليه كوريا الجنوبية إلى جعل وزراء التعليم البريطانيين يعيدون تصميم مناهجهم وامتحاناتهم بنشاط لمحاولة محاكاة دافع كوريا الجنوبية المتشدد وشغفها بالتميز والإنجاز التعليمي العالي. (أب رينا تشاكرا بارتي، 2016).
حيث أدى معدل الالتحاق بالجامعة المرتفع في البلاد إلى خلق قوة عاملة ذات مهارات عالية مما جعل كوريا الجنوبية من بين أكثر الدول تعليما في العالم مع واحدة من أعلى نسبة من مواطنيها الحاصلين على شهادة التعليم العالي. (منظمة التعاون الاقتصادي).
تعتمد كوريا الجنوبية على عدة محاور استراتيجية لتحسين نظام التعليم من خلال "بناء المهارات الأساسية" وغرس قيم الانتماء والإبداع وتعزيز القدرات الأساسية. فعلى سبيل المثال تعتمد مرحلة رياض الأطفال على تربية الأطفال وبناء أجسامهم وتنمية لغتهم وذكائهم وغرس قيم التكيف الاجتماعي في نفوسهم وسلوكهم، بالإضافة إلى مختلف النشاطات والمقررات كالتربية من أجل الأمانة، التربية من أجل حياة ذات معنى، التربية من أجل التمتع بالحياة، الأنشطة الحربية، إلى جانب تعليم اللغة والحسابات والدراسات الاجتماعية، كل هذه النشاطات تؤدي إلى آثار إيجابية بعيدة المدى تتمثل في امتلاك الطلاب للمعلومات والمهارات والمعارف الأساسية. (عبير محمد علي عبد الخالق، 2016، ص 219).
ومنه فإن السياسات التي اتبعتها كوريا الجنوبية تساهم في تحقيق الميزة التنافسية خاصة في مجالي الصناعة والإنتاج، خاصة وأن كوريا الجنوبية تقوم بالحرص على تبادل الخبرات والمهارات بين كل من المؤسسات التعليمية التربوية وسوق العمل.
كذلك الاعتماد على برامج لتدريب المعلمين في مجال الإرشاد والصحة العقلية والتوجيه والإرشاد الطلابي، وتتضمن هذه البرامج مقررات تتعلق بسيكولوجية السلوك الإنساني، أسس التوجيه والإرشاد، علم النفس النمو، بهدف مساعدة الطلاب على حسن التكيف وحل مشكلاتهم بما يكفل الاستفادة القصوى من مواهبهم وقدراتهم. (عبير محمد علي عبد الخالق، 2016، ص220).
كما أنها ركزت على استراتيجيات التعليم العالي من خلال "تطوير المقررات الدراسية في مجال العلوم والرياضيات والتدريب والهندسة"، لتشتمل بشكل أساسي على المهارات التقيمية والمهنية اللازمة لملاحظة التطورات السريعة في مجال التنمية الصناعية والتكنولوجية واللحاق بركب اقتصادات المعرفة. (عبير محمد علي عبد الخالق، 2016، ص 220).
مهارة التدريب الكوري وشبح الوباء Covid_19: 
إن ظهور وباء فيروس كورونا لأول مرة في مدينة "وهان" الصينية خلال شهر ديسمبر 2019 وانتشاره بشكل سريع بين الناس، جعل منظمة الصحة العالمية تعلن حالة طوارئ صحية بتاريخ 30 جانفي 2020 بسبب التفشي السريع لهذا الوباء في أكثر من بلد، كما أنها صنفته بأنه مرض معدّ وذلك بتاريخ 11 مارس 2020، ليجتاح جل بلدان العالم. هذا ما خلّف آثارا اجتماعية، اقتصادية، ونفسية وصحية على البشر وعلى أصحاب الشركات وخاصة المؤسسات التعليمية في الأطوار الثلاث وحتى الجامعات بسبب فرض حجر صحي على مختلف القطاعات التي تشهد اكتظاظ فيها، لذا طبقت العديد من الدول بروتوكولات صحية وتعديل ساعات العمل والأجر بهدف التأقلم والتكيف مع هذه الجائحة الخطيرة.
ففي المؤسسات التعليمية فرضت بعض الدول التعليم عن بعد بطريقة سلسة نسبيا، وكوريا الجنوبية كغيرها من الدول حاولت "طبيق عملية التعليم عن بُعد أن أجبرت جائحة Covid_19 جميع المدارس والجامعات تقريبا للتحول إلى التعليم عن بعد وذلك بفضل امتلاكها لواحدة من أفضل البنى التحتية لتكنولوجيا المعلومات في العالم. فقد حققت الدولة قبل الوباء 99% من تقنية الجيل 4G، في حين كان الجيل الخامس 5G قيد التنفيذ، علاوة على امتلاك حوالي 75% من الأسر لأجهزة كمبيوتر، واتصال نسبة 99،5% منهم بالإنترنت. (المنتدى الاقتصادي العالمي، 2020).
بالإضافة إلى إعطاء أولوية للتعليم، مما سهّل تطبيق التعليم عن بعد وقبول واسع النطاق له من الطلاب والمعلمين، وقد بذلت كل الجهود لضمان استمرار عملية التعليم في هذه الأوقات الصعبة، حيث تم توسيع البنية التحتية العامة من خلال زيادة قدرة منصات التعلم الإلكتروني لدعم ملايين الطلاب. علاوة على مساعدة المعلمين في بناء قدراتهم التدريبية من خلال تزويديهم بالبرامج الإرشادية والتعليمية بن الأقران، مثل "مجتمع ال10000 ممثل من المعلمين"، الذي يشجعهم على مشاركة أفكارهم ومعلوماتهم حول التعليم عن بعد. 
كما تم تقديم دعم فوري للمعلمين وأولياء الأمور والطلاب لاستخدام منصات التعليم عبر الإنترنت، وتم التعاون أيضا مع القطاع الخاص لحل الفجوة الرقمية، وتوفير أجهزة قابلة للتأجير دون تكلفة لآلاف الطلاب غير القادرين بالفصول الدراسية عبر الإنترنت. (المنتدى الاقتصادي العالمي، 2020).