اللامركزیة ھي النظام الذي یقوم على أساس تفتیت وتوزیع سلطات الوظیفة الإداریة في الدولة بین الإدارة المركزیة من جھة، وبین ھیئات ووحدات إداریة أخرى مستقلة ومتخصصة على أساس إقلیمي جغرافي من ناحیة أخرى، مع وجود رقابة وصائیة إداریة على ھذه الوحدات والھیئات اللامركزیة، ومن بین ھذه الوحدات اللامركزیة ومن أبرز صورھا وأشدھا تطبیقا البلدیة.
عرف القانون البلدیة سنة 1967 بأنھا: ''البلدیة ھي الجماعة الإقلیمیة السیاسیة والإداریة والاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة الأساسیة''، وعرفھا المشرع بموجب المادة الأولى من القانون رقم 90-08 المؤرخ في 17 أفریل 1990 المتعلق بقانون البلدیة: "البلدیة ھي الجماعة الإقلیمیة الأساسیة تتمتع بالشخصیة المعنویة والاستقلال المالي". وعرفتھا المادة الأولى من قانون 10-11 لسنة 2011 بأنھا: ''الجماعة الإقلیمیة القاعدیة للدولة وتتمتع بالشخصیة المعنویة والذمة المالیة المستقلة، وتحدث بموجب القانون''.
وتعتبر التنمیة من المھام الأساسیة للبلدیة كونھا تقوم بتلبیة الاحتیاجات الأساسیة للمواطن المحلي والاستجابة لمتطلباتھا، إضافة إلى أنھا تساھم في تطویر الجوانب الاقتصادیة والاجتماعیة والتي تظھر أساساً من خلال تحقیق التنمیة المحلیة ما یجعل البلدیة تتحمل مسؤولیة أكبر من الصلاحیات المفوضة لھا في تلبیة حاجات سكانھا من التنمیة.
لذا نتساءل عن كیفیة مساھمة البلدیة في عملیة التنمیة المحلیة؟ وما ھي أھم معوقاتھا في ظلال صلاحیات المحدودة؟
1-صلاحیات ومھام البلدیة:
تمارس البلدیة صلاحیاتھا في كل مجالات الاختصاص المخولة لھا بموجب القانون،وتساھم مع الدولة بصفة خاصة في إدارة وتھیئة الإقلیم والتنمیة الاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة والأمن وكذا الحفاظ على الإطار المعیشي للمواطنین وتحسینه، فبمُوجب المادة 15 من قانون البلدیة 10-11 لسنة 2011 تتوفر البلدیة على:
ھیئة مداولة: المجلس الشعبي البلدي.
ھیئة تنفیذیة: یرأسھا رئیس المجلس الشعبي البلدي.
إدارة: ینشطھا الأمین العام للبلدیة تحت سلطة رئیس المجلس الشعبي البلدي.
أ- صلاحیات المجلس الشعبي البلدي:
یعرف المجلس الشعبي البلدي أنه ھیئة منتخبة وجھاز للمداولة والجھاز الأساسي للبلدیة، حیث جعل منه دستور 1996 المعدل الإطار القانوني الذي یعبر فیه الشعب عن إرادته وقاعدة اللامركزیة ومكان مشاركة المواطنین في تسییر الشؤون العمومیة، ویتمثل الإطار القانوني للمجلس الشعبي البلدي في القانون رقم 11-10 المتعلق بالبلدیة لاسیما الفصل الأول من الباب الثاني من المواد 15إلى غایة المادة 61 منه الذي نظم كیفیة عمل المجلس ولجانه ووضعیة المنتخب فیه ونظام مداولاته.
تتمثل اختصاصات المجلس الشعبي البلدي في المصادقة على المیزانیة التي یتم إعدادھا من طرف الجھاز التنفیذي للبلدیة وتشمل المیزانیة الأولیة والمیزانیة الإضافیة، ویشرف المجلس الشعبي البلدي على إدارة الأعمال الإداریة المتعلقة بأملاك البلدیة.
التخطیط والتنظیم: وذلك بإعداد المخططات الھندسیة التي تنظم الشوارع والمباني والطرقات وتنظیم تلك المباني بالشكل الذي یضفي جمالیة علیھا، والأسواق والساحات العامة والحدائق والمنتزھات البلدیة.
القیام بأعمال الرقابة والإشراف: على المحلات التجاریة والنوادي والمقاھي والفنادق وجمیعالمنشآت التي تقع ضمن حدودھا الجغرافیة وذلك لضمان أدائھا الدور المحدد لھا قانونا والذي أنشئت من أجله.
تقدیم الخدمات العامة: حیث یكلف المجلس البلدي بتوفیر الخدمات الأساسیة مثل إیصال الكھرباءوالماء وقنوات الصرف الصحي وصیانة المدارس وتھیئة المقابر.
- القیام بحملات التنظیف والإشراف على الحدائق والغابات.
- قبول الھبات والتبرعات وإعادة الحقوق لأصحابھا وإقرار الصفقات الخاصة بالبلدیة.
- مساعدة الحمایة المدنیة بجمیع الوسائل المساعدة لھا على مزاولة نشاطھا.
ومن بین الاختصاصات التي یقوم بھا المجلس الشعبي البلدي النشاطات التي تحمل الصبغة الاقتصادیة والاجتماعیة، مثل إمكانیة إقامة المشاریع الضروریة خاصة في المجال الصناعيوالتجاري، وقد خصص لھا قانون البلدیة 90-08 المادة 135 التي تنص على "أن المجلس الشعبي البلدي یعد ضمن حدود ثرواته والوسائل الموجودة تحت تصرفه برنامجه للتجھیز المحلي ویضع تصورا، یحدد وفقا لخطة التنمیة الوطنیة الأعمال الاقتصادیة القادرة على تأمین التطور البلدي لسبیل تحقیقھا".
یتأثر مدى اتساع الصلاحیات والاختصاصات الموكلة للھیئات المحلیة وخاصة البلدیة بالمعطیات السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة السائدة بالدولة وإن الصلاحیات الموكلة للمجلس لا تعد في معظمھا التزامات واجبة التنفیذ، فالبلدیة تتولى القیام بھا حسب إمكانیاتھا الذاتیة أو ما تتحصل علیه من مساعدات تقدمھا لھا المصالح التقنیة للدولة.
ب - صلاحیات رئیس البلدیة:
یتمتع رئیس المجلس الشعبي البلدي بالازدواجیة في الاختصاص حیث یمثل البلدیة تارة ویمثل ویعمل لحساب الدولة تارة أخرى.
بصفته ممثلا للبلدیة:
- یمثل رئیس المجلس الشعبي البلدي البلدیة في جمیع المراسم التشریفیة والتظاھرات الرسمیة، وینبغي علیه المشاركة فیھا حسب التزاماته المحددة في القانون، ویمثل رئیس المجلس الشعبي البلدي البلدیة في كل أعمال الحیاة المدنیة والإداریة كما تشیر إلیه المادتین 77 و78 من قانون البلدیة.
- یرأس المجلس الشعبي البلدي وبھذه الصفة: یستدعیه ویعرض علیه المسائل الخاضعة لاختصاصه ویعد مشروع جدول أعمال الدورات ویترأسھا، كما یسھر رئیس المجلس الشعبي البلدي على تنفیذ مداولات المجلس الشعبي البلدي ویطلعه على ذلك.
- بصفته الآمر بالصرف ینفذ رئیس المجلس الشعبي البلدي میزانیة البلدیة.
- یقوم رئیس المجلس الشعبي البلدي وتحت رقابة المجلس الشعبي البلدي باسم البلدیة بجمیع التصرفات الخاصة بالمحافظة على الأملاك والحقوق المكونة لممتلكات البلدیة وإدارتھا.
- یسھر رئیس المجلس الشعبي البلدي على وضع المصالح والمؤسسات العمومیة البلدیة وحسن سیرھا.
بصفته ممثلا للدولة:
- بھذه الصفة یمثل رئیس المجلس الشعبي البلدي الدولة على مستوى البلدي، ویكلف بالسھر على احترام وتطبیق التشریع والتنظیم المعمول بھما.
- ضابط الحالة المدنیة: وبھذه الصفة یقوم بجمیع العقود المتعلقة بالحالة المدنیة أو تفویض إمضائه للمندوبین البلدیین والمندوبین الخاصین وإلى كل موظف بلدي طبقا للتشریع الساري المفعول تحت رقابة النائب العام المختص إقلیمیا.
- یتخذ كل الاحتیاطات الضروریة وكل التدابیر الوقائیة لضمان سلامة وحمایة الأشخاص والممتلكات في الأماكن العمومیة التي یمكن أن تحدث فیھا أیة كارثة أو حادث، كما یأمر بتفعیل المخطط البلدي لتنظیم الإسعافات في حالة الكوارث ویمكنه تسخیر الأشخاص والممتلكات طبقا للتشریع المعمول به.
- ضابط الشرطة القضائیة: یتمتع الرئیس بصفة ضابط الشرطة القضائیة طبقا للمادة 15 من قانونالإجراءات الجزائیة وذلك تحت سلطة النیابة العامة، في إطار تمثیله الدولة، وباعتباره سلطة من سلطات الشرطة أو الضبط الإداري یمكن لرئیس البلدیة عند الاقتضاء تسخیر قوات الشرطة أوالدرك الوطني المختصة إقلیمیا.
- احترام حقوق وحریات المواطنین كما تشیر إلیه المادة 94 من قانون البلدیة 10-11.
- القیام بكل الأعمال القانونیة المتعلقة بأملاك البلدیة من حیث اكتسابھا واستعمالھا واستغلالھاوالتصرف فیھا والمحافظة علیھا، ویلزم بالسھر على احترام التشریع والتنظیم المتعلقین بالعقار والسكن والتعمیر وحمایة التراث الثقافي المعماري على كامل إقلیم البلدیة.
2- تحدیات البلدیة في تحقیق التنمیة المحلیة:
تعاني البلدیة من عدید المعوقات والعراقیل التي تحد من فعالیتھا وتقیدھا في تنفیذ برامج التنمیة و نجدمنھا:
1- عراقیل تنظیمیة:
المركزیة الشدیدة السائدة في الأجھزة الإداریة والاعتماد الكلي على رأي الحكومة المركزیة
(الوصایة) ھو ما یعطل في كثیر من الأحیان تنفیذ القرارات بسبب الرقابة الشدیدة التي تمارسھا الحكومة المركزیة على أعمالھا، ما أدى إلى إضعاف دور البلدیات في مجال الإبداع والإنتاج والمشاركة الحقیقیة في مجال التنمیة المحلیة، وأضعف الصلاحیات التنمویة بالمجالس الشعبیة البلدیة، حیث نجد تنفیذ القرارات التنمویة الصادرة عن ھذه المجالس یحتاج إلى موافقة الحكومة المركزیة، وتزید ھذه المعوقات في تعقید الإجراءات وتفشي الروتین والبطء الشدید في إصدارالقرارات وانتشار اللامبالاة والسلبیة وسیطرة المصالح الشخصیة على علاقات العمل الرسمیة وصعوبة التنسیق بین الوحدات الإداریة والسلطة المركزیة.
2– ضعف الموارد البشریة:
إن الوسائل البشریة تشكل أحد الشروط الھامة الواجب توفرھا كما ونوعا، فھي تسمح للبلدیة بالارتقاء إلى مستوى مھام إنجاز التنمیة المحلیة، نظرا لما یتطلب أن یكون علیه موظفو إدارة البلدیة من مؤھلات علمیة تمكنھم من التسییر الجید للبلدیة وتجسید البرامج التنمویة المسطرة، لكن تبقى دون جدوى إذا كان الأشخاص المكلفون بالتخطیط والدراسة لا یتمتعون بالقدرات العلمیة والكفاءة الضروریة ولا بالحوافز اللازمة لممارسة مھامھم ومسؤولیاتھم.
فغیاب الكوادر التخطیطیة والفنیة المدربة والمؤھلة لإعداد خطط التنمیة یرجع أساساً إلى طرق توظیف الكفاءات في المجال الإداري في البلدیات، وبالرغم من كون القانون صریحا فیما یتعلق بإجراءات التوظیف، وإلزامیته للدورات التكوینیة سواء للموظفین أو العمال، إلا أنه في الواقع لا یتم التوظیف وفقا للقانون بل یخضع لاعتبارات في الغالب لا تتوافق ومقتضیات الصالح العام، الأمرالذي یقف في وجه ھذه الإطارات ومدى فاعلیتھا في إدارة التنمیة المحلیة.
3– عجز البرامج التنمویة:
التخطیط الإقلیمي ھو وسیلة للتغلب على كثیر من المشكلات الاقتصادیة والاجتماعیة، ویرتكز حول الاحتیاجات الكلیة للمجتمع، ذلك أن التخطیط الكفء ھو الطریقة المثلى التي تضمن استخدام جمیع الموارد الوطنیة والطبیعیة والبشریة بطریقة علمیة وإنسانیة لكي تحقق الرقي والرفاھیة للمجتمع من خلال برامج ومخططات التنمیة، حیث تلعب دورا ھاما في تدعیم المجھودات الوطنیة في إطار التنمیة المحلیة، حیث لجأت الدولة إلى وضع مخططات التنمیة الوطنیة حتى تكون بمثابة دلیل للجماعات المحلیة ومنھا البلدیة، ھذه الأخیرة یجب أن تضع خططھا للتنمیة المحلیة وفقھا، بحیث لا یجب أن تتعارض ھذه المخططات لا مع المخطط الوطني للتھیئة والتنمیة المستدامة للإقلیم (SNAT) ولا مع المخططات التوجیھیة القطاعیة (SDS).
لكن ھذه السیاسات عرفت فشلا ذریعا نظرا لضعف إعداد الدراسات الفنیة والاقتصادیة التي تجسد التنمیة المحلیة على أرض الواقع والقصور في التنفیذ والبعد عن تحقیق الأھداف.
ج- المشاكل المالیة:
تحتاج البلدیة في إطار تنفیذھا المشاریع ومخططات التنمیة المحلیة إلى موارد مالیة، ھذه الموارد المالیة تصنف ضمن نفقات البلدیة والتي تكون وفق برامج وقواعد محددة مسبقا ولمدة زمنیة معینة عادة ما تكون سنة واحدة.
لكن قلة المصادر المالیة للبلدیة -والتي تعد من أھم المشاكل التي تعاني منھا البلدیة- ھو الأمر الذي یحول دون أدائھا الأعمال المنوطة بھا لإشباع احتیاجات المجتمع وتحقیق التنمیة المحلیة في إقلیمھا المحلي.
فطبیعة النظام الإداري والمالي ممركز إلى درجة أن المجالس المحلیة كالبلدیة لیست لھا سلطة على أموالھا، وتكتفي بإرسال كشوفات شھریة بأمر من الوالي بصرفھا على أساس الاعتمادات المخصصة، فلم یعد رئیس المجلس الشعبي البلدي الآمر بالصرف، لكن أصبح كوسیط مكلف لحساب الإدارة المركزیة، وذلك بتنفیذ العملیات المسجلة في المخططات البلدیة للتنمیة.
لكن المشرع تبنى الاستقلالیة النسبیة لمالیة البلدیة حیث تبقى ھذه الأخیرة خاضعة لرقابة السلطة الوصیة، لكن تجسید الاستقلال المالي یتطلب توفر موارد مالیة متلائمة وحجم المھام الموكلة للبلدیاتفي مجال التنمیة المحلیة، ومنه فإذا كانت التنمیة المحلیة تعتمد بالأساس على التمویل المحلي لإحداث زیادة في مستویات التنمیة المحلیة لكونھا تنطلق من القاعدة الشعبیة، فإن الوضعیة الصعبة التيتعیشھا مختلف البلدیات في ظل عجزھا المالي یجعلھا في حاجة إلى مساعدات الجھات المركزیة.
إضافة إلى تفشي الفساد الإداري في الحكم المحلي، حیث تخسر الجماعات المحلیة مبالغ كبیرة من الإیرادات والمداخیل عندما تنتشر الرشوة للتأثیر على التسییر.
د- الوصایة والرقابة:
تعرف الرقابة التي تمارسھا السلطات المركزیة على الجماعات المحلیة بأنھا: "مجموع السلطات المحددة والتي یخولھا القانون لجھة معینة على أشخاص وأعمال الھیئات المحلیة، قصد تحقیق المصلحة العامة"، والمقصود بالسلطة العلیا ھنا ھي السلطة المركزیة القائمة بالرقابة.
لقد اقتبس المشرع الجزائري نظام الرقابة على الجماعات المحلیة -ومنھا البلدیة- من نظام الرقابة الإداریة المشددة المعمول بھا سابقا في النموذج الفرنسي التقلیدي، فبالإضافة إلى الرقابة الإداریة ھناك أیضا رقابة سیاسیة وقضائیة، ھذه الرقابة تقع على أعمال المجلس وتمتد إلى تركیبة المجلسالتي قد تصل إلى حل أعضائه بالإضافة إلى إمكانیة مساءلة المجلس الشعبي البلدي جنائیا.
ورقابة مالیة أیضا فمثلا العلاقة بین الخزینة العمومیة والمراقب المالي والمجالس البلدیة المشرفة على التنمیة الإقلیمیة غیر محددة بدقة، حیث أن العلاقة بین ھؤلاء غیر واضحة المعالم فتتأخرالمشاریع التنمویة بسبب تخوف المراقب المالي من الإجراءات الإداریة، مما یؤدي إلى تأخرالإجراءات الإداریة وعدم وصول الملفات التي تتضمن البرامج التنمویة الخاصة بالبلدیة إلى الھیئات الوصیة في الوقت المناسب.
ه – معوقات اجتماعیة:
افتقار معظم المجتمعات المحلیة إلى مناخ الدیمقراطیة مع ضعف المشاركة السیاسیة، وتمركز القوة السیاسیة داخل ھذه المجتمعات المحلیة في أیدي جماعة معینة وسیطرة العلاقات والروابط التقلیدیة والقبلیة على عملیة اتخاذ القرارات السیاسیة بشأن المشاریع التنمویة في المجتمعات المحلیة نتیجة ضعف المشاركة السیاسیة وتدني مستوى الثقافة السیاسیة لدى مواطني ھذه المجتمعات، غالباما یؤدي الانسداد الحاصل في معظم المجالس المحلیة المنتخبة إلى الصراعات الحزبیة الضیقة، وضعف القوانین والتشریعات المنظمة لسیر عمل ھذه المجالس أدى إلى انعدام ثقة المجتمع المحليفي ھذه المجالس، كما تتمیز المجتمعات المحلیة بالتغیر السریع والفجائي والجذري وعدم الاستقرارالسیاسي نتیجة غیاب المشاركة السیاسیة الفعلیة، وھو الثمن الذي یعیق التنمیة المحلیة بشكل مباشر.
3- آلیات تفعیل دور البلدیة في تحقیق التنمیة المحلیة:
1- الاستقلال الإداري:
الغموض في النصوص أدى إلى عدم تحدید الصلاحیات والمسؤولیات، وإدراج كل التدابیراللازمة من أجل صدور نصوص واضحة تحدد بدقة مھام ومسؤولیة رؤساء البلدیات والمجالس الشعبیة البلدیة في كل صغیرة وكبیرة ضمن مشروع قانون الجدید الخاص بالبلدیة، وكذا توضیح العلاقات التي تربط ھذه الأخیرة سواء على المستوى المحلي (الدائرة والولایة) أو على المستوى المركزي، باعتبار عنصر اللامركزیة یحظى بأھمیة بالغة في عملیة التنمیة وذلك لما یوفره ھذا العنصر من امتیازات لأفراد المجتمع المحلي من المشاركة في القرارات وتحدید احتیاجاته ورفع انشغالاته من خلال ممثلیه في المجالس البلدیة، مما یسھل على السلطة المركزیة تحدید أولویات المشاریع التنمویة على مستوى المجتمعات المحلیة. بالإضافة إلى أن تطبیق اللامركزیة یھدف إل ىإعطاء البلدیات المرونة الكافیة في توزیع استثماراتھا المخصصة لكل منطقة على الأنشطة والمشروعات الاستثماریة اللازمة لخطة التنمیة الاقتصادیة والاجتماعیة، وفقا لأولویاتھا واحتیاجاتھا الفعلیة وبما یتفق مع ظروف وإمكانیات كل منطقة.
ب – توسیع التمویل:
عصب التنمیة ومحركھا الأساسي ھي الموارد المالیة والمداخیل التي یتم على أساسھا برمجة المشاریع وإقامة الخطط التنمویة، لذلك فإن التنمیة المحلیة مرتبطة ارتباطا وثیقا بمدى توفر رؤوس الأموال التي تساھم بدورھا بنسبة أعلى في زیادة الدخل المحلي والوطني.
أما بالنسبة للموارد المالیة للبلدیة فإن الدولة تستحوذ على جزء كبیر من الموارد المخصصة لھا، فھي تأخذھا لتعید منحھا لھا محددة بكمیات تبقى غیر كافیة لتغطیة النفقات، الأمر الذي یحتم على رئیس البلدیة المبادرة إلى كل عمل من شأنه أن یطور ھذه الموارد البلدیة، ھذه الوضعیة تحتم على البلدیة إیجاد الآلیات اللازمة لتفعیل وتدعیم وسائل تمویلھا التي تعتبر من الضروریات الحتمیة، فتوفیرموارد مالیة ثابتة ومنتظمة یسھل على البلدیة القیام بوظائفھا. وبالدرجة الثانیة تثمین الموارد المالیة للبلدیات یتم عن طریق إصلاح المنظومة الجبائیة الوطنیة والمحلیة، والرفع من قدرات البلدیة في التمویل الذاتي یتأتى من خلال تثمین الموارد الجبائیة بإشراك البلدیات في الجبایة المحلیة، ومن جھة أخرى تثمین الثروات والأملاك المحلیة.
فعملیة تشجیع الاستثمار المحلي في الثروات والأملاك المحلیة یھدف إلى تراكم الثروات وخلق فرص العمل، لذا وجب على المجالس الشعبیة البلدیة تشجیع ومساعدة المستثمرین وكذلك المؤسسات المھتمة بالاستثمار ضمن إقلیم البلدیة في تنفیذ مشاریعھم الاستثماریة.
ضمان ترقیة الاستثمارات من خلال تھیئة المناخ المناسب للاستثمار وتنظیم الجھود، خاصة توفیروإحاطة المستثمرین بمختلف المعلومات الضروریة الاقتصادیة والتقنیة والتشریعیة المتعلقة بمجال الاستثمارات وطرق استفادتھم من التسھیلات المتوفرة بالصورة التي تحقق أكبر معدلات لتلك التنمیةعبر الزمن وتعظم استقلالیة الجماعات المحلیة عن الحكومة المركزیة في تحقیق التنمیة المحلیة المنشودة.
كما یجب على السلطات المركزیة منح الاستقلال المالي للبلدیات من أجل زیادة تمویل استثماراتھا،ودعم اللامركزیة المالیة من خلال توسیع صلاحیات البلدیات في فرض الضرائب والرسوم في إطارضوابط مركزیة.
لھذا فالتأكید على أھمیة وجود تمویل محلي یعتبر داعما لاستقلال الأقالیم المالیة ولا یعني بالضرورة الاستغناء على الموارد المالیة الخارجیة، عن طریق تعزیز الأغلفة المالیة الحكومیة للبلدیات لمساعدتھا على تحقیق أھدافھا التنمویة، وكذا تنظیم القروض للبلدیات في تمویل المشاریع الاستثماریة التي تنشأ على مستوى إقلیمھا وتعجز مواردھا على استیعابھا.
ج- تثمین الكفاءات:
تتولى البلدیة القیام بالشؤون المحلیة عن طریق مجالسھا الشعبیة البلدیة، إلا أنه ولشغل العضویة فیھا یتوجب توفر الكفاءة في المترشح، والقدرة على تدبیر أمر الجماعة لأن افتقاد الأعضاء لھذه الكفاءة یھدد بعدم قدرة البلدیات على تحویل الموارد المالیة المتاحة إلى خطط وبرامج تنمویة تلبياحتیاجات المواطن المحلي بالأساس، ومنه تحقیقُ أعلى مستویات الأداء بغیة الاقتراب أكثر منتحقیق انشغالات المواطنین، وھذا لا یتحقق إلا بالاستغلال الأمثل للموارد البشریة. وطالما أن المشرع ضمن الحق لكل فرد في الترشح، ولم یشترط المؤھل العلمي في المترشحین، بل أجاز لكل فرد توافرت فیھ الشروط القانونیة أن یَنتخب ویُنتخب واعتباره أحد مقتضیات الدیمقراطیة الشعبیة.
إذن نجد أن المشرع لم یتطرق لعنصر المستوى الدراسي أو الثقافي للمترشح للمجالس البلدیة وھو خطأ كبیر ارتكبھ المشرع الجزائري في حق المجالس البلدیة وفي حق الشعب الجزائري ككل، إذ كیف تطالب السلطات العلیا بالبلاد من المجالس المحلیة خاصة البلدیة منھا أن تحقق التنمیة وترفع من مستوى تلك البلدیات وھي لم تضمن وصول الكفاءات لمكانھا الصحیح، فكیف ننتظر من بلدیة أنتخلق موارد محلیة والمنتخبین المحلیین بھا تم اختیارھم بناء على العروشیة أو حسابات خاصة ولیس على أساس الكفاءة!؟
وعلى ھذا الأساس تظھر آثار التنمیة على تحسین المستوى العلمي والثقافي للمنتخب البلدي، باعتبارأن العلاقة بینھما علاقة تكاملیة فكلما تحسن المستوى العلمي والثقافي للمنتخبین كنا أقرب لتحقیق التنمیة والعكس صحیح كلما كان المنتخبین دون مستوى علمي أو ثقافي ولیس لھم الكفاءة اللازمة للتسییر واتخاذ القرارات محلیا، كلما ساد الركود محلیا ونقصت التنمیة.
فضرورة اشتراط المستوى العلمي اللازم في كل من المنتخب البلدي والموظفین أصحاب المناصبالعلیا، أو على الأقل بالنسبة لرئیس المجلس الشعبي البلدي ونوابه والمندوبین البلدیین، وخاصةةالمتصرف البلدي ومساعدیه المذكور بالمادة 48 من قانون البلدیة، وضرورة اشتراط الخبرة في العمل الإداري لأن سبب تراجع المنتخبین خاصة عن أداء مھامھم لا یعود فقط لضعف مستواھم العلمي بل راجع بالدرجة الأولى لعدم وجود خبرة في العمل الإداري مما جعلھم ینسحبون غالبا عن ممارسة وظائفھم لصالح الموظفین البلدیین -الأمین العام للبلدیة- والسلطة الوصیة -الوالي-.
فإضافة شرط المستوى العلمي ھو عامل فاصل في اختیار المرشح لمنصب رئیس المجلس الشعبي البلدي، باعتباره المسیر وصاحب القرار بالبلدیة، وكونه یتمتع بازدواج وظیفي من جھة ممثل للدولة ومن جھة أخرى ممثل للبلدیة.
د - الجھود الشعبیة:
ھي تلك المساھمات للمواطنین داخل الإقلیم المحلي التي تمثل كموارد إضافیة تستغلھا البلدیات، فالمواطنون المحلیون بمختلف نشاطاتھم یمثلون رصیدا ضخما إذا جندوا ووجھوا في سبیل تطویرأقالیمھم المحلیة، وھم مصدر ثروة ھائلة في المجالات الاقتصادیة والاجتماعیة، لھذا فإن إشراك المواطنین في تسییر شؤونھم یعتبر أحد القواعد الأساسیة لنجاح التنمیة المحلیة باعتبار المواطن ھوالأدرى باحتیاجاته على المستوى المحلي؛ فإن إشراكه في إدارة شؤونه أمر حتمي.
ویتحقق ھذا المبدأ عن طریق إشراك أكبر قدر ممكن من المواطنین من أصحاب التخصص وذوي الكفاءات والفنیین الفاعلین في المجتمع في إدارة التنمیة المحلیة، وفي ظل العزوف الشعبي عن المشاركة السیاسیة یجب إیجاد الآلیات الكفیلة بضمان ھذه المشاركة كتحفیز المواطنین على المشاركة في التنمیة المحلیة عن طریق تقدیم الدعم المادي والمعنوي لھم، حیث نجد قانون البلدیة11-10 خصص الباب الثالث منه لھذا الغرض وعنونه بمشاركة المواطنین في تسییر شؤون البلدیة ونظم في المواد من 11 إلى 14 ھذا الاتجاه الذي تبناه المشرع في قانون البلدیة، مما یعكس توجه المشرع إلى تفعیل دور المواطن في التسییر المحلي، حیث نص في المادة 11 من نفس القانون خاصة الفقرة الثانیة منھا على أنه: "یتخذ المجلس الشعبي البلدي كل التدابیر لإعلام المواطنین بشؤونھم واستشارتھم حول خیارات التھیئة و التنمیة الاقتصادیة و الاجتماعیة و الثقافیة حسب الشروط المحددة في ھذا القانون".
مدى تلائم حجم المھام المسندة للبلدیات وطبیعة مواردھا المالیة المتاحة مرتبط بتوسیع صلاحیات البلدیة ممثلة في مجلسھا الشعبي البلدي، ویعتبر التأشیرة التي توصل البلدیة إلى استقلالیتھا، إلا أنه یبقى دون فائدة إذا ما تم إقران ھذا التوسع بموارد مالیة محدودة، ویصبح بذلك من محفز للتنمیة المحلیة إلى أھم معوقاتھا، ویرجع السبب في ذلك إلى اعتبار صلاحیات البلدیة ومواردھا المالیة وجھین لعملة واحدة؛ فالعمل على زیادة أحدھما یحتم الزیادة في الآخر وبما أن المشرع نص صراحة في قانون البلدیة على استقلالیة البلدیة في إدارة مجالات التنمیة.
ومنه فإن البحث في طبیعة الصلاحیات المسندة في حین أن التقلیص من الصلاحیات التنمویة ذات البعد الاقتصادي، یجعل البلدیة مجرد مؤسسات تھتم بتقدیم الخدمات العمومیة.