تسابق البشر لغزو الفضاء وذلك لأغراض سياسية عسكرية وهذا في بداية صراع المعسكرين إلا أن الأزمات التي مرت بكوكب الأرض بتركيبته البشرية والبيئية جعلت الإنسان يعيد التفكير في الصراعات غير المجدية وتحويلها إلى استثمار يخدم البشر على المدى القريب والبعيد .

    من هنا تبلورت فكرة محطة الفضاء الدولية فما هي هذه المحطة وما هو الدور المهم الذي تلعبه؟

  • المحطة الفضائية الدولية (ISS): ‏

    هي محطة فضائية معيارية (قمر صناعي قابل للسكن) في مدار أرضي منخفض. وهو مشروع تعاوني متعدد الجنسيات يضم خمس وكالات فضاء مشاركة وهي: ناسا (الولايات المتحدة)، وكالة الفضاء الروسية - روسكوزموس (روسيا)، جاكسا (اليابان)، وكالة الفضاء الأوروبية (أوروبا)، وكالة الفضاء الكندية (كندا). تُحدد ملكية واستخدام المحطة الفضائية بموجب المعاهدات والاتفاقيات الحكومية الدولية.

    تبلغ أبعاد المحطة 72.8 مترا طول و108.5 متر عرض وكذلك 20 متر ارتفاع، فهي بالتالي أكبر قمر صناعي يدور حول الأرض، وقد أطلقت عام 1998م، وهي تدور حول الأرض مرة واحدة كل 92 دقيقة، وتحلق محطة الفضاء الدولية لأكثر من 20 عاما في فضاء الأرض بسرعة 27 ألف كيلومتر في الساعة على ارتفاع 400 كيلومتر.

    تعتبر محطة الفضاء الدولية مركزاً لمتابعة التطورات المناخية ومراقبة كوكب الأرض إلا أنه في السنوات الأخيرة تم تطويرها لتستوعب أحدث المختبرات العلمية التي تجرى في جاذبية شبه منعدمة.

    وهناك تجارب علمية كثيرة تم إجرائها في المحطة وذلك بسبب الجاذبية على الأرض مما تعذر الحصول على نتائج مرضية .

    وقد أصدرت إدارة الطيران والفضاء الأميركية (وكالة ناسا) تقريرها السنوي لعام 2020 حول نتائج الأبحاث والاختبارات العلمية التي تقوم بها محطة الفضاء الدولية، ورصد التقرير أكثر من 312 دراسة حول نتائج هذه الأبحاث والتجارب تم نشرها في دوريات علمية، خلال الفترة من أكتوبر/تشرين الأول 2019 حتى أكتوبر/تشرين الأول 2020.

سنناقش بعض أهم البحوث التي تم التطرق إليها من طرف محطة الفضاء الدولية 

  • تأثير انعدام الجاذبية على نمو النباتاتّ:

أجرت وكالة الفضاء الأوروبية في مختبر كولومبوس العلمي ، أكبر التجارب العلمية من حيث القيمة حيث تمت دراسة تأثير الجاذبية والضوء على النباتات المنتجة للأكسجين .

ويعتقد العلماء أن الجاذبية هي العامل الأساسي، يليها الضوء في تحديد اتجاه نمو جذور النباتات والجذور. وقد استخدمت التجربة شتلات من نبات "رشاد أذن الفأر" (Arabidopsis thaliana) الذي يعد "فأر التجارب النباتية" بسبب قصر دورة حياته وصغر مكونه الجيني .

قد تعرضت الشتلات لمستويات متباينة من الجاذبية ابتداء من جاذبية الأرض والقمر والمريخ والجاذبية شبه المنعدمة على المحطة، ثم تم تعريضها للضوء الأبيض لمدة 96 ساعة والضوء الأزرق لمدة 48 ساعة قبل تجميدها لتحليلها على الأرض.

حيث تم تحليل الحمض النووي الريبي المستخلص من الشتلات ودراسة تسلسله الجيني لتحديد الجينات التي حدث لها تغيير في تعبيرها الوراثي، من أجل توجيه مسارات الاستخدامات الحالية والمستقبلية لتقنيات زراعة النباتات في الفضاء.

  • تأثير الجاذبية شبه المنعدمة على البروتينات المسببة للأمراض:

درست وكالة استكشاف الفضاء اليابانية تأثير الجاذبية شبه المنعدمة على تشكيل شعيرات أو لُيَيْفات بروتينات الأميلويد (Amyloid) التي تسبب أمراض التدهور العصبي من أجل تطوير علاجات جديدة تثبط تشكيل هذه الشعيرات لعلاج أمراض مثل الباركينسون (الشلل الرعاش) وألزهايمر والوقاية منها.

  • تعزيز فعالية أدوية علاج بعض الأمراض:

قامت وكالة ناسا برعاية بعض شركات الأدوية بدراسة تقييم تأثير أدوية "كبت بروتين ميوستاتين" (Myostatin) المسؤول عن كتلة العضلات لعلاج تلاشي العضلات والعظام وضعفها في الفئران التي تعرضت لفترة طويلة من السفر في الفضاء، ومن ثم علاج أمراض مثل الحثل العضلي وهشاشة العظام والضعف العضلي الهيكلي مع تقدم العمر.

علوم الفيزياء للجاذبية تأثير كبير على فهمنا للفيزياء وإنشاء النماذج الرياضية الأساسية التي ترصد سلوك المادة.

  • الخصائص الفيزيائية للسبائك الصناعية:

تناولت دراسات أجرتها وكالة الفضاء الأوروبية قياس الخصائص الفيزيائية الحرارية للسبائك الصناعية في ظل انعدام الجاذبية باستخدام وحدة الرفع الكهرومغناطيسي (Electro-Magnetic Levitator) لتحسين عمليات التصلب.

وتوثق الدراسة على وجه التحديد النتائج التي تم الحصول عليها فيما يتعلق بـ3 سبائك تجارية عالية الحرارة (السبائك الفائقة القائمة على النيكل) التي تُستخدم على نطاق واسع في التوربينات وتطبيقات الطاقة الأخرى.

ومن هذه النتائج بيانات الخصائص الفيزيائية الحرارية عالية الدقة (التوتر السطحي السائل، واللزوجة، وكثافة الكتلة، والسعة الحرارية المحددة) التي لا يمكن الحصول عليها على الأرض، وهي ضرورية لتعزيز كفاءة التصنيع وجودة المنتج.