لقد عرفت البشرية تطورا كبيرا منذ أن استطاع العلماء توليد الطاقة (الكهرباء) عن طريق التجربة التي قام بها العالم مايكل فراداي في توليد الكهرباء، ألا وهي تجربة التحريض الكهرومغناطيسي التي تعتمد على تحريك مغناطيس بالقرب من وشيعة فيتولد تيار كهربائي متناوب الشدة، و اعتًبرت هذه التجربة عملية كمية في تحويل الطاقة الحركية إلى طاقة كهربائية و من هنا ظلّ العلماء يبحثون على كيفية إنتاج الطاقة الحركية و تحويلها إلى طاقة كهربائية (الطاقة لا تستحدث ولا تزول)، فاعتمدوا على الفحم و البترول و الغاز من الطاقات غير المتجددة وقوة الماء و الهواء كطاقات متجددة لاستعمالها كوسيلة لإنتاج الطاقة الحركية.
ومع مرور الزمن وزيادة الكثافة السكانية أصبح الناس تواقين لمزيد من الطاقة و أصبحت الطاقات التقليدية غير كافية لإنتاج الطاقة الكهربائية ليأتي علماء الذرة خلال الحرب العالمية الثانية ويجدون أن من أهم القوى التي توفر طاقة كبيرة هي الطاقة النووية وذلك بعد الاستخدام غير السلمي لها في اليابان قنبلة هيروشيما وناجازاكي .
ليأتي إثر ذلك عصر الطاقة النووية السلمية كمصطلح جديد يدعو إلى استعمالها في ميدان إنتاج الطاقة الكهربائية؛ حيث باشر عديد من الدول و من أبرزها فرنسا و أمريكا و اليابان و بريطانيا والاتحاد السوفياتي آنذاك في استغلالها، إلى أن وقعت أزمة مفاعل تشرنوبل في أوكرانيا وأزمة مفاعل فوكوشيما في اليابان سنة 2013 لتهدم مصطلح السلمية و لتعود مخاوف القنبلة النووية و آثارها من جديد، لكن هذا لم يوقف العلماء عن البحث و خاصة بعد اكتشافات الكون وإرسال أقمار صناعية و معرفة كيفية عمل أو إنتاج الشمس للطاقة لتأتي من جديد فكرة إنتاج الطاقة من الاندماج النووي مثلما يحدث في الشمس، و ليعود السؤال من جديد: هل الطاقة النووية نظيفة أم لا؟
أولا: ما هي الطاقة النووية؟
الطاقة النووية نوعان: انشطارية، واندماجية؛ حيث نجد أن الطاقة الانشطارية تنتج بواسطة انشطار متسلسل للذرة و خاصة نظائر عنصر اليورانيوم فالانشطار المتتالي يعطي طاقة كبيرة جدا تستعمل في توليد الكهرباء، والشيء نفسه مع الطاقة الاندماجية إلا أن الاندماج النووي هو عملية تلحيم لذلك تحتاج إلى حرارة كبيرة من أجل دمج نظائر الهيدروجين، وهذه الحرارة التي تحتاجها تكون كبيرة جدا لتعطي هي بدورها عند الاندماج طاقة أكبر تستعمل في توليد الكهرباء.
ثانيا : هل الطاقة النووية نظيفة ام لا؟
هناك جدال كبير بين العلماء حول هذا الأمر؛ فهناك من يرى أن الطاقة النووية نظيفة لأنها لا تسهم في انبعاث الغازات الدفيئة التي تسبب المشاكل المناخية كالاحتباس الحراري، وهناك فريق يرى أنها خطيرة جدا على الحياة من خلال الانبعاثات التي تصدرها عند الانشطار و يقول إن خير دليل آثار الإشعاعات النووية التي حصدت آلاف البشر و دمرت الغطاء النباتي والحيواني بشكل كبير، وازدادت هذه التكهنات بعد ما حدث لمفاعل تشرنوبل و فوكوشيما.
و المفاعلات نوعان :
1-مفاعل الانشطار النووي:
يعمل مفاعل الانشطار النووي وذلك بعد عملية تخصيب يورانيوم 235 المستعمل في الانشطار عن طريق عملية الطرد المركزي حيث توضع أنابيب مصنوعة من البورون و الغرافيت، ودورها ضمان عملية الانشطار التسلسلي، وأيضا التحكم في الطاقة الهائلة عن طريق توقيف عملية الانشطار و تبريدها لأن هذه الأنابيب توضع في حوض من البلوتونيوم، و كما نعلم أن الانشطار النووي يعطي طاقة كبيرة تقوم بتسخين الماء الذي يحرك بدوره توربينات كبيرة (عنفات) والتي بدورها تنقل الحركة إلى غرفة التحريض (الدينامو) لتحدث عملية التحريض الكهرومغناطيسي حيث يحتوي الدينامو على وشيعة و مغناطيس حيث أن دوران المغناطيس بالقرب من الوشيعة ينتج تيار كهربائي متناوب.
إيجابياته: إنتاج الكهرباء عن طريق مفاعل الانشطار النووي يساعد في عملية التقليل من انبعاثات الغازات الدفيئة التي تسبب التلوث و الاحتباس الحراري و أيضا فإن غرامات قليلة من مادة اليورانيوم تنتج طاقة كبيرة مقارنة مع المواد الأحفورية التي تستهلك بكميات كبيرة لإنتاج طاقة مماثلة لها.
سلبياته: إن الانشطار النووي المتتالي ينتج عنه نفايات إشعاعية مثل إشعاعات ( ألفا، و بيتا، وغاما) إلا أن هذه الإشعاعات تخزن في براميل تحت الأرض و تبقى دائما في حالة مراقبة للتأكد من أن الإشعاع قلّ مفعوله و للعلم فإن هذه الإشعاعات تؤثر على الكائنات الحية حيث تسبب طفرات كبيرة في جينات هذه الكائنات.
2-مفاعل الاندماج النووي:
كما قلنا سالفا فإن الاندماج النووي في عملية تحدث في الشمس حيث يحتا ج إلى درجة حرارة عالية قدرها 15 مليون درجة مئوية و إلى درجات ضغط عالية و جاذبية تحافظ بها الشمس على تماسك جزيئاتها و لكن العلماء لم يهدأ لهم بال من أجل تحقيق هذا المشروع ليتم في عهد الاتحاد السوفياتي إنتاج مفاعل توكاهوما الذي هو عبارة عن مفاعل يشبه حبة الدونيت أي بمعنى حزمة حلقية تحتوي على مغناطيس الذي يسرع من درجة حرارة عناصر الهيدروجين و يبقيها داخل مجاله المغناطيسي، حيث الرفع من درجة حرارة الجزيئات لتتحول هذه الجزيئات إلى بلازما إلى أنه في مفاعل الاندماج النووي لا يوجد ضغط كبير و لا جاذبية مثل الشمس و لتعويض ذلك يجب رفع درجات الحرارة إلى أعلى مستوى لها مثلما حدث في التجربة البريطانية التي وصلت درجات حرارة المفاعل إلى 150 مليون درجة مئوية.
إيجابياته: ينتج مفاعل الاندماج النووي طاقة تفوق طاقة مفعل الانشطار النووي و أما بخصوص نفايات المفاعل فهي تكاد لا تذكر.
ثالثا: استعمالات الطاقة النووية:
تستعمل الطاقة النووية في عدة مجالات منها الطبية في معرفة الأمراض و الأسقام و حتى محاربة الأمراض الخطيرة التي تهدد الإنسان و لها استعمالات كثيرة .
الدول الرائدة في هذا المجال:
إن من بين الدول الرائدة في هذا المجال فرنسا فلديها العديد من المفاعلات النووية ذات الانشطار النووي وهي تستعملها بغرض إنتاج التيار الكهربائي حيث تعتمد ما نسبته 55% و تبقى سباقة في هذا الميدان، ومنذ نجاح تجربة مفاعل توكاهوما في بريطانيا و إنتاج الطاقة من الاندماج النووي باشرت فرنسا بوضع مليارات من الدولارات في إنتاج مفاعل يعمل بخاصية الاندماج النووي و هو لحد الساعة قيد التجهيز بالتنسيق مع دول الإتحاد الأوروبي.
و في الختام نقول إن الاندماج النووي يوفر طاقة نووية نظيفة مقارنة بالانشطار النووي و لكن تبقى مخاطره كبيرة و تكلفته عالية جدا حيث أن الطاقة التي يحررها كبيرة و لكن أي خطأ في مراقبة هذه الطاقة قد يكلف البشرية الكثير من الخسائر.