جاء الإسلام قبل أكثر من أربعة عشر قرنا بمبادئ وأصول اقتصادية تضمنتها آيات القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وقد تم تطبيقها في المجتمع لمواجهة المشكلات المتغيرة وقد عبر الاقتصاديون عن هذه الاجتهادات باصطلاح النظام الاقتصادي الإسلامي. وقد فرض تطور الدولة الإسلامية واتساع رقعتها تطور النظام الاقتصادي فيها ومن الموضوعات التي لاقت اهتماما كبيرا لدى العلماء التخصص وتقسيم العمل فقد تحدثوا عن دوافعه وبعض مراحله وآثاره الاقتصادية عبر الزمن.

يعد التخصص اليوم سمة الحياة الاقتصادية المعاصرة إذ هو وسيلة الإنسان لزيادة إنتاجية عناصر الإنتاج وخاصة العمل مما يؤدي إلى زيادة الإنتاج الكلي للمجتمع من السلع والخدمات وتحسين مستواه المعيشي. والعمل هو المجهود الإرادي الذي يقوم به الإنسان من أجل إنتاج السلع والخدمات ويجب أن يتمتع عنصر العمل بدرجة عالية من المهارة لذلك تهتم الدول بتدريب العمال والإداريين ويشترك مع الحكومات في هذا المجال القطاع الخاص وخاصة النقابات العمالية وكل من له علاقة بالعملية الإنتاجية.

إن فكرة تقسيم العمل تكاد تحمل اسم آدم سميث رغم وجود أصول لها عند المفكرين الذين سبقوه ومنهم المسلمون وذلك راجع إلى اهتمامه الكبير بهذه الفكرة وشرحها.

وفي هذا المجال يمكن القول أن مبدأ التخصص وتقسيم العمل يعتبر من المبادئ الاقتصادية التي يقرها الاقتصاد الإسلامي والذي بدأ بالظهور مع تطور الدولة الإسلامية وتكمن أهمية مبدأ تقسيم العمل في الإسلام على اختلاف قدرات الأفراد ومواهبهم ورغباتهم.

ورد في القرآن الكريم آيات تبين أن الناس مختلفون في مواهبهم وقدراتهم وهم درجات بعضُهم فوق بعض من حيث القدرات قال تعالى(نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا). وقال تعالى (‏‏يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) وقال تعالى (والله فضل بعضكم على بعض في الرزق). 

تشير كل الآيات أعلاه إلى أن العمل يظفر بمكانة رفيعة وأهمِية بارزة بين أسس وقيم الإسلام ومع ذلك كان التخصص وتقسيم العمل محدودا في صدر الإسلام لعدم وجود حاجة حقيقية لتقسيم العمل على نحو رفيع نتيجة ضيق الأسواق وتفضيل الاكتفاء الذاتي في الإنتاج إلا أن التخصص وتقسيم العمل في العملية الإنتاجية بدأ يتزايد في عهد الدولتين الأموية والعباسية وخاصة في الأندلس فقد عرفت العمارة الأندلسية تقسيم رفيع للعمل إذ قسمت العملية المعمارية إلى أجزاء لكل جزء منها تخصص، كـالإنشاءات الأساسية والزخرفة والطلاء والتجارة والحدادة وكل جزء منها كان له خبراء من المتخصصين وأحيانا تنقسم الحرفة الواحدة إلى تخصصات أكثر دقة.

وفي ذلك يقول ابن خلدون أن تقسيم العمل ضرورة اجتماعية حتمتها ووجدتها الطبيعة البشرية الاجتماعية التي فطر الله عليها البشر وارجع إبن خلدون ذلك إلى أهمية التعاون كإطار تنظيمي ضروري لتقدم العمران، ومن نظريات ابن خلدون التي تستخدم بشكل كبير من الاقتصاديين المعاصرين ما يعرف ب(The division of labor )نظرية تقسيم العمل وهي طريقة تنظيم الإنتاج حيث يتم تخصيص كل عامل لجزء مخصص من هذه العملية ومن ميزات هذه النظرية أنها تمنح فرص للعاملين بكسب مهارات في الأجزاء التي يتم تكليفهم بها وقد اعتمد آدم سميث الذي يعرف بالأب الروحي للاقتصاد الكلاسيكي على نظرية ابن خلدون في تقسيم العمل.

إن وعي المفكرين المسلمين بأهمية النشاط الاقتصادي وعناصره قادتهم إلى تأكيد أهمية التخصص وتقسيم العمل،وتعد رؤية اقتصادية متقدمة في الفكر الاقتصادي الإسلامي ذلك أن تقسيم العمل عندهم إنما هو شكل من أشكال إدارة الاستخلاف فهو تنظيم اقتصادي للنشاط الاستخلافي ولدعم وتطوير العملية الإنتاجية.