الزوجان أساس الأسرة وأصلها، الأولاد تنجب منها، وتكون الأسرة نبيلة بحيث أخلاق الزوج والزوجة ومحبتهما ومساعدتهما، هناك أسوة حسنة لأزواج العالم، هما سيّدنا وقرة أعيننا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وزوجته الأولى الطاهرة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها.

         قد صار ذلك الزوجان أسوة وقدوة لكلّ أزواج العالم بمحبتهما ومساعدتهما معاً، يجدر بالذكر هنا عن بداية محبتهما وحياتهما المسرورة بعد الزواج وصفاتها.

خديجة بنت خويلد (رضي)

السيّدة خديجة التي اتصفت الفطنة والذكاء كما اتصف بهما رسول الله ﷺ كانت ذات نسب ومال، شغلها التجارة وتستأجر الرجال في مالها.

نسبها: وهي تنتسب إلى قبيلة قريش، أبوها خويلد بن أسيد بن عبد العزى، يلتقي نسبها مع النبي ﷺ في جده الرابع قصي بن كلاب، وأمها فاطمة بنت زائدة بن جندب، ويلتقي نسبها مع النبي ﷺ في جدها لؤي بن غالب.

صفاتها : قد اتصفت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد (رضي) عديدًا من الأخلاق الكريمة الحميدة، الحكمة والعقلانية والعفة والطهارة من أبرز صفاته، على الرغم من الأعمال الفاسدة من المجتمع كانت خديجة (رضي) مميزة من سائر النساء طهارة وعفة حيث لقبت ب"الطاهرة"، قد قال السهلي في وصفها : خديجة بنت خويلد كانت تسمى الطاهرة في الجاهلية والإسلام، وقال الإمام الذهبي عنها : هي ممّن كمل من النساء، كانت عاقلة جليبة، دينية مصونة كريمة.

تجارتها : كانت تجارتها مشهورة في ذلك العصر، حتى وصلت تجارتها إلى بلاد الشام، والعراق والفرس والروم، صارت تجارتها رابحة بأمانتها وذكائها وإحسائها للفقراء.

زواج النبي ﷺ مع خديجة (رضي) 

خرج رسول الله ﷺ إلى بلاد الشام مستهدفا للتجارة، وكان ذلك في الخامسة والعشرين من عمره، وقد وجد قافلة خديجة (رضي) في رحلته ﷺ، إن غلام خديجة (رضي) ميسرة ذهب مع النبي ﷺ ، وعرف عن أخلاقه الحميدة، حتى رجعوا من رحلة التجارة، أخبرها ميسرة عن صفات حميدة للنبي ﷺ فرأت فيه الزوج الأمين المناسب لها، وتحدثت خديجة  لصديقتها نفيسة بنت منية، ولها دور مهم في زواج النبي ﷺ مع خديجة (رضي)، ذهبت إلى النبي ﷺ  طالبة على زواجه مع خديجة (رضي)، فوافق النبي ﷺ  له ثم أخبر ذلك الأمر أعمامها وأهلها فوافقوا على ذلك، حتى تم العقد أو النكاح بحضور رؤساء أهلهما وأشرافهما، وفي حين كذا كان عمرها أربعين، وهي أول امرأة لرسول الله ﷺ ، ولم يتزوج النبيﷺ أحدا حتى توفيت، وقد أنجبت منها للنبي ﷺ  جميع أولاده إلا ابنه إبراهيم الذي أنجبته مارية القبطية، وأولاد النبي ﷺ  من خديجة (رضي) هم : قاسم، عبد الله، زينب، رقية، أم كلثوم، فاطمة.

النبوة ونصرتها 

نعمت الزوجة خديجة بنت خويلد، وهي من أقدم أمهات المؤمنين قال الله عز وجل : ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾

لما أنزل الوحي أولا للنبي ﷺ  خاف وارتجف وذهب إلى خديجة (رضي)، وفي ذلك روى الإمام البخاري في صحيحه : "دخل على خديجة فقال : زملوني...زملوني...، وزمله حتى ذهب عنه الروع، فقال : يا خديجة...ما لي، وأخبرها الخبر وقال : قد خشيت على نفسي، فقالت : كلا، أبشر، لايخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلّ، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، ثم انطلقت به خديجة، حتى أتت به ورقة بن نوفل"، وكانت خديجة (رضي) أول من آمن بالله ورسالة النبي ﷺ . 

محبة النبي ﷺ لزوجته خديجة (رضي) 

قال رسول الله ﷺ : إني قد رزقت حبها ـ القصد هنا خديجة (رضي) ـ. 

أسباب حب النبي ﷺ لخديجة (رضي) عديدة، منها : هي التي آمنت به حين كفر به الناس، هي التي وصفها ﷺ  فقال : "خير نسائها خديجة بنت خويلد وخير نسائها مريم بنت عمران" ، ذهب إليها النبي ﷺ حين أنزل الوحي ولم يذهب إلى غيرها من الزوجات، وكان من صفاتها العقل والذكاء والأمانة كما اتصف بها رسول الله ﷺ ، وهي أم معظم أبنائه ﷺ، وهي التي بشرت ببيت في الجنة، وهي التي عانت النبي ﷺ في انتشار الإسلام، وهي التي لا تعصي زوجها ولا تعانده أبدا.

مظاهر حب رسول الله ﷺ لخديجة بعد وفاتها

توفيت السيدة وأم المؤمنين خديجة بنت خويلد (رضي) في السنة العاشرة من البعثة، وهذا ببلوغ عمرها خمسا وستين سنة، وكان وفاتها في شهر رمضان المبارك.

إن مما يظهر حب رسول الله ﷺ لزوجته خديجة (رضي) ذكره إياها بعد وفاتها، ولم يتزوج النبي ﷺ طوال حياتها بغيرها من النساء، والدليل على ذكر النبي ﷺ خديجة بعد وفاتها قوله ﷺ  : إنها كانت وكانت وكان لي منها ولد، وتقول عائشة (رضي) : "ما غرت أحدا من نساء النبي ﷺ ما غرت على خديجة، وما رأيتها، كان رسول الله ﷺ يكثر ذكرها". 

    وكان رسول الله ﷺ يعطي الصدقة لصحابياتها وأهلها بعد وفاتها، وكان يذبح الشاة ويقطعها ثم يقوم بتقسيمها وتوزيعها بين صحابيات خديجة ويقول : اذهبوا إلى فلانة فإنها كانت صديقة خديجة . 

فرح رسول الله ﷺ إذا سمع  هالة خالة خديجة لأن صوتها يشبه صوت خديجة (رضي) ، وهذا ما روت عائشة (رضي)، وقد روت أيضا : كان النبي الله ﷺ إذا ذكر خديجة أثنى إليها، فأحسن الثناء فغرت يوما، فقلت : ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدق، قد أبدلك الله عز وجل بها خيرا منها، وقال : ما أبدلك الله عز وجل خيرا منها، قد آمنتني حين كفر بي الناس، وصدقتني إذا كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله عزو جل ولدها إذ حرمني أولاد النساء، في غضون حياتها ينظر النبي ﷺ إليها ويبدأ بذكر محاسنها وفضائلها كأنه لم تكن في الوجود امرأة غيرها . 

    قد استقبل النبي ﷺ وقبل كل من كان يذكر خديجة ويقربها، وكذلك ما روتها عائشة (رضي): أتت ماشطة خديجة إليه، فقال رسول الله ﷺ : من أنت ؟، قالت : أنا جثامة المزينة، فقال : بل، أنت الحسانة المزينة، كيف أنتم ؟ كيف حالكم ؟ كيف أنتم بعدنا ؟، قالت : بخير أبي أنت وأمي يا رسول الله، فلما خرجت قلت : يا رسول الله تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال ؟، فقال : إنها كانت تأتينا زمن خديجة وإن حسن العهد من الإيمان .

فضائل أم المؤمنين خديجة (رضي) ودرجتها 

يجدر بالذكر هنا عن فضائل خديجة (رضي) بسبب أنها زوجة النبي ﷺ وحبيبتها، قد بشرت ببيت في الجنة، عن أبي هريرة (رضي) أنه قال : أتى جبريل إلى النبي ﷺ  فقال : يا رسول الله ...هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرء عليها السلام من ربها ومني وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه، ولا نصب . 

ولها فضائل عديدة من غيرها من زوجات النبي ﷺ  : عن عبد الله بن عباس أنه قال : خط رسول الله ﷺ  في الأرض خطوطا أربعة فقال : أتدرون ما هذا ؟ قالوا : ألله ورسوله أعلم، وقال رسول الله ﷺ : أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون، نالت خديجة هذه الدرجات بوفائها للنبي ﷺ للدعوة وبمساعدتها ومعاونتها إياه بكل من تملك .

في زمن يتطور الإنسان إلى القمة، تتكاثر في الأسرة الخصومات والنزاعات بعذر خفيف ، هناك قدوة وأسوة حسنة في نبينا محمد ﷺ وزوجته الأولى خديجة بنت خويلد (رضي) لأزواج العالم ، كانا يعيشان مع المحبة والمودة والمساعدة معا ، فلينظر الإنسان إلى ذلك الزوجان.