وجود أناس في حياتنا نصيب، والإبقاء على علاقتنا بهم قرار، وإن كنا لايد لنا في النصيب المقدّر فإننا مسؤولون عن قرارنا، وعيوب البدن يسترها متران من قماش، وأما عيوب الفكر فيفضحها أوّل نقاش، وأمراض البدن أهون من أمراض القلوب وسوء الأخلاق.

    فلنحمد الله أن وقانا شرّ أمراض القلوب وسوء الخُلُق، ونحن مخلوقون بداية من تراب، ثم لاحقا من نطفة، وأصلنا في الحالين من طين وماء.

    وأرقى ثياب تستر أبداننا تصنعها دودة من أوراق الشجر، وأشهى طعامنا تصنعه نحلة بوحي لها من ربها بأن تأكل من كل الثمرات سالكة سبل ربّها ذُللا، ومرقدنا – طالت حياتنا أم قصرت – هو حفرة تحت التراب. 

    وجلّ مشاكلنا ثمرة زقومية لكثرة الكلام والنميمة والتحريش بين الناس، والعَجب العُجاب من التماس المرء عذرا لنفسه في كل شيء، وعدم إعذار غيره في شيء. ولاشيء يعدل صحبة الصالحين، وشر المنطق الحكم على الناس بمجرد ظاهرهم، دون معاملتهم، ودون استنطاق ما يخرج من قلوبهم على جوارحهم، فالفراشة على ما حباها الله به من جمال "حشرة"، والصبار رغم مرارته (زهرة) ونحن اليوم ندبّ على الأرض، وغذا نصير في اللحود، وما نرزق به في الدنيا كله إلى زوال، إلا ما أنفق منه في مرضاة الله.

     فلتنظر نفس ما قدمت لغدها يوم تشيب الولدان، وأَنْعِمْ بمن عاش في الدنيا قانتا لله، صائما عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن، راكعا ساجدا، يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه، فنِعْمَ من قدم لحياته قبل فوات الأوان، وفعل الخير محمود، وإن كان مثقال ذرة، وفعل الشرّ ممقوت ولو كان مثقال ذرة، فمُستعظَم النار من مُستصغَر الشرر.

    وليكن أملنا في رزق الله لنا أعظم من كل ما رزقنا به من قبل، ولنأمل في نصيب مما رزق الله به موسى، فلقد آنس نارا ولم يطمح من المخلوقات في أكثر من قبس أو جذوة من النار أو دليلا على الطريق، فإذا به يتلقى نداء ربه (إنني أنا الله، لا إله إلا أنا، فاعبدني، وأقم الصلاة لذكري).

    فهلّا ألقى كل منا عصاه، وسبح في أنوار التوحيد؟ وها هو ذو الحجة يهلّ علينا. فهلا التمسنا نصيبا من رزق الله للخليل إبراهيم؟ فكم هي المسافة بين الابتلاء بالأمر بذبح إسماعيل، وبين الفداء الرباني له، ومنح إبراهيم الخلّة والإمامة، وتكليفهما معا بتطهير بيت الله للطائفين والعاكفين والركع السجود؟  

    فهلّا زرعنا بذور حسن الثقة بما أنزله الله إلينا من خير نحن في غاية الفقر إليه؟ وكما هو التشابه بين لحظة دعا فيه نوح ربه أني مظلوم فانتصر، وحال أمتنا التي تكالب عليها كل ذئاب الأرض، ولم يعد لها في محنتها الراهنة من دون الله كاشفة. واليوم يقبل الله منا مثقال ذرة من خير. فهلّا أخذنا حذرنا من صحبة الظالمين الذين توعدهم الله بأن لا يقبل منهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدوا به؟  

    كل عام وأمتي مصونة بحفظ الله، وأعداؤها يأتيهم وعيد الله من حيث لايحتسبون، ونصر الله قريب.