التكلس والجمود الحضاري لا يفترس الأمم إلا من نافذة الاستبداد السياسي والكهنوتي، المنتج للأمة المتكلسة الآفلة. وتعاني الحضارة الغربية المعاصرة السائدة من سطوة النفس الأمارة بالسوء عليها، التي تؤذن بالغلبة على إنجازاتها المادية الإيجابية، وبإدخالها في نفق التشوه والاستبداد والمظالم والفساد والكهانة الإعلامية والأفول الحضاري. 

ولقد وصل المرض بتلك الحضارة درجة بالغة التقدم، حيث أنجبت فراعنة جدد يتمثلون في الشركات العملاقة، وإقطاعيين جدد يتحكمون في التكنولوجيا ورأس المال، وحولت بقية الشعوب عبيد مسلوبة الحقوق والحريات، بما يصاحب ذلك من توسيع للفجوة بين الأمم، وتفاقم التكلس الاجتماعي والصراع.

وطوق النجاة هو تعميم الوعي الإنساني بـ: الرؤية الكونية القرآنية الحضارية، والسعي إلى مأسستها والتدافع الإنساني على نورها. فذلك هو المخرج من تكلس الداخل الإسلامي ومن مؤشرات التكلس الكوني الذي تنذر به العولمة. 

فتصحيح الرؤية كفيل بالإقلاع الحضاري من جديد، رغم سطوة الفراعنة الجدد وتدليس الكهنة وضجيج أعوانهم ومحاسيبهم، فيما لو صح العزم على توبة الأمم، بخطاب منهجي علمي سنني. 

فالاستخلاف والسببية العلمية صنوان متلازمان. وبالوعي بتلازمهما يتم إزالة العبث الذي لحق بعقل الأمة في لحظة تكلسها الحضاري، وفي الصدارة منها مفاهيم: الجبر والقضاء والقدر، وتستعاد الآصرة الحميمة بين التكوين المعرفي والوجداني للمسلم. فالله لم يخلق الشيطان شريرًا، بل هو الذي اختار أن يكون شريرًا. وكذا حال الإنسان حين يختار الفساد والشر والعلو في الأرض. وما الإرادة الإنسانية في هذه الحياة إلا ابتلاء بالخير والشر. والأصل الفطري هو العالمية. والانحراف الاستثنائي هو العولمة التي هي بمثابة مخدر عتيق في زجاجة جديدة، فهي مجرد التجلي المعاصر لإرادة الهيمنة والطغيان من بعض بني الإنسان على البعض الآخر، سبقتها تجليات إمبراطورية استعمارية استغلالية بشعة المستهدفة للمستضعفين في الأرض، على نحو ينزلق بالعالم وبالإنسان إلى جحيم الفوضى، مع تسميتها خلاقة، وإلى العنصرية واحتكار السلطة والثروات مع تسميتها إصلاحًا وحرية سياسية واقتصادية. 

 وطوق النجاة هو السعي إلى إنقاذ الأمة الإسلامية مما أصابها من انحراف وتشوه لإقامة نموذج للمجتمع العالمي الحر القائم على الدخول في السلم كافة والدعوة إلى الله وإلى العمل الصالح، وإلى الصلاح والإصلاح والإعمار بوصفها جميعًا مبادئ وغايات إنسانية فطرية، في كون قام على الجمال الحقيقي لا الموهوم، وأحسن الله تعالى فيه كل شيء خلقه، ولم يجعل فيه من فطور، ونهى عن تحريم زينته التي أخرجها لعباده والطيبات من الرزق، وأمر بالأكل منها مع تجنب الطغيان، وبالصبر الجميل. وتلك هي صبغة الله. ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون.