سأعطيك خلاصة الخلاصة في الأصحاب والجلساء فخذها عني واشدد عليها وهي دروس مأخوذة من تجارب كثيرة ومواقف وحياة طويلة مع الصحبة والصحاب أكتبها لأول مرة وهي غنية لك عن كتاب كامل في الصحبة.
أولا: لا تجالس إلا من تشعر بجلوسك معه أنه يزيد همتك ويقوي عزيمتك ويشد بأسك هذا الصنف من الأصدقاء مهم جدا بالنسبة لك لأنك بحاجة إلى الشحن المستمر للاستمرار في النجاح وعكسه هو من يزيد في تثبيطك إلى أن تسقط دون أن تشعر والسر هو الجليس.
ثانيا: الجليس الذي تحرص على القرب منه هو الذي تقوم من عنده وأنت تنوي فعل الخير والعزيمة على صناعة المعروف وهذه علامة أظهر من التي قبلها فكل جليس تقوم من عنده وقد انقدحت في ذهنك فكرة خير لا بد من القيام بها فهو هو الذي أقصد .." أرجو أن تكون فهمت" .
ثالثا: الجليس الذي تحرص على القرب منه هو من لا تشعر معه بتكلف ولا كلفة بل عند جلوسك معه تنبسط نفسك وترتاح وتتسع اتساعا عجيبا حتى وإن كنت لا تملك شيئا وهنا ركز على أمرين : الأمر الأول لا تتكلف له فهو ممكن أن يدخل بيتك على فنجان قهوة وأنت بذلك في غاية الأنس والسرور وهو كذلك، الأمر الثاني: تشعر بأريحية عجيبة من الداخل لأن صدرك يتسع عند مجالسته بل بمجرد رؤيته ولا خير في المتكلف الذي تتكلف به والنتيجة يضيق صدرك به، وهنا تنبيه "قد تتكلف بضيف كبير وتكرمه غاية الإكرام وأنت في غاية السرور لكن هذا ليس على سبيل الدوام فلو فعلت ذلك كل يوم لأهلكك لكن حديثي عن الجليس لا عن الضيف فتنبّه لهذا ".
رابعا: جالس من إن جالسته لا تشعر فيك بعيب واحد ليس لأنك بلا عيوب ولا لأنه لا يعلم عيوبك فقد يكون أكثر الناس اطلاعا على عيوبك لكن يقتنص فيك فرص النجاح ويعززها ويعرض عن مساوئك فهو يأخذ مواقفك الجميلة ويقوم بضخ ماء الحياة فيها لتقضي على مواقع القحط السيئة فيك.
فهو يركز على جانب الخير حتى يعظم هذا الخير أمام عينيك وتندفع فيه لتقلّص بعد ذلك تلقائيا من البقع السوداء في حياتك والجانب المظلم فيها لأنه يقدح الأنوار في ظلماتك فيزيلها وما الأنوار إلا أنوارك لكنه يظهرها لك.
خامسا: جالس عفيف اللسان من لا يطعن في أعراض الناس ولا يسفههم فالجليس المنشغل بعيوب الناس أمره عليك خطير وشره مستطير وغالبا تجده يضخم من نفسه وينفخها دوما ويملأ مجلسك بعرض ذاته عليك ويجعل الحديث كله عن تجاربه الفهلوانية ومسائله الخنفشارية بل "أزيدك من الشعر بيت" هذا الجليس خف منه لأنه بتعوده على عرض عيوب الناس في كل مجلس ستكون أنت يوما ما إحدى فرائسه لأن هذا عمله وديدنه فلا حرمة عنده لأحد.
سادسا: جالس من تشعر أنه يحب الخير للناس دعوة وعلما ومعروفا ومشورة وإحسانا وغوثا وهذا الشخص هو أحب الناس إلى الله لأنه دائم النفع لخلق الله فهو يوجّه هذا وينصح هذا ويغيث هذا ويشفع لهذا ويُعلم هذا ويتابع أمر هذا وقلبه مفتوح للجميع لا يضيق من احتياجاتهم منشغل بدلالتهم على وجوه منافعهم ولا تصاحب من احتجَب عن حاجة الناس وبذْل المعروف لهم فهو ضيق العطن قليل النفع تظلم نفسك بين يديه وتكسب من خلقه الضيق فما هو لك بجليس صالح.
سابعا: جالس من يحرص على إكمال النقص الذي فيك ويسعى لتقديم المشورة الأنفع لك وتجده مشغولا عند مجالستك في أمر واحد وهو ماذا يمكنه أن يقدم لك هذا عض عليه بنواجذك ولا تصاحب من يكتم عليك ويتحفظ في تخطيطه لك رغم أنك تعرف أن عنده بعض الحلول والأفكار ولن يعدم حتى مواساة نافعة تجبر القلب وتسكب الرضا فيه وتغمره بالروح والريحان..