طوفان الأقصى "رؤية" لا معركة. وأفق استراتيجي مفتوح على المستقبل، وليس نظرة وقتية رهينة بالمواجهة الراهنة. هو مذهب في التحرر الوطني، وهو منهج في سبيل هذا التحرر. هو رؤية تستند: أولاً على قوة العقيدة والإيمان بالله تعالى، وثانياً على قوة الوحدة والارتباط، وثالثاً على قوة الساعد والسلاح. والعكس غير صحيح. وهنا كل المسألة. وهنا المسألة كلها.
هو مذهب يحدد المقصد بوضوح لا لبس فيه، وهو منهج يحدد الوسيلة بعزيمة وإصرار بلا تردد ولا تراجع.
"طوفان الأقصى"، عموده "قوة العقيدة والإيمان"، وقلبه "قوة الوحدة والارتباط"، وذروة سنامه "قوة الساعد والسلاح".
هذه الثلاثة أركان هي انقلاب شامل وكامل، ليس فقط على حالة الوهن التي أدخلتنا فيها الأفكار الوافدة، والأنظمة المستبدة الفاسدة، والهزائم المنكرة التي أوقعتنا فيها تلك الأنظمة الخائرة، وأدخلت أمتنا فيها منذ مائة سنة على الأقل؛ وإنما هي أيضاً انقلاب جذري على نظريات "قوة الدولة" في العلوم السياسية التي استوردوها وحشوا بها الأدمغة لسنين طويلة، وجرّعوها الأجيال من طلبة العلوم السياسية ومدرسيها على طول أمتنا وعرضها، ولم ينتج عنها خير يُذكر بعد ما يقرب من مائة سنة، وبتنا لا نسمع بعد مائة سنة إلا: "وهن الدولة"، و"الدولة الفاشلة"، و"الدولة الهزوء"، وهراء "الدولة المستحيلة"، و"الدولة الضعيفة"، و"الدولة الغائبة"، و"الدولة الكُهَن"، و"شبه الدولة"، و"اللا-دولة". وتلك هي الأوصاف التي يطلقونها هم–لا نحن–على حصيلة عمليات التحديث ـ لاحظ ـ و"بناء الدولة" في مجتمعات أمتنا في مرحلة ما بعد إسقاط "الخلافة" منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى، على الأقل، وإلى اليوم.
"طوفان الأقصى" انقلاب شامل وصاعق على فلسفة الاستعمار القديم والجديد، تلك الفلسفة القائمة منذ قرنين على سياسة "فرق تسد". إذ ظهرَ للجميع وعلى مدى عام كامل من المواجهة العسكرية غير المسبوقة أن الحد الأدنى من "الوحدة والارتباط"–يسمونها وحدة الساحات–هو قوة، وقوة هائلة، وقوة أكبر مما يتخيلها المقاومون أنفسهم. من غزة هاشم، إلى ضفة العياش، إلى جنوب لبنان، إلى بلاد الرافدين، إلى اليمن أرض الحكمة والإيمان.
ومن قاد هذا الانقلاب الاستراتيجي؟ هل هم أصحاب العروش والجيوش وترسانات أدوات الإبادة والسيادة؟ أبداً؛ بل من "الفئة" القليلة، الذين يظهرون في سُوحِ المعارك كأنهم خرجوا من بطون الكتب التي سطّر فيها أجدادنا أمجادنا في العلم والفتوحات والحضارة والنبل الإنساني حتى وهم يخوضون معارك شرسة مع أعدائهم.
في مصادرنا: أن الإمام الشافعي الذي علم الدنيا أصول التفكير والمنطق السليم وسلامة المنطق، قد ولد في غزة، ونشأ في سنوات طفولته في أسرة فلسطينية في عسقلان، وأن أهل عسقلان يمنيون هاجروا إليها، ثم رحل الإمام إلى اليمن لينشر علمه ومذهبه فيها، ومنها للعراق ثم مصر ليكون مستقره فيها. ألا نستطيع أن نقول إن الإمام الشافعي أول من أرسى قواعد "وحدة الساحات"؟ أليس في طوفان الأقصى نفحة من تلك الرحلة المباركة لواحد من أئمة الأمة الكبار؟
"طوفان الأقصى" أعدَّ رجالُه ما استطاعوا من قوةِ الساعد والسلاح. ومعنى: "استطاعوا" هنا ليس مرادفاً لـ"أضعف الإيمان"، وأضعف الإيمان ليس مرادفاً لـ"أقل القليل"! بل هو يعني أقصى قوة تحت التصرف الفردي والجماعي. هو: أن أبذل القليل الذي في ملك يدي، وهذا هو أقوى ما في الاستطاعة، والفرق كبير بين هذا المعنى ومعنى الشعور بقلة الحيلة وبالضعف. وبهذه الرؤية نفهم "الوعد الصادق" الأول والثاني، ما سيتلوه ويتوسع في كيان أمتنا الممتد من طنجة إلى جاكرتا، ومن غانا إلى فرغانة.
طوفان الأقصى مفتوح على أفق استراتيجي عميق في نفسيات أبناء الأمة وعقلياتهم. قد يستغرق الأمر وقتاً حتى تتكامل أبعاده، ولكنه آت لا ريب في ذلك. بقوة العقيدة وقوة الوحدة والارتباط وقوة الساعد والسلاح، أجلب رجال الطوفان بخيلهم ورَجلهم على أعدائهم فكان الله لهم، وكانت الروح الإنسانية الحرة معهم.
وكان ما رأيناه ورآه العالم–من مقاعد المتفرجين–بطولات أسطورية "من المسافة صفر" (لم يسبق لها مثيل في تاريخ الحروب الحديثة)، وثمانين ألف طن متفجرات وذخائر فتاكة قصفوها على هذه القلة القليلة في غزة وحدها، وخمسة وثمانين ألف كيلوجرام متفجرات لينالوا من قيادة المقاومة اللبنانية. وارتقى شهداء بعشرات الآلاف فداءً لوطنهم وأمتهم والإنسانية الحرة، لتخليصها من هذا الورم السرطاني/الصهيو-أمريكي-أوروبي في بلادنا.
صدق المرشح الجمهوري الأمريكي–وهو كذوب–فيما قاله من أن هذا الكيان سيزول إن لم يفز هو برئاسة قوة الغطرسة والظلم في العالم. ولن ينجح، وسيزول هذا الكيان قريباً بإذن الله. ويوماً بعد يوم يتأكد أن طوفان الأقصى: "روح جديد يسري في أمتنا فيحييها بالقرآن". والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.