لم يظهر في الخطابِ المعاصر تعبير غارق في الوهم نظرياً وعملياً مثل تعبير: "المجتمع الدولي". نظرياً: لا يوجد شيء اسمه المجتمع الدولي إلا على أوراق شا حبة كالحة. تجده مثلاً في ثنايا سطور ميثاق الأمم المتحدة الذي أصدرته الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية سنة 1945م. أو قد تجده بشكل غير مباشر في خلفيات نصوص اتفاقيات جنيف الأربعة من سنة 1949م وما تلاها، أو في الإعلانات والعهود الخاصة بالقانون الدولي الإنساني، ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان  الذي صدر في 10 ديسمبر سنة 1948م، وما أعقبه من إعلانات وعهود لا تساوي- واقعياً- الحبر الذي كتبوها به. ( لاحظ أن تلك الوثائق كلها صدرت في نفس سنوات تأسيس دولة الكيان وإعلان قيامها في 15 مايو 1948م)...
في تلك الوثائق النظرية ــ على شحوبها وكلاحتها وانحيازها الفاضح ضد كل ما هو غير أوربي وغير أمريكي ــ لا يخرج معنى المجتمع الدولي في أحسن التأويلات عن "خمس دول" هي: أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، وروسيا، والصين. وهذه الخمس لا تخرج عن طوع "أمريكا"، والباقي كومبارس في ملهاة مسرح اللامعقول. يعني أن مربط "المجتمع الدولي" هو أمريكا لا غير.  

وعملياً: تجد أن من يناشد "المجتمع الدولي" لعمل شيء، أو لمنع شيء إما: ضعيف، أو قليل الحيلة، أو جبان، أو ذليل، أو من عبيد المال والشهوات، أو من رعاديد السياسة والساسة في البلدان المخذولة والدول الفاشلة والأزلام الذين  لا يملكون من أمر نفسهم شيئاً. هؤلاء هم الذين يملؤون الفضاء صراخاً وصياحاً ونداءً على "المجتمع الدولي".

وإلا: هل سمعت ولو مرة واحدة مسؤولاً أمريكياً أو بريطانياً أو فرنسياً يناشد "المجتمع الدولي"، أو يستغيث به، أو يطلب "سرعة تدخل المجتمع الدولي"؟. هذا هراء طبعا،ً ولن تسمعه من أحدهم أبداً، إلا إن كان يمزح مزاحاً ثقيلَ الظل أمام وسائل الإعلام. 
والحقيقة التي لا تقبل التشكيك هي: أن وهم "المجتمع الدولي" لن يزول طالما صدقناه، وأنه  بدلاً من مضيعة الوقت والاستمرار في غيبوبة هذا الوهم يتعين أن تضع أمام عينيك أمرين لا ثالث لهما:

  1. "مجتمع أمتك" بدوائرها المتنوعة.
  2. ما "تملكه من قوة الساعد والسلاح".

غير ذلك سيظل كل من يناشد المجتمع الدولي غارقاً في الوهم،  وسيبقى "في انتظار جودو" كما في مسرحية صمويل بيكيت. ليس فحسب وإنما سيكون مشاركاً في تخدير أبناء أمته، وتسكين كل عضو حيٍ فيهم ليسهل على العدو ذبحهم ونهب ثروات بلادهم.