من الأخطاء التي نقع فيها في قراءة المشهد السياسي هي حالة الخلط بين الثابت والمتغير في السياسة والنظر على الحقائق في الميدان كصور ثابتة جامدة غير متحركة، على اعتبار ما يطفو على السطح من أحداث تعطي شعورا خادعا بالهدوء أو الاستقرار أو بالكارثة اللا متناهية.
مثلا/الثابت في السياسة هو ميل مجتمع الكيان نحو التطرف ضد حل الدولتين وضد التعايش الساكن مع الفلسطيني هذا ثابت في السياسة يؤخذ منحنى أكثر صلابة وجمود منه للتفكك. أما المتغير هو قوة وقدرة المجتمع وحكومته على فرض أطماعهم وتطلعاتهم المتطرفة على أرض الواقع، وهذه قابلة للتغيير ويمكن اعتماد عامل صمود الموقف الفلسطيني قولا فعلا لإضعاف هذه القدرة واستنزافها مع الوقت.
الثابت في السياسة أن العلاقة بين الكيان وامريكيا عضوية لا تقبل الاختراق او التغيير المتغير هو قدرة أمريكا على تقديم الدعم المفتوح للكيان في المنطقة والمتغير الأهم هو في الجواب على سؤال "من يخدم من؟ ومن يرعى مصالح من؟ "الدعم المطلق معياره الربح والخسارة، وفي حال تحول الكيان إلى عبء ثقيل على أمريكا فسيؤخذ هذا الدعم منحنى تراجعي تدريجي، العامل الأهم فيه هو رفع كلفة الاحتلال على جمهوره وعلى داعميه عبر استنزافه عسكريا واقتصاديا وسياسيا. الثابت الآن الطرح الدولي الرسمي الحالي للقضية الفلسطينية هو حل الدولتين وتجريم الاستيطان والاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة على حدود 67. 
المتغير هو قدرة أو رغبة المجتمع الدولي والغرب الداعم للكيان في الضغط عليه لتطبيقه والتراجع عن الاختراقات لهذا الاتفاق التي يقوم بها منذ أول تنفيذه وفرض واقع جديد ملزم للكيان بالاعتراف بالدولة الفلسطينية وخلق مناخ دولي ضاغط بهذا الاتجاه.
وأهم العوامل المؤثرة في ذلك هو حالة التطرف التي يمل لها المجتمع الصهيوني، وتحركه المستمر نحو فرض واقع جديد على الفلسطيني والمجتمع الدولي يفرغ حل الدولتين من أي مضمون.. أو أي إمكانية لتطبيقه ولو جزئيا. 

عوامل أخرى كثيرة متغيرة وثابتة في السياسة يتجاهلها القارئ الفلسطيني للمشهد بقصد أو بغير قصد ويكتفي بحصر الدور والمسؤولية والعبء على الوضع الداخلي دون دراية حقيقية لإبعاد المشهد و اختزال المشهد الواسع بتعقيداته في معاناة الفلسطيني في غزة وكأنها مشهد مستقل لا يخضع لأي عامل او مؤثر من المؤثرات الخارجية العاصفة.

مشهد المعاناة هو جزء من تراكم الأحداث والمواقف والظروف السياسية والميدانية، ولكنه ليس بداية التاريخ ولا نهاية المطاف، وحركة الأحداث تشي بالعواصف من التغييرات الكبرى، لم يكن السابع من أكتوبر هو بدايتها ولكنه كان شرارة البدء لأخد الأحداث كلها في منحنى من التغيير على عكس ما كان يخطط ويرغب الكيان وأمريكا وفق ما نراه، وأما القراءة الكلاسيكية للمشهد على اعتبار أن الكيان الجيش الأقوى في المنطقة وأن إرادة أمريكا وتصريحات رؤسائها قدر لا يمكن الهروب منه أو مقاومته والتصدي له وأن المنطقة دخلت في العصر الإسرائيلي فيه تجني على الأحداث وفيه استسهال في قراءتها وبالتالي معالجة ومحاكمة خاطئة لها ومناهضة أي سلوك محلي على اعتبار أنه يعاكس هذه القراءة الخاطئة للأحداث ومنطق التاريخ ومستقبل المنطقة.
والأمثلة كثيرة وغزيرة والمراجعات قليلة والأخطاء شائعة وتأخذ طابع المسلمات واليقينيات!