فرصة الحسم حانت، كيف؟ الأمر بيِّنٌ، لأن مكر الله الخير يمدُّنا بفرصةٍ لا تتكرر، فالغدر الحالي مِن إسرائيل وأمريكا منتظَر. وعلاجه -حسب رأيي- يمكن أن يكون فرصة الحسم مع الجيش الإسرائيلي وتكسيح العنتريات الأمريكية، ولكن بشرط الانتقال مِن ردِّ الفعل إلى الفعل، وجعل إسرائيل تضطر إلى رد الفعل، فأمريكا لن تستطيع الدخول في معركةٍ طويلةٍ وتتصور أن الحسم ممكنٌ، بما يسميه ترامب (الجحيم) أي الحرب المطلقة، وهذه إن دخلها لن يخرج منها إلا مهزومًا، كما حصل في كل معارك الغرب مع المسلمين، خسرها كلها، ومكَّن الصين مِن الظهور عليه، مع تفتُّته بين أدناه وأقصاه، فما الاستراتيجية التي اقترحها؟

هي في الحقيقة امتحانٌ للشعوب التي تدَّعي أنها تتمنى أن تُسهم في المعركة، وتنسب خنوعها إلى سطوة الخونة مِن حكامها وعبيدها مِن النخب والشوكتين، أي العسكر والأمن، وهي كالآتي: لا بدَّ مِن ضرباتٍ حاسمةٍ في مواقع الحصار المانعة مِن مواصلته، وفرض ما يحول دُون قدرة الشعوب مِن التدخل في المعركة. فالحصار موجودٌ بين غزة ومصر، وبين الضفة والأردن، وبين سوريا واحتلال الجولان، وبين لبنان وشمال إسرائيل.

لا بد من اختبار الشعوب بهجوم طلائع أو كومندوات غزاوية وضفية بمواجهة فعلية، ولن يكون عدد الضحايا أكثر مما يحصل حاليًا، لأن ما يحول دون ما يطمع به الإسرائيلي -أي الطيران- حينها يكون قد زال بفضل الالتحام المباشر. وطبعًا حينها سنتأكد مما سبق أن بَيَنْتُه، أي الحلف الخفي بين إسرائيل وإيران وأذيالها سيصبح حلفًا علنيًا، كما يحصل حاليًا، فحزب الله يحارب ثورة سوريا لا إسرائيل، وإيران تحارب تركيا لا إسرائيل.

والأنظمة العربية المحيطة بفلسطين -باستثناء سوريا الجديدة- متحالفة مع إسرائيل، وليس مع القضية. ومن ثم؛ فالاستراتيجية التي أقترحها هي العودة بها إلى بدايتها، أي إلى (48)، حتى تتغير اللعبة. فما حصل حينها هو خيانة الأنظمة وعجز الشعوب، بسبب الأمّية. لكن اليوم، الأنظمة في حالة تطبيق هذه الاستراتيجية ستتهاوى، مثل النظام الساقط في الشام، والشعوب فيها اليوم ما يكفي مِن الكفاءات القادرة على القتال، ومِن الأسلحة الكافية لحرب المطاولة.

فلن تستطيع إسرائيل -حتى لو نزل معها الأمريكان- أن تقاوم في خمس جبهات: اثنتان داخل فلسطين (غزة والضفة) دون حسبان البقية، وثلاثة حولها، أي: الشعب الأردني والشعب المصري والشعب السوري. لا بدَّ مِن إرسال فريقٍ مِن جنس الفيلق الذي جعل المسلمين يربحون حرب فتح الشام بقيادة مهندس انتصارات الفتح ضد الإمبراطوريتين (خالد بن الوليد) لإسقاط الحصار، مهما كلَّف ذلك.

سبق أن عبَّرتُ عن ترحيبي بمحاولات التهجير الذي يمكن أن يعيد المعركة إلى بدايتها، لأن وجود الجهاد في سيناء وفي الأردن وفي الجولان سيكون حتمًا بداية النهاية للعنتريات الإسرائيلية. فإذا فرَّطنا في الفرصة الحالية وبقينا ننتظر أن يحصل ما حصل في الشام فإننا نكون ننتظر جودو، ذلك أن فرصة الشام تحققت بفضل الجوار المؤمن، إذ لولا تركيا لاستحال أن يسقط النعجة، فضلًا عن مكر الله الخير الذي جعل روسيا وإيران قد وصلا إلى وضعية تحُول دونهما ومنع ذلك.

لكنهما لم ييأسا، ويحاولان إدخال الشام في الفوضى بتحالفٍ واضح بينهما وبين كل مليشيات إيران في العالم الإسلامي، ومليشيات إسرائيل أي الأنظمة العربية الخائنة التي تحتمي بها وبالغرب. فمن يجعل الشعوب الإسلامية عامةً والعربية خاصةً تحجم عن الاستفادة من الفوضى التي عمَّت الغرب خلال سعي أمريكا للتفرغ للمحيط الهادي لا يمكن أن تتكرر، فانفصال أوروبا عن أمريكا وروسيا قد لا يدوم إذا تحالفت روسيا وأمريكا عليها وعلينا.

فإذا تصالحت أمريكا مع روسيا فسيصبح العالم الإسلامي في وضعية التبعية لمدة قرنٍ آخر، لأن الصين ستضطر لمهادنتهما، ولن تنافسهما منافسةً قد تساعد الشعوب المضطهدة، فنعود إلى القطب الواحد لقرنٍ آخر.