الأملاك الموقوفة من الأراضي والعقارات، والأموال المودعة في البنوك، والمنقولات ذات النفع ـ مثل الموجودة في متحف الفن الإسلامي بباب الخلق، ويرجع أصلها إلى الأوقاف الموروثة وغيرها الكثير والكثير ـ هي شرعًا وقانونًا ملكية خاصة، وليست من أملاك الدولة، ولا هي كانت من الدومين العام في أي وقت من الأوقات.

وقد جرت على ذلك أحكام المحاكم المصرية من أيام المحاكم المختلطة (حكم محكمة الاستئناف المختلطة الصادر في 30/4/1899، وحكمها أيضًا بتاريخ 12/3/1896). وهناك مقالة منشورة في مجلة التشريع والقضاء، السنة 18 بتاريخ 28/12/1905، تناقش سؤالًا يتعلق بتحقيق المركز القانوني للأوقاف، وانتهت المناقشة إلى أنها ملكية خاصة... وكانت المحاكم المختلطة في تطبيقها لأحكام الشريعة بشأن الوقف ومعاملته معاملة الملكية الخاصة تستند إلى نص الفقرة الثانية من المادة 77 من القانون المدني المختلط (المدني القديم) أيّام الاحتلال البريطاني البغيض. وكانت هذه المادة تنص على أن الشريعة تُعتبر قانونًا إقليميًا واجب التطبيق في مسائل الوقف أيا كانت جنسية الواقف وأيا كانت طائفته، مسلمًا أو غير مسلم من أهل مصر.

واحترمت كافةُ القوانين التي صدرت في مصر الحديثة حتى اليوم هذه الخصوصيةَ لأموال وعقارات ومؤسسات الوقف، ولم تدمجها في أملاك الدولة (تُراجع في ذلك بحوث ودراسات الدكتور العلّامة محمد كامل مرسي، والدكتور العلّامة عبد الرزاق السنهوري، وكتابي عن الأوقاف والمجتمع والسياسة في مصر طبعة دار الشروق وطبعة مدارات للأبحاث والنشر 2016م).

وأوضح دليل على أن أعيان الأوقاف يحميها القانون باعتبارها ملكية خاصة هو أن ميزانية هيئة الأوقاف المصرية (تأسست الهيئة في سنة 1971) يظهر في حسابها الختامي سنويًا مبلغ مدفوع لمصلحة الضرائب العقارية على الأعيان التي تديرها الهيئة، وهذا يعني أنها أموال خاصة، إذ لا ضرائب عقارية على الأموال العامة المملوكة للدولة.

كما أن فتاوى مجلس الدولة بشأن منازعات الأوقاف قد درجت على بقاء صفة الأوقاف الخيرية باعتبارها أشخاصًا معنوية خاصة تخضع للضرائب كما يخضع الأفراد (انظر مثلًا فتوى المجلس / قسم الفتوى والتشريع ـ ملف رقم 6 برقم 37/2/82 ــ 916). وكمثال فقط: فتواه بتاريخ 30/12/1959 حول استحقاق رسم الدمغة على أوراق وزارة الأوقاف الخاصة بمؤسساتها الخيرية الإدارية، حيث أكدت الفتوى على أن إدماج ميزانية وزارة الأوقاف في ميزانية الدولة لم يغير صفة الأوقاف باعتبارها أشخاصًا معنوية خاصة، تخضع للضرائب كما يخضع الأفراد. وأن إدارة الوزارة لها يجب أن تكون على قاعدة الالتزام بما قرره فقه الوقف من قديم، وهو "أن شرط الواقف كنصّ الشارع في لزومه والعمل به".

ومن قديم، كان الفقهاء يفتون بعدم جواز إعفاء الموقوفات من "النوائب" (نوع من الضرائب غير المنتظمة كانت السلطات تفرضها لمواجهة حالات الطوارئ والكوارث)، أو "العشور"، أو "الخراج". وعلّلوا ذلك بأن إعفاءها قد يُغري السلاطين بالاستيلاء عليها بحجة أنها أموال عامة لا ضرائب عليها من جهة، ولأنها كوقف لم تخرج عن حكم الملكية الخاصة، وحتى لا يتخذ الراغبون في التهرب من تلك الرسوم والنوائب الوقف وسيلةً لذلك التهرب من جهة ثانية، ولأن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، "فلا تطيب غلة الوقف" وعوائده وريوعه إلا بعد دفع ما عليها من خراج ونوائب أخرى من ناحية ثالثة، على ما قرره شمس الأئمة السرخسي في كتاب المبسوط في الفقه الحنفي.

هذا عن المركز القانوني للأوقاف (الموقوفات التي تديرها هيئة الأوقاف)، والقصة طويلة وتتجدد فصولها منذ سبتمبر 1952، عندما صدر المرسوم رقم 180 لسنة 1952م، ذلك المرسوم الذي أسس لانهيار الأصول الاقتصادية لشبكة التضامن الاجتماعي، وهدم قلعة استقلال تمويل مؤسساتنا غير الحكومية، وفتح الباب لتغلغل التمويل الأجنبي في أحشاء المجتمع بحجة دعم المجتمع المدني.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.