هذه المنطقة لن تهدأ.. فقد دخلت بالفعل في حالة الصدامات المباشرة وانكشاف المشاريع، وكأن الفترة الماضية كانت كلها مراحل تحضير واستكشاف بالنار، بما فيها حرب الهند وباكستان المختصرة والعدوان الأمريكي الصهيوني على إيران.
ربما تهدأ جبهة غزة لفترة.. شهرين أو أكثر أو تمتد لمدة أطول من ذلك، لكن لا تزال الأفكار المطروحة للتسوية لا تخلق حالة من الاستقرار ولا تقود إلى تبريد المنطقة، ولن تفضي حتى لو طبع الشرع وعون وبن سلمان ودول عربية أخرى.
الضفة والأقصى في عين الاستهداف، والعمل هناك على قدم وساق، ولا يتفاجأ أحد من الاستيقاظ على مشهد هدم المسجد الأقصى.. ولن تكون مفاجأة إذا كانت هذه الحادثة ترند يستمر مع الجمهور العربي لساعات أو لبضعة أيام، وبعدها يطويه ترند ألبوم عمرو دياب الجديد أو تاتو الديفا هيفا!
هذا الصراع يحدد الآن من هم أصحاب المشاريع الكبرى "الفرقة الناجية" ومن هم فرقة الاستهلاك المفرطة في الانغماس بالذات.. وهذا الفرقان لن يكون ثمنه رخيصًا ولا مخاضًا سلسًا بلا وجع، فكل المسكنات التي كان العدو والاستعمار يستخدمها في تخدير الوعي الجمعي للأمة لن تعد تجدي نفعًا أمام هذا الوجع والصدمات الكبرى.. وشعور اللذة المؤقت وتجاهل الحرائق التي تلتهم الأرض والمقدرات سينتهي بطريقة تراجيدية ستكون صادمة للبعض لأنهم ببساطة لم يتحسسوا الخطر.. بل وفي لحظات سخروا منه وظنوا أنهم بمعزل عنه.
المنطقة دخلت بالفعل في طور التشكل إيذانًا بميلاد جديد تتبدل فيه الخرائط والمسميات، وتنهار فيه أنظمة وتسقط فيه عروش، الأكثر استعدادًا وجهوزية هو الفائز والمنتصر، الأكيد أن الكيان لن يكون له مكان في هذه المنطقة مهما خدع البعضَ علوُّه الحالي ويده الطولى، فهو يتصرف من منطلق الذعر الوجودي، وهذا يفسر سعاره واندفاعه واستعجاله الحسم.. لكنه يملك طموحات أكبر بكثير من حجمه وقدراته، وفي لحظة ما، وهي قريبة، لن ينفعه الاستجداء بالغرب حين ينكفئ المستعمر الأكبر وينشغل في ذاته.. لكن سيكون على الأمة أن تختار بين أن تستثمر هذه الفرصة لصالحها أو تنخلع عنها هيمنة الأمريكي وحبسه، وتدخل في طور عبودية وتطويع لمستعمر جديد، كما حدث بالفعل بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية.