"كيف ما كنت بحبك .. بجنونك بحبك" "حبة من ترابك بكنوز الدني .. بحبك يا وطني" هذه الاقتباسات من أغنية فيروز، التي تبدو وكأنها تلامس فائض المشاعر في لحظات الرخاء، ولا متسع لها في الحروب والتجويع. لكن اليوم، هذه الكلمات والكثير من الشعارات الحالمة والرومانسية تجاه الأرض والوطن، ليست شعوراً عابراً أو استحضاراً لذاكرة القلب ولحظات نادرة لا تزال تختزنها الروح رغم هول النزوح وخطر الموت بعد كل هذا الوقت من الحرب.
بل هي حالة راسخة في وجدان وقلب الكثيرين، ممن فتحت لهم الأقدار مسارات أخرى أقل شقاءً وأكثر أمناً وسلاماً، بلا خطر الملاحقة والموت، وبلا حالة لا تنتهي من تهديد الاستقرار في أبسط حاجات الإنسان: أمنه وغذاؤه. ولكنهم اختاروا الخيار الأصعب والأقرب للقلب والمشاعر واليقين، البقاء والتجذر وتحمل كل المخاطر. وما قيمة الحب ما لم تصدقه الأفعال! وما وزنه بلا رصيد من الوفاء؟ فالالتزام هو الوقود الذي يشعل جذوة الحب، وهو شط العاشقين إلى بحر المعجزات.
اليوم، لم يعد من غزة الجميلة التي حفرت في أعماق قلوبنا إلا بعض الشوارع وبقايا الذكريات، ومع ذلك لا نزال نبصرها بنفس اللهفة والاشتياق، وتحرك القلب كل أغاني الحب التي ارتبطت باسمها واسم الأرض والوطن.
واليوم نؤكد صدق حبنا لغزة ونؤكد سحرها وجاذبيتها وألقها وجمالها في قلوبنا قبل جوارحنا في كل أحوالها. والتزامنا تجاهها أن نجعل دائماً لهذا الحب رصيداً من الفعل، استناداً إلى الظروف، فلا نهجرها حتى لو أُعدمت فيها الحياة. وعهد علينا أن نعيد لها صورتها الأولى إذا ما وضعت الحرب أوزارها، وأن نحمل على عاتقنا مسؤولية الثأر لها وحريتها، ولا نموت إلا على عهدنا ووعدنا لها.
حتى إذا ما مرّ في خاطرنا، أو في قائمة أغانينا الطويلة، صوت فيروز: "وطني وحياتك وحياة المحبة"، انتفض في أعماقنا ذات الإحساس، وذات الحنين، وكأنه ترياقنا على وجع الحرب وهول المخاطر، وزادنا للمزيد من الصبر والثبات. لأجل غزة التي نحب، بهية كيفما كانت وكيفما تكون.