وصيتي الدائمة لأفراد عائلتي وفي محاضراتي أن لا تتركوا اليأس والأسى يشل إرادتكم لما ترونه من صور الإبادة الجماعية والقتل بالقصف والجوع والعطش والأمراض وصور التشريد والإهانة والتحطيم النفسي لأهلنا في غزة، ولا تسمحوا للغضب أن يفقدكم توازنكم أمام المشاركة الغربية الأمريكية الكاملة في الجريمة، وما يقابلها من خذلان النخب والحكومات في العالم العربي الإسلامي لهؤلاء الأبطال الذين يقاومون الاحتلال ببسالة لم يعرف لها التاريخ مثالا، ولهذا الشعب الذي يقدم التضحيات التي لا تطيقها الجبال من أجل التمسك بأرضه وبلده. 

وإنما حوّلوا الحزن والغضب إلى عمل دائم وثابت ومؤثر ومستمر لنصرة فلسطين وأهلها بما يحقق التحرير حينا، أو بعد الحين. 

لقد قدم أهل غزة كل شيء، ولم يبق شيءٌ يُطلب منهم أكثر مما يقدموه، إنهم يقاتلون ويصمدون من أجل بلدهم ومن أجل الأمة العربية والإسلامية، بلدا بلدا، ومن أجل البشرية كلها، فإن أعجزوا الصهاينة فذلك طريق التحرير، وتلك هي نهضة الأمة، وذلكم هو تحرير العالم من الأقليات الاستعمارية التي تسيطر عليه، وإن كانت الأخرى - لا قدر الله - فسلام على القدس وفلسطين إلى حين، وستعيش بلداننا، كلها دون استثناء، ذليلة تحت هيمنة "إسرائيل الكبرى"، إلى قرن مقبل سيكون "قرن المهانة"، وستشتد قبضة القوى الشيطانية المسيطرة على أرزاق الناس وعقولهم وحكامهم في العالم نحو حتف البشرية كلها. 

أنا متفائل جدا بأن الطوفان حالة سننية ستنتهي في الأخير لصالح تحرير فلسطين والأمة والبشرية. إن الله قادر على تحقيق النصر دون أسباب، وهو خالق الأسباب، وإنما يبتلينا الله لنسير على خطى من اصطفاهم الله في غزة لهذه المهمة العظيمة وفق قوله تعالى في سورة محمد: ((ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ۗ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) )). 

إن أصناف النصرة كثيرة، ينتقل الصادقون بين أصنافها صنفا صنفا بقدر فرصهم واستطاعتهم، وإن حملات كسر الحصار لمن أعظم الأصناف، فلا هي تهوّر ولا استعراض ولا تبذير للمال، كما يتشدّق به المخذّلون، إنما هو جهاد في سبيل الله فيه من الفوائد عظيمها وأكثرها نفعا للقضية. 

علاوة على أنه الطريق الذي يسلكه الغاضب الحزين ليلتحق بأهل غزة، نصرة وإغاثة، سواء وصل أم لم يصل، عذرا بين يدي ربه، سواء رجع إلى أهله أم لم يرجع. 

وهو كذلك النبأ العظيم الذي يفرح به المظلومون إذ يدركون أن ثمة من إخوانهم في الدين وفي الإنسانية من يكترث لحالهم ويركب المخاطر لإغاثتهم.

وهو فضيحة صارخة تعرّي الصهاينة وحلفاءهم الظالمين بين الناس أجمعين، وحجة كاشفة على المنافقين والمتخاذلين، وهو دليل على بقية باقية من الحياة في المسلمين، ومن ضمائر الناس في العالمين، من ركب الأسطول فسار بنفسه لمقابلة العدو لعله يصل إلى الأحبة، أو الذي فكّر ونظّم وجهّز وشرح، وروّج للخير وفرح بالمنجَز ودافع عمّن ركبوا وسهر على بعث الأساطيل حملة بعد حملة، أو دعا وشجّع من بعيد، أو على الأقل لم يثبّط ولم يلمز النشطاء ولم يتّهمهم.

إننا ونحن نستعد لركوب السفن إلى غزة، قائلين "لبيك غزة"، متوكلين على الله، نتوقع المحاسن كلها، إما أن نصل غزة ونسلِّم اليسير من مواد الإغاثة، أو يقطع طريقَنا الصهاينة فيصيبنا شيء من العدوان ثم نرحل لبلداننا أكثر عزما على العودة كما كان حالنا مع إخواني في سفينة مرمرة عام 2010 وما لحقها من محاولات أخرى مع نشطاء آخرين عديدين كان آخرها سفينة حنظلة، أو يُلقى علينا القبض ويطبق الصهاينة تهديدهم الذي أطلقوه هذه المرة بإبقائنا في السجون فننال شرف الأسر من أجل أقدس قضية، ولو كنا لذلك كارهين، سائلين الله أن يرزقنا الصبر والثبات والرضا والتحمل حتى يقضي الله ما يشاء فينا، ونساهم إلى ذلكم الحين في تعظيم متاعب الظالمين ورفع معنويات المظلومين وتحريك شبكات عالمية من النشطاء والمتعاطفين، أو أن يُعجّل الله لنا بالشهادة التي هي أسمى أمانينا كمثل السائرين على درب الدعوة إلى الله والعودة الحضارية للأمة، وتحرير فلسطين والأمة والبشرية أجمعين، ولعل دماءنا تكون وقودا لتحريك الشعوب نحو عالم أفضل أكثر رحمة وعدلا، يكون فيه المسلمون أعزاء ظاهرين. 

إن الصهاينة خاسرون في كل هذه الحالات، ولئن كانت سفن صغيرة محدودة العدد قد ألهبت مشاعر الناس وفضحت الوجه القبيح للكيان فإن الغزوة المباركة التي يخط طريقها في البحر سفن هذا الأسطول الكبير من شأنها أن تقرّب سقوط الطغيان .. هكذا ينبغي أن يكون الأمر، وهذا الذي يجب على المسلمين والنشطاء والأحرار في العالم الذي يسندون الحملة ولم يركبوا السفن أن يعملوا من أجله معنا وبعدنا.