فوق منصّة خشبية، كانت تقف بثقة كبيرة، ترسم ابتسامة على شفتيْها وهي تروي للمئات من الحضور تفاصيل تلك المرحلة المفصليّة من حياتها، وكيف قُلبت أحلامها ومخططاتها رأسًا على عقب في لحظة واحدة، وأوشكت على إثرها دخول عالمٍ من العزلة والاكتئاب.
تقول تلك الفتاة التي تدعى "إيمي بوردي"؛ أنّها لم تكن تتوقف عن الحلم منذ طفولتها بأن تصبح بطلة في رياضة التزلّج على الجليد، وفي مخيّلتها حاكت قصصًا عديدة هي بَطلتها، وعلى مدار تلك السنوات كانت تنتظر بفارغ الصبر تخرجها من الثانوية العامة لتحقق ما تريد، ولقد فعلت ذلك حقًا، ففي اليوم التالي لتخرجها، انطلقت "ايمي" بشغف وحيوية وبكل قوّتها نحو تحقيق حلم الطفولة الذي لم تضع في حسبانها مطلقًا وهي ترسم تفاصيله الصغيرة، بأنها ستفقد ساقيها، فذاك الحلم الوليد المتغلْغل في روحها وتفكيرها، لم يكن يتجاوز عمره عدّة أشهر، عندما أصيبت "ايمي" بالتهاب السحايا الجرثومي، الذي تسبّب في بتر ساقيها من أسفل الركبة وفقدان كليتيها وطحالها، وسمعها في الأذن اليسرى!
تقول هذه الشابة: "كنت أرقد على سرير المستشفى، داخل غرفة العناية المركزة متّصلة بالعديد من الأجهزة الطبية، وقال الأطباء آنذاك إنّ نسبة نجاتي لا تتجاوز 2%"، ولكن قدّر الله لـ "صاحبة الحلم" ألا تفقد حياتها، وبصوت مرتجف وصفت نفسها لمستمعيها بـ "الدمية القطنية التي جُمعت أجزاؤها، كنت محطّمة نفسيًا وجسديًا عندما حان موعد خروجي من المشفى". إلّا أنّ سؤالا تُكنّ له فضلا وأهمية كبرى في تغير مجرى حياتها للأبد، سألته لنفسها ذات يوم بعد مرور نحو أربعة أشهر -كما تخبر الحضور- وهو: "لو كانت حياتك كتاب وأنت المؤلف، كيف كنت تريد لقصتك أن تحدث؟".
هنا أيقنت "إيمي" -التي حصلت فيما بعد على جائزتي العالم للتزلج، والميدالية الفضية للبطولة البارالمبية (للأشخاص ذوي الإعاقة) في التزلج على الجليد، عام 2011- أنّ عليها العودة مجددًا لممارسة التزلج وللحياة الاجتماعية والأهمّ أن تحب وتقدر "إيمي الجديدة"، وتنظر للإيجابيات في هذه العقبة الكبيرة التي تعرضت لها دون سابق إنذار.
وبدأ فصل جديد في حياتها، كان مليئًا بالمتاعب والفشل والألم، تَذكُر أحدها؛ بأنها في أول يوم لها للتزلج بالأقدام الاصطناعية، اصطدمت بعدد كبير من المتزلجين وسقطت أرضًا، فيما بقي ساقاها مثبتين على لوح التزلج، وسقطا أسفل جبل الجليد، "لقد كان موقفًا صادمًا ومحرجًا للغاية أمام كل الناس".
لكن هذه التحديات هي التي خلقت في روحها الابتكار والعزيمة، تقول "إيمي" : إننا في وقت الأزمات والتحديات نكون أمام خيارين لا ثالث لهما، فأما الأول:" أن نستسلم في منتصف الطريق"، والثاني "أن نصبح مبدعين"، "ولو عاد بي الزمن مرة أخرى فلن أتمنى تغير تلك التفاصيل، فبسبب المرض أصبحت قويّة مبدعة".
يستحضرني هنا عزيزي القارئ مثل ياباني جميل يقول: "اسقط سبع مرات وانهض ثمانية"، إنّ حروف هذه الحكمة تبثّ في النفس التحفيز على النهوض مجددًا مهما كانت قوة السقوط وقسوة الواقع، ربما لن يكون سهلا في بداية الأمر، لكن تأكد تماما بأنك تستطيع فعلها عندما تقرر ذلك، يجب أن نكون على قناعة وعلم:
بأنّ حياتنا لا تخلو من الابتلاءات والعقبات المستمرة، على اختلاف صعوبتها وخيبات الفشل والفقدان والحزن وغيرها، لكن ما نحتاجه دومًا هو معرفة الأسباب لنعرف ما هي الخطوة التالية، أَوَليس معرفة سبب المشكلة هو نصف الحل؟!
علينا أن نصغِ لأنفسنا في وقت خلوة، نتعرف أين مكامن القوة لدينا وأين عناصر الضعف ونقوّمها، لكي نصل إلى ما نريد، إن آمنت بذلك فثق بأنك ستصل إلى حيث تريد، مهما كانت العقبات، وتذكّر بأنك أنت طبيب نفسك الأول.