في العاشر من ديسمبر ( كانون الأوّل) 2014م؛ تمّ بثُ أولى حلقات المسلسل التركي قيامة أرطغرل، الذي تناول سيرة وحياة والد مؤسس الدولة العثمانية الأميرُ الغازي أرطُغرُل بك بن سُليمان شاه؛ ومنذ تلك اللحظة تعلقت الجماهير العربية والإسلامية بالمسلسل الذي ذاع صيته في أصقاع المعمورة، ليحيي أمجاد المسلمين في القرون الغابرة ويبعث الأمل في قيامةٍ جديدة للأمة الإسلامية، وعلى مدار خمس سنوات رافق أرطغرل عقول المتابعين؛ وبالأمس، تزامنًا مع الذكرى السادسة والستين بعد الخمسمائة لفتح مدينة القسطنطينية، أسدل الستار على المسلسل الأكثر متابعةً، وهذا ببثّ الحلقة 150 لتكتمل بذلك خمسة مواسم من نجاح العمل داخل البلاد وخارجه.
من هو الغازي أرطغرل الذي خطف قلوب العرب والمسلمين؟
«أرطغرل» ذلك الاسم الذي لم يكن يعرفه إلّا القليل جدًا، أصبح الآن اسمّا ذائع الصيت؛ بسبب المسلسل الدرامي الذي يحمل إسمه ويروي قصته.
تبدأ قصة حلم أرطغرل في تأسيس إحدى أعظم الدول الإسلامية في التاريخ سنة 626هـ (1229م) برحلة "هجرةٍ" اعتادت قبيلة الكايي عليها؛ ليجدّ أرطغرل وعشيرته أنفسهم وسط معركة محتدمة، بين جيشيْن غير معلوميْن بالنسبة لهم. يتدخَّل أرطغرل وفرسان عشيرته بدافع الانتصار للضعيف، عندما يرون أحد الجيشيْن وقد أوشك على سحق الآخر، فيقلبون بقوتهم ومهارتهم في القتال، كفتيْ الميزان، وينتصر الجيش الضعيف، ويفر فلول خصمه لا يلوون على شيْء، ليبدأ فصلٌ جديدٌ في حياة أرطغرل وعشيرته، بعد أن كان الجيش الذي إنتصر له أرطغرل وقام بإنقاذه هو جيش السلطان السلجوقي علاء الدين كاي كوباد، والذي كافئ عشيرة أرطغرل بسخاءٍ، فأقطعهم بعض الأراضي قرب أنقرة، على الثغور القريبة من الحدود البيزنطية، وذلك ليتولوا الدفاع عن الدولة ضد البيزنطيين.
إستمر أرطغرل طيلة نصف قرنٍ في الدفاع عن الدولة السلجوقية بتأسيس مدينة سوغوت التي شهدت إزدهارًا كبيرًا تحت إمارته، كما استمر في غزواته ضد البيزنطيين والمغول، ومع السقوط التدريجي الذي بدأت تعيشه دولة سلاجقة الروم، التي كان أرطغرل يدين بالولاء لها، وجد أرطغرل وعشيرته أنفسهم يعيشون استقلالًا نسبيًا، ووفّر لهم حرية أكبر في الحركة والتصرف وتنفيذ الخطط السياسية والحربية.
توفي أرطغرل في سنّ التسعين، في حدود عام 687 هـ (1288م) بعد أن أفنى حياته في الجهاد ضد الروم والبيزنطيين وتأسيس نواة دولةٍ تجمع القبائل التركية وتوحدها، ليخلفه ابنه عثمان الأول، والذي تمكن من تجسيد الحلم بتأسيس الدولة العثمانية، حيث سار على نهج أبيه في الجهاد ضد الروم، وزيادة قوة دولته سياسيًا واقتصاديًا وإداريًا واستولت جيوشه على المزيد من القواعد البيزنطية بالأناضول، ومن أهمها يني شهير، وضيّق الخناق على نيقية القريبة من القسطنطينية، وقد تعاقب نسل أرطغرل على حكم تلك الدولة ستة قرون من الزمن.
وداعًا قيامة أرطغرل.. ومرحبًا بقيامة عثمان!
ينطلق مجموعة من الفرسان بقيادة أرطغرل ورفاقه، بإتجاه الشرق ثم يصدح صوتٌ عذبٌ يتلو «سورة الفتح»، كانت هذه مفاجأة المشهد الأخير من مسلسل قيامة ارطغرل، ليرسم مهمة جديدة لأرطغرل، هذه المرّة ليست غارةً على المغول أو البيزنطيين، بل هي مهمة توحيد صفوف العالم الإسلامي، وإنقاذه من التفرق، والانتقال به لمستقبل مشرق، ونجح أرطغرل في التخلص من أبرز أعدائه المغول بالقضاء على القيادي البارز آراك بوكا وكيات العميل الذي خان القائد المغولي المسلم بركة خان، لتتم عملية التفاهم بين الأخير وأرطغرل من أجل استكمال وحدة صفوف المسلمين أمام خطر المغول بالمنطقة.
خلّف مشهد نهاية مسلسل قيامة ارطغرل إعجاب الكثيرين، بعد 150 حلقة، سافروا من خلالها عبر الزمن إلى بدايات الخلافة العثمانية في القرن الثالث عشر للميلاد والتي عمّرت ستة قرون وسطّرت من خلالها أمجاد المسلمين، توزعت حلقات المسلسل على خمسة مواسم، كان النجاح وارتفاع نسب المشاهدة ميزتها، وقد رسمت الحدث محليًا ودوليًا، بعد أن شاهدها قرابة ثلاثة مليارات شخص في العالم من بينهم أكثر من 200 مليون عربي، وبثت عبر شاشات تلفزيونية لأكثر من 85 دولة، كما قد تمت ترجمته لعدة لغاتٍ، حقق المسلسل نجاحًا كبيرًا على مستوى العالم العربي، وقد أحيا آمال المسلمين من جديد في تجسيد الخلافة الإسلامية التي إنتهت سنة 1924؛ مع إعلان مصطفى أتاتورك قيام الجمهورية التركية.
أسدل الستار عن «قيامة أرطغرل» وتُفتح الستارة مجددًا العام المقبل، مع مسلسلٍ جديدٍ «قيامة عثمان» يحكي بطولات ابنه عثمان مؤسس الدولة العثمانية.
1- محمد سهيل طقوش؛ كتاب تاريخ العثمانيين من قيام الدولة إلى الانقلاب على الخلافة
2- محمد فريد بك؛ تاريخ الدولة العلية العثمانية.
3- بعد 150 حلقة.. مسلسل "قيامة أرطغرل" يودّع متابعيه