تُعرّف العلمانية بأنها عبارة عن مجموعةٍ من المُعتقدات التي تُشير إلى عدم جواز مشاركة الدين في المجالات السياسيّة والاجتماعيّة للدول، وكذا بالنظام الفلسفيّ الاجتماعيّ أو السياسيّ الذي يَرفض كافة الأشكال الدينيّة من خلال فصل المسائل السياسيّة عن عناصر الدين، ومن تعريفاتها أيضا أنّها تمثل الآراء التي تسعى إلى استبعاد الأُسس الدينيّة عن كافة الشؤون المحليّة المدنيّة للدول.

 

نحن كشعوب مسلمة بعيدون كثيرا عن الإسلام، لأننا لا نعمل به كنظام يشمل جميع تفاصيل الحياة، وهذا مما علمونا إياه في مدارسنا وجامعاتنا، أين شجعونا  على الاجتهاد في الدراسة حتى نتمكن من الالتحاق بكليات القمة المعروفة في بلادنا، ليقال أن فلانا قد دخل كلية الطب أو الهندسة أو غيرهما، ثم نتخرج، نعمل ونجني مالا، ثم نتزوج ونؤسس أسرة، ليدخل أبناؤنا أيضا في هذه الدوامة من جديد!

 

لم يقولوا لنا اجتهدوا في دراستكم لأنها عبادة! لم يقولوا لنا ادخلوا الكليات حتى تضيفوا إلى علمها المزيد! ولم يوجهونّا للدخول في الكليات بغاية أن نخدم ديننا ووطننا! لم يحددوا لنا أي المجالات تحتاج الأمة وفرة في كوادرها! بل اكتفوا بغرس أكذوبة "كليات القمة" في عقولنا. 

 

 فتخرَج ملايين الأطباء والمهندسين، ولكن ما زلنا نتذيل الأمم لتخلفنا في العلوم الأخرى التي أهملناها وأُبعدنا عنها، لم يُخبرونا بأن الدراسة لله، عملنا لله، وبأن كل ما نقوم به  يجب أن يكون لوجه لله فقط، ليس لأجل أنفسنا أو لأجل حياتنا الدنيا، وفي هذا يقول تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لَوْ كَانَت الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّه جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْها شَرْبَةَ مَاءٍ) [1] أنفّعل كل ما نفعل لأجل جناح بعوضة! ليّتهم علمونا هذا.


 

بماذا يهتم شباب المسلمين اليوم؟ مالذي يشغل بالهم؟ ما هدفهم في الحياة؟

جُلّ الشباب ليس من أهدافهم أن يكونوا أعمدة يقوم عليها الإسلام، ولا أن يكونوا من الكوادر التي يفتقر إليها الإسلام حاليا، جُلّهم يهتمون بحياتهم أكثر من آخرتهم، فنرى من شغلهم الشاغل هو كيف أحصل على المال؟ كيف أجد عملا؟ أريد أن أتزوج، أريد أن أعمل في أفضل الشركات، ومنهم من أقصى طموحه في الحياة الهجرة من بلاده للحصول على جنسية أخرى ليحيا حياة كريمة قد افتقدها في بلاده..هذا ليس بجُرم! ولكن ماذا لو كان همهم هذا خالصا لوجه الله؟ ماذا لو كان همهم إعداد أنفسهم ليصبحوا قادة قد يحتاجهم الإسلام في وقت من الأوقات؟

لقد استطاع الغرب غرس فكرة العلمانية في عقولنا، فهو يعتبر أنّ الطريقة الوحيدة التي تُمكنه من القضاء على الإسلام هي استخدام المسلمين أنفسهم. بعد الاستعمار وسقوط الخلافة الإسلامية، استطاع الغرب إدخال أفكاره السامة إلى عقول الشباب المسلم بمسمى الحرية الشخصية وتقرير المصير، بعيدا عن الدين وأحكامه، قد استطاعوا هدم قيم الإسلام في نفوسنا، وتخريج جيلٍ بل أجيال من الشباب البعيدين عن دينهم، المنسلخين عن هويتهم الإسلامية والمنفتحين جدا على الثقافات الأخرى.

قال الدكتور محمد الجوادي "لم تأت جيوش الغرب إلى أوطاننا لنهب الخيرات فحسب، بل لهدم قيم الإسلام في نفوسنا أيضا، لقد حققوا نجاحا بالفعل، أصبح منا راقصة مسلمة، سّكير مسلم، وجيل لا ينزعج من رؤية زوجته عارية في البر والبحر، لا ينزعج من دفع رشوة أو تلقيها أو أن يشهد زورًا، منا من يحتفل بعيد الفطر في قاعات سينما، وبعيد الأضحى في الحانة، لا يدخل إلى ملجأ ولا مسجد، هذه الفئات المغتربة تقاوم استرداد  الهوية عن جهل أو نيابة عن الغرب."

أصبح لدينا أكثر من مفهوم للإسلام، المعتدل أو المتطرف، كل فئة تخترع إسلاما يناسب أهوائها. شتتنا ديننا بهذه المسميات التي أملاها علينا الغرب: الإسلام السياسي، الإعلام الإسلامي، الرقص والزي الإسلامي، بيد أن الإسلام نظام متكامل يشمل جميع تفاصيل الحياة، الإسلام واحد، كذا أحكامه وتشريعاته واحدة، لا تتغير ولا تتبدل حسب أهواء الناس.

كتب الأستاذ سيد قطب -رحمه الله- : [2]  "الأمة المسلمة ليست أرضا كان يعيش فيها الإسلام، وليست قوما كان أجدادهم يعيشون في عصر من العصور بالنظام الإسلامي، إنما الأمة المسلمة جماعة من البشر تنبثق حياتهم وأوضاعهم وتصوراتهم وأنظمتهم وقيمهم وموازينهم كلها من المنهج الإسلامي، وهذه الأمة بهذه المواصفات قد انقطع وجودها منذ انقطاع الحكم بشريعة الله من فوق ظهر الأرض جميعا".

نحن اليوم سباقون لمحاكاة الغرب وتقليدهم، لا يظهر عندهم أمر إلا ونقلده، للأسف، لا نأخذ منهم العلم والتقدم في الصناعات، بل  نقلد كل ما هو رديء وسيء، آخرها رقصة كيكي التي ملئت شوارعنا!

انشغل بعض الشباب بقصص الحب الذي أصبح في قمة أولوياتهم، يشاهدون مجريات المسلسلات ويحاولون تقليدها، انشغلوا بدنياهم وتركوا العمل للآخرة، سارعوا إلى طلب الرزق، بينما أمرنا سبحانه أن نسارع إليه ثمّ نمشي في طلب الرزق، فقال تعالى: "وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ" [3]، وقال: "فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ" [4]، نحن عملنا بعكس ما أمرنا الله، فأصبحت حياتنا منقلبة رأسا على عقب.

يجب أن تكون حربنا الأولى على نفوسنا وأهوائنا، فهما أكبر عدو لنا في الحياة، علينا أن نؤمن في قرارة أنفسنا بأنّا لم نخلق إلا لعمارة الأرض وخلافة الله فيها، لم نخلق لننشغل في حياتنا عن عبادة الله، بل لنجعل حياتنا كلها خالصة.