تشهد المجتمعات العربية والإسلامية حالة من التراجع والانحطاط الفكري والحضاري والإنساني والقيمي؛ مما جعلها متخلفة على ركب المجتمعات الأخرى وتابعة لها، بعد أن كانت الحضارة الإسلامية مهدا للتطور والحداثة وساهمت في نقل البشرية من العمل النظري اليوناني إلى العمل التجريبي (التطبيقي) عن طريق النهضة العلمية التي شهدتها آنذاك وسميت بالعصر الذهبي، حيث اهتم العلماء المسلمون بوضع أسس نظرية ومناهج علمية وتجارب، وعلى هذا الأساس قامت الحضارات الأخرى وتطورت علومها وارتقت نحو الأفضل، والأسئلة المطروحة: لماذا تغيب نجاحات الحضارة الإسلامية على واقعنا اليوم؟ إلى أي مدى تبقى هذه الحضارة مجرد تاريخ سابق انتهى؟ ما هو سبب تراجع التعليم؟ كيف السبيل إلى النهوض بالتعليم؟  
                                   
إنّ التعليم هو العمود الفقري للأمم من خلاله نحقق النهوض والارتقاء، فالله عز وجل خاطب نبيه محمدا عليه أفضل الصلاة والسلام بإقرأ، كما أنّه وسيلة لتحقيق التنمية الثقافية والسياسية والاجتماعية للشعوب. وكلما كان الاهتمام بالتعليم والعلم، كلما نجحت سياسات الدول وتطورت، ومن هذا المبدأ حاولنا وضع دراسة بسيطة لواقع التعليم في الوطن العربي والإسلامي، استنتجنا من خلالها مجموعة من المعضلات التي جعلت التعليم العربي أعرجًا ومتخلفًا عن غيره في الأوطان الأخرى، من تلك المعضلات:

  • 1- غياب التفكير التحليلي والنقدي في عملية التدريس.
  • 2- الاعتماد على الوسائل القديمة في التعليم، والتي تقتصر على حشو المواد التعليمية (بضاعة المعلم تُردّ إليه).
  • 3- محدودية مصادر التعليم والتي لا تواكب التطور الحاصل، واقتصارها على الكتب الورقية.          
  • 4- محدودية ميزانية التعليم بكافة مستوياته.
  • 5- غياب النسق الداخلي الذي يقوم عليه التعليم.
  • 6- غياب كوادر متخصصة في طباعة الكتب وشرح الصور، إذ أنّ الكتب تلقينية وغير عملية ومنعزلة عن الواقع.
  • 7-  عدم توفير ورشات عمل لتطبيق المواد النظرية وخلق أجندات علمية.              

كيف ننهض بالتعليم؟

من أجل دفع عجلة التعليم وجعلها مواكبة للتطورات الراهنة ورفع مستوى الأدوات والفرص للأفراد، يجب أن تتظافر الجهود وتتوحد لإعادة النظر في نظام التعليم، وقد وضعنا مجموعة من الحلول تتمثل في:

  • 1- البحث عن أسباب فشل الحضارة الإسلامية بعيدا عن العاطفة؛ ماذا حدث؟ وأين هي الآن؟      
  • 2- الاستدلال بالمنهج التحليلي في التعليم، والذي يقوم على دراسة مختلف الإشكاليات العلمية معتمدا على أساليب التفكيك والتركيب والتقويم، ويبنى هذا المنهج على ثلاث عمليات: التفسير، النقد والاستنباط.  
  • 3- تنمية قدرة الطلاب على التفكير العلمي من خلال إعطائهم فرصة استخدام أدوات القياس والأجهزة العلمية و تعميق معرفتهم.
  • 4- تشجيع الطلبة في البحث عن المعلومات العملية خارج الكتب.
  • 5- إعطاء الوقت الكافي للدراسة العملية في المختبر.
  • 6- تحفيز لغة النقاش والتحاور ابتداء من الأسرة. 
  • 7- تطوير المادة التعليمية وجعلها في قالب واقعي يتماشى مع العصر.
  • 8- إيجاد روح التعليم التي تقوم على مبدأ السببية وعلى التفكير المنطقي.
  • 9- خلق مشروع وطني للتقدم بمسار العلم وتخصيص ميزانيات معتبرة له.                                  

على سبيل المثال في عام 2011، أطلقت تركيا أكبر مشروع استثماري في تاريخها في مجال التربية والتعليم، إذ خصصت قيمة 7 مليارات، وأطلق على المشروع اسم الفاتح، وتم توزيع القارئ الإلكتروني على 15 مليون طالب ومليون مدرس، والاستعانة بالألواح الذكية بدلا من السوداء في 570000 صف دراسي و42000 مدرسة، نقل هذا المشروعُ التعليمَ في تركيا من عصر الكتب الورقية  إلى عصر التقنية، لتصبح المعلومة الدراسية داخل أجهزة اللوح الإلكترونية، موضحة بالصور والجداول والمخططات والبيانات.

يعتبر التعليم محوريًّا في مشروع النهضة المنشودة، لأنّه يمس كلّ الجوانب، لذلك نحن  بحاجة إلى ثورة  فكرية وعلمية تطبق على  أرض الواقع لتحرير العقل من الجمود والركود،  كما علينا مواجهة جميع التحديات التي تحول دون تحقيق خطة إصلاح التعليم العربي والإسلامي، والتحرر من التبعية والعيش على ظلال الماضي البعيد، بل يجب وضع رؤية شاملة تعيد بناء وصياغة مناهج التعليم، وعلى الحكومات دعم تلك المشاريع ووضع طرق بديلة من أجل تحسين الآليات، وهذا يؤثر بالإيجاب في تطور وتنمية السياسة الداخلية، وبالتالي النمو الاقتصادي والاجتماعي.