المسلمون كلهم –ومنهم أساتذة التعليم الديني في المدارس والجامعات والمساجد– يؤمنون إيمانًا لا يشوبه أي شك أن الإسلام هو "دين لكل زمان ومكان"، ومهما تغيّرت الحياة البشرية وتداخلت الحضارات وتنازعت، ومهما بلغ التراكم المعرفي الإنساني من قمم ووديان، وتطوّر الفكر البشري بحسب نظرية داروين أو بحسب غيرها من النظريات، تبقى الآية ثابتة "إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ". وربما يكون هذا الإيمان العميق والقوي والخالص لوجهه تعالى هو نواةً حيّة تنتظر البيئة المناسبة لتنمو وتزهر جيلًا مسلمًا جديدًا له فِعلٌ حضاريّ ينافس فيه الحضارات الإسلامية التي أنارت تاريخ البشرية بالعدل والحكمة والتطوّر. 

فما هي مقوّمات تلك البيئة التي ستغذّي إيماننا الخالص بأزلية الإسلام؟ 

لقد بدأ الإسلام في مكان وزمان محدد، بدأ بقلب نبيّ كريم، وتوسع بخطوات صعبة وشاقة إلى أهله، وصحبه، ثم إلى الحبشة، ثم إلى يثرب، ومن ثم إلى بقاع الأرض. وكان ديننا الحنيف كلما اتسعت دائرته اتسع معها، لأنه دين يصلح لكل زمان ومكان. 
في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت الآيات تنزل والأحاديث تُفصّل وتبيّن كل حادثة وكل جانب من جوانب الحياة البشرية السائدة في ذلك الزمن، الرّق والظهار والطواف عراة في مكة، كانت قضايا اجتماعية في وقت بداية الإسلام ولذلك نزلت فيها الآيات وفصّلت فيها أحاديث الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، وبعد أن اختار الحبيبُ الرفيقَ الأعلى، كان الصحابة رضي الله عنهم مدركون تمامًا لمفهوم "الإسلام دين لكل زمان ومكان" فجمعوا القرآن وجعلوه على سبعة أحرف –بتوقيف من الله تعالى– كي يتسع القرآن ليشمل شعوب الأرض كافة.
 نعم القرآن واحد ثابت لا خلاف فيه ولا في لفظه ولكنه يتسع لجميع الشعوب، وجاء الخليفة عمر رضي الله عنه فنظَّم شؤون الدولة، لماذا؟ لأن مفهوم الإسلام لديه ينطلق من القرآن والسنة إلى مفهوم الدولة، وجاء التابعين فاجتهدوا أي جهد في تنظيم علوم الحديث الشريف للحفاظ على مصدر التشريع الثاني، واجتهدوا كذلك في العلوم الكونية والطبيعية، لماذا؟ لأن القرآن حثّهم على النظر في الكون وفهم سنن الله فيه، وعندما وجدوا خللًا أو ثغرة في فهم الدين -ليس في الدين نفسه بل في فهم الإنسان للنص الثابت- نظّموا المذاهب الأربعة، ليس لتفريق المسلمين حتمًا ولكن ليتسع الإسلام لجميع المسلمين وجميع الشعوب على اختلاف احتياجاتهم وطرق معيشتهم. 
وعندما بعدت المسافات بين المذاهب جاء المفكّرون ليجمعوا شتات المسلمين ويذكروهم بأن التوحيد هو أساس الدين واختلاف التفاسير إنما هو رحمة بالمسلمين وليس سببًا للنزاع.
 جاء المفكرون كأمثال أبي حامد الغزالي ليعيد "إحياء" الدين. دين الإسلام بشموليته -مصادر التشريع الأولى، وقوانين الدولة، والشؤون الاجتماعية والمالية، والفقه، والعقيدة وكل ما ينبع منها-. وبعد ذلك فرِح كلّ مفكّر أو أتباعه بما لديهم وتفرقوا شيعًا بل وادعى كل مذهب وكل مجموعة أنهم وحدهم على حق وغيرهم على باطل وزاد الانقسام مع مرور الزمن.

بداية علينا أن نفهم نحن –المعلمون والمربون– ما هو الإسلام؟ أن نفهم أنه منهج حياة، أن نفهم أنه فكر وقلب وجوارح وعمل. أن نفهم بعده الفردي والاجتماعي والحضاري. أن نعود للأصل ونعيد الانطلاق منه، وليس أن نبدأ بكتب المعاصرين ومنها نصل إلى القرآن.

ما علاقة كل ذلك بالتربية الإسلامية؟ 

قد نتمكن من العودة إلى فهم الدين بشموليته خطوة تلو الخطوة إذا أبقينا هذا الجدول الزمني حاضرًا في ذهننا، في زمن الانفتاح الواسع نحو كل شيء وكل حضارة وكل فكرة، ما هو مفهوم التربية الإسلامية لدينا؟ وكيف تغيّر مفهوم الهوية الإسلامية التي هي أحد أهداف التربية الإسلامية؟ هل يمكننا أن نحصرها فقط في تعليم الفقه، والعقيدة، وغيرها من العلوم كما كتبها علماؤنا منذ مئات السنين؟ هل سنغيّر فيها؟ 
بداية علينا أن نفهم نحن –المعلمون والمربون– ما هو الإسلام؟ أن نفهم أنه منهج حياة، أن نفهم أنه فكر وقلب وجوارح وعمل. أن نفهم بعده الفردي والاجتماعي والحضاري. أن نعود للأصل ونعيد الانطلاق منه، وليس أن نبدأ بكتب المعاصرين ومنها نصل إلى القرآن.
كما نؤمن إيمانًا خالصا بأن الإسلام هو دين لكل زمان ومكان، علينا أن نؤمن أن كلّ ما ورد في القرآن والسنة هو من ضمن الإسلام وبالتالي هو ما علينا تعليمه، هل نحن نقوم بهذا حقًا؟ لنرَى هل نعتبر تعليم الفكر والتدريب على مناهج الفكر (التي وردت في القرآن الكريم) جزءً من التربية الإسلامية؟ هل نقوم ضمن منهج التربية الإسلامية برحلات ومشاريع بيئية وعلمية واجتماعية وسياسية؟ هل نعلم نحن أبعاد ومقاصد القواعد الفقهية، ونحفّز عقول الطلاب ليفهموا جوهر الإسلام وأصله قبل أن يفهموا فروعه ومذاهبه؟ ما هو جوهر الإسلام؟ ربما تجد مؤلفات ومجلدات تجيب عن هذا السؤال ولكن ببساطة، جوهر الإسلام هو "رحمة للعالمين"، و"أن يقوم الناس بالقسط"، وأن يتحرر الإنسان من عبادة العباد إلى عبادة الله، أن يؤمن تمامًا أن الله كرّمه وسخّر له ما في السماوات والأرض، هذا هو جوهر الإسلام الذي منه تنطلق التشريعات والأخلاق والعلوم الأخرى التي جاء بها القرآن والسنة ومن ثم نظّمها العقل البشري في الكتب والمؤلفات. 
لقد رأيتُ العلوم الطبيعية تتطور في أساليب تدريسها وجوهرها لم يتغير. قواعد الجمع والطرح والجاذبية والدفع لم تتغيّر ولكن أساليب تدريسها تغيرت، ورأيت الأهداف التعليمية تتطور ويتم تعديلها بحسب ما تتوصل إليه الأبحاث التي تدرس عقل الإنسان وتطوره ومراحل نموه. وكذلك الأبحاث في علوم النفس التي تساعد في تحديد الأهداف المناسبة وطرق تعليمها. 
نعم القرآن ثابت لا يتغير، والأحاديث النبوية الشريفة ثابتة، ولكن أين المشكلة في إعادة النظر بطرق تدريسها؟ وتوسيع مفاهيمها؟ وترتيب أهداف تعليمها؟ بل نحتاج أكثر من هذا، نحتاج أن نعيد النظر في اختيارنا للآيات والأحاديث التي نوظفها لتحقيق الأهداف التعليمية، أي أننا أحيانًا بالأمر بشكل معكوس تمامًا!
لا أرى الأمر معقدًا جدًا، بل أراه مجرّد عودة إلى الأصول والانطلاق السليم منها، ما نحتاج إليه في التربية الإسلامية هو رؤية شمولية للإسلام على أنه منهج متكامل للحياة، منه نتعلّم تنمية الشخصية، ومنه نتعلم الأخلاق، ومنه نتعلّم تنمية الروح، وتنمية الشعوب، وبناء الحضارة، وكسب العلم، والمحافظة على صحتنا وصحة كوكبنا، انطلاقًا من الدين الذي يصلح لكل زمان ومكان.