التخلف عن العصر مرض اجتماعي، حين يفوت المجتمع قطار التطور، فيراوح في مكانه، ويدفع ثمن ذلك تعبا، وأحيانا قصورا خارقا، يقود إلى استعمار، وحروب أهلية، واستبداد يطول أو يقصر.

وفي الطب يعرف الأطباء شيء اسمه التناذر (Syndrome)، وهو مجموعة من الأعراض والعلامات؛ إذا تزامنت عند مريض، في وقت واحد، قيل عنه أنه مصاب بالمرض، مثل المنغولية، التي تتصف بتراجع في الوعي، وعينين تذكران بتيمورلنك.

وينطبق هذا على المرض الاجتماعي؛ فإذا اصطبغ بحزمة من الأعراض، أخذ لقب التخلف.

ولقد أحصيت عشرا منها، قد تصدق وقد تكذب، قد تزيد وقد تنقص، فيأخذ المجتمع نسبة التخلف، بقدر غرقه في مستنقع هذه الصفات؛ فإذا تحققت العشرة، كان متخلفا كاملاً، خارج إحداثيات الزمان والمكان، نرويها مضغوطة ثم نفصل فيها:

(1) الأصل في "الإنسان" الإدانة، (2) والأصل في "الوقت" الإضاعة، (3) والأصل في "الأشياء" الحرمة، (4) والأصل في "الأصوات" القباحة، (5) والأصل في "اللباس" القذارة، (6) والأصل في "العمل" عدم الإتقان، (7) والأصل في "العقل" الجهل، (8) والأصل في "المكان" عدم البيان، (9) والأصل في "المعاملة" المقاتلة، (10) والأصل في "المرأة" العزل والإهانة.

فهذه سيمفونية رائعة تذكر بحفلات التعذيب في أقبية استخبارات الأنظمة الثورية العربية، ولشرح ما مر تفصيلا نقول

أولاً، إن "الإنسان" في المجتمع المتخلف (متهم) حتى تثبت براءته، موسوم بالخوف، يوم ولدته أمه، ويوم يموت، وحتى القبر حولته الثقافة إلى غرفة تعذيب، على يد منكر ونكير، بدل الإيحاء للإنسان، أنه قادم إلى رب رحيم كتب على نفسه الرحمة.

(2) وأما (الوقت) فمواعيدنا بعد صلاة العشاء، بما يمط الزمن حتى مطلع الفجر، وأما موعد الإنجاز فمعلق بكلمة سحرية (إن شاء الله)، وهي في حقيقتها لن أفعل! ولكن درع الحماية فيها الله، الذي لا أحد له به طاقة، والله لاعلاقة له بذلك، وهي مقلوبة من اصلها القرآني "ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا؟" بل يجب إنجازه اليوم.

(3) ومع أن (الأصل في الأشياء الإباحة) إلا أننا حولنا الحياة إلى سلسلة من المحرمات؛ فأصبح أصل كل شيء حراما، يحتاج إلى رخصة مرور، تحت القانون الميمي الثلاثي: "ما في، ممنوع، ما يصير".

وهذا اللوغارتيم التحريمي، يجمع منظومة محرمات، في أعلاها السياسة وأدناها التفكي، ولكن أليست كل الحياة سياسة؟ وأيهما أهم إطلاق اللحية وتقصير الثوب؟ أم آلية نقل السلطة السلمي؟

(4) ومع أن الرسول صلى الله عليه وسلم تأثر من جمال صوت أبي موسى الأشعري، حين تلا القرآن، ولكن هناك من يرى أن هذا فتنة، ويجب إيقاظ الناس لصلاة الصبح بما يرعبهم، وأن الغناء والموسيقى حرام بدون نص واحد، إلا أن يكون مشبوها ضعيفا، في ثقافة حرام، بسيقان عرجاء مقوسة من صلصال من فخار، وهذا الأمر يختلف من بلد لآخر.

(5) ومع دخول الحدود في بعض بلدان العالم العربي يواجه المواطن أربعاً: القلة والذلة والوسخ ويتنفس جزيئات الهواء عابقة برجال الأمن، وأمام مدرسة ثانوية في بريدة في القصيم لاحظت قطع ست عشرة شجرة خضراء بدعوى الحساسية. ويلقي الشباب بالقاذورات ولو كان حاوي القمامة على بعد خطوات، وهناك حرص على نظافة البيوت داخلياً، في الوقت الذي يبقى الشارع العام قذرا، فيما يشبه الانتقام من مجتمع لا ينتمي إليه الفرد، سببه أن الفرد يشعر أنه يملك بيته وليس وطنه.

وكما يقول مالك بن نبي عن الحضارة أنها ليست بالغنى بل النظافة، ويمكن للفقير أن يلبس أسمالاً ولكنها نظيفة، فلا تطل القذارة من الثياب، وتفوح من البدن رائحة التعرق. وهي لا تتطلب أكثر من الماء. وثيابك فطهر، وسبب النظافة النسبية في بلاد النفط جيوش العمال من بنغلادش.

(6) وعندما تسلم سيارتك للتصليح يجب أن تَغُش مرتين؛ بعدم الإتقان وتوسيخ الفرش بالشحم، فالنظافة لا دخل لها في العمل، ينطبق هذا على كل شيء، فإذا دخل العمال إلى البيت لإصلاح السقف تحول إلى مزبلة، وهل يعقل أن سد زيزون في سوريا كلف مليارا، وعمره لم يزيد عن ست سنوات أن يصاب بالشيخوخة وينهار كما انهار سد مأرب؛ ما يذكر بمرض البروجيريا فتراه في عمر الثماني سنوات مقوس الظهر وكأنه ابن الثمانين، يموت بانفجار الوتين، ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور، ولكن أي كفر هذا الذي حصل حتى انهار السد؟

(7) وأما "العقل" فهو محاصر بأسوار من النقل، وأما الاجتهاد فكان حجرا محجورا، وهو يفسر لماذا كانت رياح الإنتاج المعرفية شمالية غربية، وليس من الشرق إلا رياح السموم، تدمر كل شيء بأمر ربها.

(8) وأما "المكان" فحيثما سار الإنسان يجب أن يسأل؟ فالشوارع بدون أسماء، والبيوت بدون أرقام، وإذا وضعت أسماء الشوارع زينها الموظفون بأسماء شخصيات متشابهة، مما يجعل الناس تتفق على تسمية من عندها، كما في شوارع الرياض.

(9) ومع كل نزول إلى الشارع يجب أن يكتب الإنسان وصيته فقد تحولت الشوارع إلى ساحات حرب، وهي مؤشر عن أخلاق الإنسان الفعلية خلف مقود سيارة حديدي، حينما يستوي على ظهره، فبدل أن يقول سبحان الذي سخر لنا هذا على يد الألمان، لا يحسن استخدام ما تعب الآخرون في صناعته، فأي كارثة هذه؟

(10) وأما المرأة فقد وئدت على نحو جديد، ويجب أن توضع في علبة كبريت، وأهم قضية في الدين هي اللباس، وتحاصر مثل الوباء لأنها رأس الفتنة، وليس هناك من فتنة على الرجال أكثر من الحريم، وأكثر أهل النار النساء، وهي قاصرة عقل ودين تحتاج للوصاية.

وفي بطاقات الزفاف تزف (كريمة) فلان على فلان؛ فليس لها اسم، ويتم تبادلها مثل البضائع. ولكن هل يمكن للإنسان أن يرى بعين واحدة، ما لم يكن أعوراً؟ أم هل يستطيع أن يقفز بساق واحدة؟ إلا في أسطورة شق وسطيح؟

مشكلة التخلف أنها مثل القصر علة وراثية، لا توجع صاحبها، ويعالجها البعض بلبس بدلة طويلة؟!