الجماهير بطبيعتها لديها القابلية للقيادة، أي أنها بطبيعتها تتأثر بالمشاريع التي تسعى لتحريكها نحو أهداف ما، وفي هذا السياق يمكن القول أن نوعية الأفكار المستقرة لدى هذه الجماهير هي ما يحدد شكل هذه القابلية، وهي ما يحدد بأي مشاريع ستتأثر ولأي مصير ستصل.
فإذا كانت الأفكار المستقرة لدى الجمهور هي أفكار مميتة، فقد تتشكل قابلية هذا الجمهور للقيادة على شكل قابلية للتخلف أو للاستبداد أو للاستعمار أو للتطرف أو للانحلال أو لتجريب المُجَرب أو غير ذلك، وعندها سيتأثر هذا الجمهور بالمشاريع الهدامة أو التي تقدم الحلول الفاشلة وستتمكن تلك المشاريع من تحريك هذا المجتمع في شتى المجالات نحو التخلف أو الهاوية، وإذا كانت الأفكار المستقرة لدى الجمهور حية فقد تتشكل قابليته للقيادة على شكل قابلية للنهضة أو للتحرر أو للتقدم أو غير ذلك، وستتأثر عندها المشاريع النهضوية أو التي تقدم الحلول الناجعة وستتمكن تلك المشاريع من تحريك الجمهور في شتى المجالات نحو النهضة والحضارة.
وفي هذا السياق يمكن القول أنّ تأهيل الكتلة الحرجة للقيادة وإقامة المشاريع التغييرية دون تأهيل الجمهور ليصبح قابلا للقيادة من قبل تلك الكتلة وللتأثر بتلك المشاريع قد يؤدي إلى اصطدام هذه المشاريع بحائط الأفكار الموجودة عند الجمهور، فإذا كانت الأفكار المستقرة عند الجمهور مميتة فقد يحصل أن تصطدم المشاريع النهضوية أو التي تقدم الحلول الناجعة برفض الجمهور لها ورفض الإنخراط فيها أو دعمها بدرجة من الدرجات، وتحدث فجوة تواصلية بين تلك المشاريع وأصحابها وبين الجمهور، وتؤدي هذه الفجوة إلى حدوث مفاصلة وسخط متبادل، وبالمقابل فإذا كانت الأفكار المستقرة لدى الجمهور حية فقد يحصل أن تصطدم المشاريع الهدامة أو التي تقدم الحلول الفاشلة وأصحابها مع الجمهور وتحدث بينهم الفجوة والمفاصلة والسخط المتبادل.
وهكذا فإذا كنا نرغب بالوصول للنهضة، ونهتم بتأهيل الكتلة الحرجة لقيادة النهضة ودعمها ويتوفر لدينا مشاريع قامت بدراسة حاجة الكتلة الحرجة من المعارف والأفكار الحية وقدمتها لهم (مثل مشروع النهضة للدكتور جاسم سلطان)، فعلينا الإهتمام بتأهيل الجمهور للقابلية للنهضة، ونحتاج إلى دراسة حاجة الجماهير في مجتمعاتنا من الأفكار الحية وتقديمها لهم.
إنّ المشاريع الساعية للنهضة في حالة تدافع دائم مع المشاريع الساعية للهدم أو المؤدية للتخلف، وعالم الأفكار عند الجمهور هو الميدان الذي تلعب فيه المشاريع الرابحة على المدى الطويل.
ومن المعلوم أن عالم الأفكار لمجتمع من المجتمعات هو ما يحدد مصير هذا المجتمع، وعليه فإن استقرار الأفكار الحية لدى الجماهير في مجتمعاتنا لا يمهد الطريق أمام المشاريع النهضوية فقط، بل أيضا يقطع الطريق أمام المشاريع المدمرة ويخرجها من دائرة التأثير ويضغط على قادتها ويدفعهم إلى المراجعة أو التنحي، و في هذا السياق فنحن بحاجة إلى مشاريع تحدد الأفكار الحية اللازمة للجمهور وتستخدم ما أمكن من وسائل تمرير الأفكار، وتعمل على مدافعة المشاريع التي حددت مجموعة من الأفكار المميتة في مختلف المجالات.
من أجل ذلك، يجب التأكد من أن المشاريع الإعلامية النهضوية تتمحور حول الأفكار الحية، وأن المشاريع التعليمية بمختلف أنواعها توصل الأفكار الحية إلى طلابها، ويجب أن تعمل المشاريع النهضوية مهما كان نوعها ومجال نشاطها على مد الجمهور بالأفكار الحية من خلال دراسة احتياجات جماهير مشاريعهم من تلك الأفكار وتضمينها في المحتوى التسويقي، ومعلوم قدرة التسويق على التأثير على الجمهور، مما يساهم في تثبيت الأفكار الحية عند الجمهور ويزيد من الإنسجام بين تلك المشاريع وبين جمهورها ويمكّنها من التأثير في الجمهور بشكل أفضل وتحريكهم لتحقيق الأهداف المرجوة بفاعلية أكبر، وكما يقول الدكتور جاسم السلطان: "النخب الجيدة...هي من تتواصل مع الحساسية الجماهيرية… وتصل بالأفكار مبسطة لأعماق المجتمع".