تتوالى السَّنوات على الإنسان ولا يتبقى منها غير الذكريات، وها قد مرّت السّنة بحلاوتها ومرارتها؛ ولكي أكونَ صادقًا غالبًا ما كانت المرارة أكبر، فالحنظل منتشر في كلّ زوايا أوطاننا، مرّتْ الأوقات الصعبة كسيزيف وهو يحمل الصّخرة فوق ظهره، والثّواني الجميلة كمرور أنثى خجلى أمام ثلة من الذكور المتسكّعين، امتلأتْ وسائل الإعلام بالأخبار البائسة، كم تمنينا في بدايتها أن تكون سنة خير وفرج، كم تمنينا الحرية للأسرى والشفاء للمرضى والجرحى، كم بكينا ونحن نرجو أن تُفك كُرب أوطاننا، أن تتبدّل الأحوال، أن ترتفع قيمة الإنسان، أن نرى أنفسنا في مصافّ الدول الكبرى والحضارات العالمية، ولكن لم تتحقّق أمنياتنا، بل ازدادت الأمور سوءًا، هل هذه الكلمات دعوة لليأس والقنوط؟ بالتأكيد لا؛ بل لكي أقول ما قاله الشاعر أحمد شوقي:"وما نيلُ المطالبِ بالتَّمنّي. ولكنْ تُؤخذ الدِّنيا غلابا."

أتذكُرُ يا صديق كم كنّا متحمسين في بداية السنة ونحن نتوعد أن نحقق الكثير من الإنجازات؟ أتذكر قائمة الأهداف التي وضعناها والمنشورات الإلكترونيّة التي نشرناها تشجيعًا لنا وللآخرين؟ أنجزنا بعضها ونسينا أو تناسينا وتكاسلنا عن إنجاز البقية، والعمر يمضي: "دقّاتُ قلب المرءِ قائلةٌ لهُ.. إنَّ الحياةَ دقائقٌ وثواني"

يُقال: "باعَ مزارعٌ هولنديُّ كلَّ ما يملك وهاجرَ إلى جنوب أفريقيا لشراء أرض كبيرة بغرض تحويلها إلى مزرعة ضخمة، ولكن بعد استلامها اكتشف أنها لم تكن فقط أرض جدباء وبورًا، بل ومليئة بالعقارب والأفاعي القاذفة للسم، وبدل أن يندب حظه قرر نسيان الزراعة برمتها واستغلال كثرة الأفاعي لإنتاج مضادات للسموم الطبيعية، فتحول إلى أكبر منتِج للقاحات السموم في العالم "، بالتالي فلنحول السؤال من "لماذا حصل هذا"؟ إلى "كيف نتجاوز ما جرى ونطوّر أنفسنا"؟

إنَّ الوقت من السّنن الكونية التي وضعها الله عز وجل في الكون، ولا يمكن تغييره أو زيادة ونقصانه، أما الممكن فهو استثماره فيما ينفع وقضائه بما يفيدنا ويطوّرنا نفسيًّا وعلميًّا وعمليًّا وغيرها، علّمني الكاتب فهد الأحمدي في كتابه " نظرية الفستق " أنَّ أفضل طرق النجاح في خلق عادة صغيرة ناجحة والاستمرار بها، وقد طرحَ أمثلةً بسيطةً لجعلها عادة يومية، يقول: " لنفرض أنك قررت تخصيص ساعة يومية فقط لفعل أربعة أشياء أساسية: ربع ساعة لحفظ القرآن الكريم، ربع ساعة لرفع الأثقال، ربع ساعة لحفظ كلمات إنجليزية، ربع ساعة لحفظ كلمات فرنسية.

بعد سنوات قليلة -تمر بغمضة عين– ستتفاجأ بحفظ القرآن الكريم، وامتلاك جسد مفتول، والتحدث بلغتين عالميتين، وكلها ساعة من نهار لا تُقارن بزحمة الطرقات أو مشاهدة التلفاز"، يقول الشاعر يحيى بن هبيرة: 

"الوقتُ أنفسُ ما عنيتَ بحفظهِ. وأراهُ أسهلُ ما عليكَ يضيعُ"

وهنا أتساءل ونفسي: هل من الممكن أن أتجاوز ما يجري حولي من أمورٍ محبطةٍ لتحقيق ما أصبو إليه؟ فتجيبني: إنه على مدار تاريخ البشرية لم يخلُ إنسانٌ مما يكدّر صفوَ أيامه، ولم تنجُ أمّةٌ من صفعات الهزائم، ولكن الفرق يبرز في قراراتنا وردود أفعالنا، هل نستسلم للموت البطيء؟ أم سنحارب كي لا نجعل العام الجديد يمرّ هباءً منثورًا. 

مجرّد أيام تمضي وتأتي غيرها، رحلة دونَ بوصلة، نسيرُ فيها على غير هدًى؟ هل سنشعل جذوة الشوق للإنجاز والإنتاج والعمل، وننسج من خيوط الأمل قصص حكاياتنا؟ أم سنعيش حياةَ طفلٍ لم يبلغ الفطام من عمره؟

 يا صديقي لنترك ألفة الأيام التي تجعل من الحياة قطعة "علكة" نمضغها فلا يبقى لها من الطعم شيءٌ، يا صديقي ما دمنا على قيد الحياة فلا يزالُ هناك فسحة من الوقت للإنجاز، للتغيير والتطوير، لإصلاح أخطائنا وتجاوز نقاط ضعفنا، لتعديل منهجنا وزيادة خبراتنا، لنأخذ العبرة مما سبق ونمضي في طريقٍ غيره، لنكون يومًا ما نريد، وفي الختام أقول:

العمرُ يمضي ومنّا يقربُ الأجلُ... وكلّما مرَّ يومٌ ما لهُ بَدَلُ

فاجعلْ لنفسكَ أهدافًا لتنجزَها... وقلْ ليأسكَ ذا سلاحيَ الأملُ.